اعذرونا ... لسنا قتلة !

اعذرونا ... لسنا قتلة !

قبل 5 سنوات

في التاريخ - القريب منه والبعيد - يتقاتل كل الخصوم والأعداء ، لزمنٍ طال أو قصر ، ثم يلتئمون حول طاولة الحوار بُغية الوصول الى نقاط الحل أو سبيل الوفاق .
بالطبع ، اليمنيون يتحاورون أولاً للوصول الى الغرض الذي يسعى اليه الحوار ، ثم يقتتلون تالياً بعد أن يصل الحوار الى نفق مظلم أو درب مسدود .
نحن نقلب أسس المعادلة دائماً : الحوار أولاً ثم الحرب .. على العكس مما تفعله كل صنوف الانس والجن والطير والحيوان في هذا الكون وغيره من الأكوان !
وقراءة سريعة لتاريخنا السياسي الحديث والمعاصر - أو بالأصح لأزماتنا - ستُفضي بنا الى ما مفاده أننا نُجيد فن الحوار من أجل الحرب ..
ننعقد في مؤتمر لاحلال السلام ونحن نتحيَّين الفرصة المواتية لاندلاع المعركة ..
نتحاور بخطاب السياسة والديبلوماسية وأيدينا على مسدساتنا . وجميع أزماتنا تبدأ بكلام العقل وتنتهي الى سهام القتل .
يحدث هذا لدينا في العلاقات السياسية ، وفي العلاقات الزوجية ، وفي ملاعب كرة القدم وقاعات الأعراس والمهرجانات ومؤتمرات الأحزاب . فمعظم هذه العلاقات والفعاليات والمناسبات تبدأ ودودة ضاحكة .. وتنتهي حقودة دامية .
ويومَ أن نتقاتل ، فأننا نؤدي هذا العمل بذِمَّة وضمير وحماسة منقطعة النظير . فالعنف فينا سمة أصيلة وكأنَّها مباركة من الرب ، في الاحتراب مثلها في القاء التحية ، وفي الوجبة الشعبية مثلها في العلاقة الحميمة ، وفي الكلام الجاد مثلها في اللغو والمزاح ، ومثلها في منامنا وأحلامنا وكوابيسنا و في كل شاردة وواردة من تفاصيل حياتنا اليومية ، حتى في أنبل عاداتنا وطقوسنا مما يتصل بكرم الضيافة وحفاوة اللقاء والأحضان والتقبيل .
ان طبيعة حياة اليمنيين ونشأتهم عبر الأجيال المتواترة قد خلقت هذه السمات القاسية في تلافيف وعيهم ووجدانهم . حتى أنني لست أستبعد صحة الأسطورة التاريخية القائلة بأن الدم الأول ( وهو دم هابيل على يد أخيه قابيل ) قد جرى رقراقاً على بقعةٍ ما في الأرض التي صارت لاحقاً جزءاً من بلاد اليمن .
فاعذرونا رجاءً .. فنحن لسنا قتلة ، ولا وحوشاً كاسرة ..
غير أننا نجنح الى التعبير عن مشاعرنا واختلاجاتنا بتطرف عنيف ..
وهذا جزء حميم من التركيبة الأزلية للشخصية اليمنية منذ فجر التاريخ !

التعليقات

الأكثر قراءة

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر