لا يمكن فصل الهجوم على مطار مدينة أبها المدني في جنوب المملكة العربية السعودية من قبل القوات الحوثية، عن سيرورة الصراع الجاري في اليمن بين السلطة الشرعية ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي ومعه دول التحالف العربي، وبين الجماعة الحوثية وحلفائها اليمنيين ومعهم المشروع الإيراني التوسعي في المنطقة.
لم يعد السؤال لماذا يهاجم الحوثيون المواقع المدنية ويستهدفونها بالأسلحة الثقيلة (والمتوسطة) بما في ذلك الصواريخ الباليستية، والطائرات المسيرة؟ فالحوثيون جماعة لا تتقيد بأي قواعد اشتباك، ولا تحترم المعاهدات والمواثيق الدولية المتصلة بالحروب والنزاعات، بل إن السؤال هو من أين يحصل الحوثيون على تلك الأسلحة الثقيلة والنوعية وهم (كما يفترض) واقعون تحت الحظر من البر والبحر والجو؟
يجتهد المحللون الاستراتيجيون والعسكريون والباحثون السياسيون في البحث عن إجابة لهذا السؤال، ويطرحون احتمالات أن المخزون الصاروخي لنظام علي عبد الله صالح هو من منح الحوثيين هذه القدرة لكن هذه الفرضية تدحضها حقيقة أن هذا المخزون قد جرى تدميره بشكل شبه كلي في الأيام الأولى لعاصفة الحزم، وانخفاض مستوى أدائه إلى القريب من نقطة الصفر على مدى أكثر من ثلاث سنوات من سنوات الحرب، ويحتمل آخرون وصول هذه الأسلحة على شكل قطع تتم إعادة تركيبها في صنعاء، لكن الجميع يقفز على سؤال أساسي وهو كيف تصل تلك القطع أو الصواريخ الإيرانية والطائرات المسيرة إلى صنعاء في ظل الحظر المفروض الذي يعلمه الجميع على صنعاء وجميع مناطق نفوذ الحوثيين؟
* * *
الإجابة على هذا السؤال يعلمها معظم اليمنيين الذين يعرفون تركيبة الجيش اليمني، أو ما تبقى منه، سواء منه ما أعلن عن ولائه (لشرعية الرئيس هادي)، أو من لم يعلن عن هذا الموقف، وطبعا يدخل هنا الوحدات والألوية التي لم تتردد عن إعلان ولائها للتحالف الانقلابي.
هناك بعض الجزئيات لا بد من تفكيكها لتسهل الإجابة على هذا السؤال وتكمن الجزئية الأولى في إن ما يسمى ظلماً بـ"الجيش الوطني" لم يعد له وجود، وربما لم يكن له وجودٌ فعلي عدا تلك الفيالق والألوية التي بقيت متمركزة في مدن ومحافظات وصحاري ومواني وسواحل الجنوب، لغرض قمع الفعاليات السلمية الجنوبية التي لم تتوقف منذ 7/7/ 1994م، وحتى هذه الفيالق والألوية كانت محشوَّةً بالأسماء الوهمية التي يستولي القادة فيها على كل مخصصات أصحاب هذه الأسماء، لكن هذه الوحدات والألوية كانت حاضرة جداً في ميادين التهريب وتجارة الممنوعات، مستخدمة السواحل والشواطئ والحدود البرية مترامية الأطراف، هذا الحضور يتجسد في المشاركة الفاعلة في تهريب الأسلحة إلى الحوثيين عبر الموانئ والشواطئ والصحاري وحتى الطرقات العادية التي يستخدمها المهربون ولم يجدوا حرجاً في تقديم الرشاوي لزملائهم من القادة المشرفين على آلاف النقاط المنتشرة من نقطة الدخول في الأراضي الجنوبية (الواقعة تحت سيطرة القادة الموالين للشرعية) حتى نقطة الاستلام والتسليم عند مناطق التماس مع الحوثيين.
