لم يعد هناك من شك أن فيروس كورونا المرعب قد اكتسح معظم (إن لم يكن كل بلدان العالم) بغض النظر عن الإعلان هنا أو هناك عن خلو هذا البلد أو ذاك من الفيروس، وفي البلدان التي تحترم حق المواطن في الحصول على المعلومة يقول المسؤولون عن ملف كورونا أن الأرقام المذاعة هي ما تم رصده وتسجيله فقط لكن الحالات المنتشرة قد تكون أكثر.
الأماكن المزدحة هي أكثر الأوساط قابلية لانتشار الفيروس، وقد قيل أن أسباب الانتشار المخيف في مدينة يوهان الصينية قد جاء بعد حفل عشاء شارك فيه الآلاف بينهم مصابون ما تسبب في نقل العدوى إلى أغلبية المشاركين الذين بدورهم نقلوه (بدون معرفة) إلى من خالطوهم وهكذا تناسلت الكارثة.
ونأتي للقات وأسواق القات التي تمثل أكثر الأماكن ازدحاماً في اليمن، شمالا وجنوبا، حيث يرتادها مئات الآلاف من كل الأطياف، المرضى والأصحاء، المتعلمين وغير المتعلمين، الشباب والكهول والمسنين (وأحيانا الأطفال للأسف)، وفي ظروف هذا الانتشار الوبائي لهذا العدو اللدود غير المرئي (المسمى كورونا)، فإن انتشار الوباء بين المزدحمين في أسواق القات، كما في كل أماكن الازدحام الأخرى لم يعد مجرد افتراض بل إنه أمر مؤكد كل التأكيد، ويغدو ارتياد أسواق القات سببا مؤكدا من أسباب الإصابة.
لا يحتاج المرء لتوجيهات حكومية أو ملاحقة بوليسية ليحمي نفسه من خطر مؤكد يحيق به ويهدد حياته وربما حياة أبنائه وأفراد أسرته وكل ممن يختلط بهم، فيكفي اتخاذ القرار ذاتيا والابتعاد عن الأماكن المتسببة بالازدحام وأهمها أسواق القات حتى يتجنب المرء موتاً مؤكداً.
إغلاق أسواق القات قرار حكيم ينبغي على رواد هذه الأسواق أن يشكروا من اتخذه والمساعدة على تنفيذه، فإذا كانت الدول قد أغلقت الصالات والاستديونات وأماكن العبادة، فلا أتصور أن أسواق القات أكثر أهمية من دور العبادة.
للإخوة مرتادي أسواق القات أتوجه بالرجاء، لا تتضرروا من رجال الأمن الذين يحولون دون وصولكم إلى أسواق القات، فقد هجر الناس الجامعات والأسواق وتخلوا عن نزواتهم ، كما أوقفت العبادات والصلوات الجماعية حفاظاً على حياة الناس وأرواحهم، فلا تضحوا بحياتكم في سبيل نزواتكم، ولتكن تلك فرصةً لتجريب الحياة بلا قات، فلكم تخيل كثيرون (وأنا واحدٌ منهم) أن لا حياة ولا إبداع بدون قات، واتضح أنها كانت مجرد نوع من الوهم الذي يغطي ضعف الإنسان أمام الغرائز والشهوات.
أعود مرةً أخرى لأدعو كل الأصدقاء (وغير الأصدقاء)، إن كورونا يقلب أنظمة ويلغي عادات ويغير عادات وتقاليد وقد يطيح بأنظمة حكم، وبالمقابل يغرس عادات جديدة ويخضع الأقويا ويضعف إمبراطوريات، كل هذه للتكيف مع عاصفة كورونا فلا نلقي بأيدينا للتهلكة تمسكاً ببعض الشهوات وتصنيما لبعض العادات.
حفظ الله الجميع من كل مكروه
محبكم عيدروس نصر