عند الحديث عن الملف اليمني لا بد من التوقف والحديث عن القضية الجنوبية، فهذه القضية المحورية والمهمة التي استطاعت أن تعمل على تغيير خارطة وميزان القوة في الداخل اليمني، حيث استطاع أبناء الجنوب من خلال كسر وتحطيم المشروع الإيراني عبر الذراع الحوثية في المحافظات الجنوبية خلال فترة قصيرة أن يضعوا لأنفسهم ثقلا وأهمية لا يمكن تجاهله أو التقليل من تأثيره، وأن يعملوا على ترسية قواعد في غاية الأهمية، وضعت من أبناء الجنوبيين رقماً صعباً، سواء على صعيد المعادلة اليمنية الداخلية في مواجهة الإرهاب الحوثي أو حتى على صعيد المعادلة الإقليمية في مواجهة المشروع الإيراني.
التنظيم الإخواني جعل هاجسه الوحيد وقضيته الرئيسية ليس مواجهة الإرهاب الحوثي، بل محاولة كسر شوكة أبناء الجنوب في ظل التغييرات الحاصلة
يمكن القول إن الجهد الذي قام به أبناء الجنوب في مواجهة المشروع الإيراني عبر ذراعه الحوثية وأيضاً مواجهة توابع الإرهاب الحوثي مثل تنظيم القاعدة وداعش فرضت نوعاً من التعاطي الداخلي تجاه القضية الجنوبية، ففي ظل التغيير الحاصل في ميزان القوة في الداخل أبناء الجنوب لم يعد بالإمكان استمرارية استيراد السياسات القديمة والقائمة على تهميش أبناء الجنوب وهضم حقوقهم، فالمعادلة الجديدة أو المكانة التي سعى أبناء الجنوب لترسيخها بأنفسهم فرضت على كافة القوى أن تتعامل مع أبناء الجنوب من منطلق الشراكة، وهو ما يجسده “اتفاق الرياض”، الذي جاء ليضع أسس مرحلة جديدة ما بين الجنوبيين والشرعية اليمنية، قائمة على الشراكة عبر النص على تشكيل حكومة كفاءات مناصفة بين الشمال والجنوب.
استطاع المجلس الانتقالي الجنوبي -فهو لاعب مهم في معادلة الملف اليمني- أن ينقل القضية الجنوبية من الإطار المحلي الذي كانت سائدة منذ عام 1994 إلى أن يكون للقضية الجنوبية بعدا واهتماما إقليما ودوليا، وهو الأمر الذي ترسخ بعد أن أصبح عضوا وطرفا مهما في إتفاق الرياض الذي حظي بمباركة واهتمام إقليمي ودولي، وبالتالي فإن هذه التغييرات في القضية الجنوبية والخروج من الحالة السائدة عام 1994 وترسيخ وجودها وتأثيرها فرض نوعا جديدا من التعامل مع القضية الجنوبية، فلم يعد بالإمكان التعامل مع الجنوبيين بعقلية التسعينيات القائمة على هضم الحقوق والإقصاء والتهميش، بل التعامل معهم يجب أن يكون من منطلق الشراكة، ومن منطلق القوة التي يمتلكونها في مواجهة المشروع الإيراني.
يمكن القول إن الفرق بين الجنوبيين والشماليين في اليمن أن أبناء الجنوب يؤمنون بالدولة الوطنية ويؤمنون بأهمية وتأثير قضيتهم الجنوبية والنضال الذي يمتد منذ عام 1994، وهو بالتالي ما أسهم إلى حد كبير في أن يعطي الجنوبيين القوة لكسر المشروع الإيراني عبر ذراعه الحوثية في المحافظات الجنوبية خلال فترة قصيرة، وأما بالنسبة للشماليين فإنه يمكن القول إن حالة الجهل وغياب الإيمان بالدولة الوطنية وأهميتها وسيطرة القبيلة التي تحاول أن تتكسب من الأزمات أسهم إلى حد كبير في ظل حالة الركود التي تعيشها الجبهات الشمالية في مواجهة الإرهاب الحوثي، وهو أمر ليس بالمستغرب، فلو عدنا إلى التاريخ سنجد أن أبناء الشمال صمتوا ما يقارب الـ70 عاما اتجاه الاحتلال العثماني إبناء مرحلة التمدد العثماني التوسعي.
العامل الآخر خلف الركود الذي تعيشه الجبهات الشمالية في مواجهة الإرهاب الحوثي، أن التنظيم الإخواني جعل هاجسه الوحيد وقضيته الرئيسية ليس مواجهة الإرهاب الحوثي، بل محاولة كسر شوكة أبناء الجنوب في ظل التغييرات الحاصلة التي رفعت من أهمية القضية الجنوبية، وهذا ما يفسر حالة الإصرار الإخواني على الحشد باتجاه المحافظات الجنوبية ومحاولة العودة بالأحداث إلى حالة التأزم التي كانت سائدة ما قبل (حوار جدة واتفاق الرياض)، وبالتالي فهذه التحركات سواء العسكرية أو التصريحات الإعلامية عبر المحسوبين على الشرعية لا تخفي حقيقة إصرار التنظيم الإخواني على إجهاض اتفاق الرياض.
وبالتالي فإن هذه التطورات المهمة في القضية الجنوبية، والمكانة التي سعى أبناء الجنوب لإرسائها فيما يخص قضيتهم المحورية والعادلة، هو بلا شك إنجاز لم يكن بالأمر المستغرب، نظير الجهود التي بذلها أبناء الجنوب وجعلت منهم رقماً صعبا وعاملا مهما ومؤثرا في مواجهة الإرهاب الحوثي على صعيد الداخل اليمتي، وفي مواجهة المشروع الإيراني إقليمياً، وبالتالي فإن سقوط المشروع الإيراني الحوثي في المحافظات الجنوبية رسالة في غاية الأهمية لأي طرف يحاول أن يجد مدخلا ليفرض مشروعه على أبناء الجنوب، وبالتالي فإن محاولات الطرف الآخر إجهاض “اتفاق الرياض” ومحاولة القفز على المتغيرات ومحاولة فرض السياسات القديمة السائدة لعام 1994 القائمة على التهميش والإقصاء وهضم الحقوق، في تقديري يفرض على أبناء الجنوب الذهاب بعيداً في طريق حق تقرير مصيرهم، وتحقيق الاستقلال وفك الارتباط والوحدة وإرساء قواعد الدولة الجنوبية العربية.