والجزئية الثانية تتعلق بتلك الألوية والوحدات التي قلَّبت إعلان ولائها عدة مرات، ويتذكر الجميع أن قوات المنطقة الأولى التي تشمل صحراء ووادي محافظة حضرموت، ومحافظ المهرة شبه كاملة والتي انتقاها علي عبد الله صالح بعناية لتكون قوته الضاربة لمواجهة أي تمرد جنوبي ولحماية منابع النفط وتسهيل الاستحواذ على المنتجات وتقاسمها بين مراكز النفوذ في صنعاء، هذه القوات بقيت على ولائها لصالح عدة أشهر وربما أكثر من عام بعد الانقلاب على الشرعية ولم تعلن عن تأييدها لشرعية الرئيس عبدربه منصور هادي إلا بعد عدة أشهر من إعلان عاصفة الحزم، لكنها لم تطلق رصاصة واحدة لا على الجماعة الانقلابية ولا حتى على التنظيمات الإرهابية (داعش والقاعدة وأنصار الشرعية) التي يعتقد الكثير من المراقبين أنها تأوي إلى معسكرات تلك الألوية وتتمول وتتمون من هذه المعسكرات، وأخيرا جاء تكرار إعلان هذه الوحدات ولاءها للسلطة الشرعية، وكلها إعلانات لفظية لا تقترن بأي أفعال تبرهن مصداقية هذه الإعلانات.
هذه الوحدات والألوية والبالغة بالعشرات هي رديف مخلص للجماعة الانقلابية بفعل تركيبتها الأيديولوجية التي هي أقرب إلى الحوثي منها إلى الدولة التي يتحدث عنها الرئيس عبد ربه منصور هادي، وهي هنا تدعم الحوثيين وتهرب إليهم الأسلحة (المفككة أو المركبة) لاعتبارين، الاعتبار السياسي والأيديولجي، والاعتبار التجاري، المتمثل بتجارة التهريب بما في ذلك تهريب الأسلحة التي هي مهنة لصيقة بمعظم وحدات الجيش اليمني.
خلاصة القول أن الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة تنطلق من السواحل الإيرانية إلى سواحل بحر العرب لتدخل إلي اليمن براً أو بحرا، تحت رعاية عشرات الألوية (الموالية للشرعية) والتي لم نسمع عن أي طلقة أطلقتها للدفاع عن الشرعية حتى تصل إلى أيدي الحوثيين في مناطق سيطرتهم.
ومعالجة هذه الأزمة تكمن ببساطة في نقل تلك الوحدات من مناطق انتشارها إلى مناطق المجابهة مع الجوثيين واختبار مدى صدقية ولائها للشرعية ومعاداتها الفعلية للمشروع الانقلابي كما يفترض، ولن يكون صعبا على الرئيس هادي وشركائه في التحالف العربي، تعويض هذه القوى بألوية جديدة من أبناء محافظتي حضرموت والمهرة الذين لا وجود لهم في تلك العشرات من الألوية الرابضة في مناطقهم والكابتة على أنفاسهم وجميعها قادمة من مناطق سيطرة الحوثيين في شمال اليمن.
سيعاني الأشقاء كثيرا مع "الققوات الموالية للشرعية" فهي لا تختلف عن القوات الموالية للحوثيين إلا في شيء واحد فقط، وهو أن الحوثيين وأنصارهم مخلصين لموقفهم وهدفهم ولن يتنازلوا عنه أو يبيعوه أو يؤجروه بينما أنصار الشرعية لديهم منتهى الاستعداد للتعامل مع من يدفع لهم حتى لو كان الشيطان نفسه، ومن هنا سيظل الاعتماد عليهم لا يختلف عن اعتماد صاحب البستان على سارق المحاصيل الذي يأخذ مرتين، مرة بسرقة المخاصيل وبيها لنفسه، والمرة الثانية عندما يستلم المكافأة من صاحب البستان المسروق.