دفعت السلطات التركية بإشاعة عن بناء قاعدة عسكرية تركية في سلطنة عُمان بهدف التشويش على التقارب الذي يحدث الآن بين مسقط وأبوظبي، إثر تقارب خرج من دائرة إطلاق التصريحات الدبلوماسية الإيجابية إلى مرحلة التعاون الاقتصادي الوثيق، وآخر صوره كان استعانة السلطنة ببنك إماراتي لترتيب إجراءات الحصول على قرض من الخارج.
ونشر الصحافي إبراهيم كاراغول المقرب من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تغريدة على حسابه الشخصيّ في موقع تويتر تحدّث فيها عن قاعدة تركية في سلطنة عُمان بعد قطر والصومال، وذلك في سياق بثّ إشاعات وأخبار مضلّلة تهدف إلى خلق مناخ من الشكّ بين الإمارات وعُمان.
وزعم كاراغول رئيس تحرير صحيفة يني شفق المقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم في تغريدته أنّه “كان هناك اتفاق مبدئي للقاعدة البحرية التركية العمانية.. الصومال في البحر الأحمر وعُمان في الخليج الفارسي. نحن عند بوابتي المحيط الهندي. إنها خطوة عظيمة. العقل الجيوسياسي! نحن في عُمان بعد قطر. لننظر الآن في الإمارات”.
وقال مصدر عماني لـ”العرب” إن “من السهل اكتشاف أن هذه التغريدة هي جزء من حملة تضليل لضرب تقارب عُمان مع جيرانها، وأن هذه الخطوة غير واردة من السلطنة، التي تنأى بنفسها عن سياسة المحاور مع دول الجوار، فكيف ستقبل بأن تمهد الطريق لتواجد تركي دائم في المنطقة وإشعال الصراعات هناك.”
وذكرت أوساط سياسية تركية أن أنقرة تريد من خلال هذه الإشاعة معرفة مواقف القيادة الجديدة في سلطنة عمان، ومدى تجاوبها مع الغزل التركي الذي يظهر في حملة إعلانية موجهة على مواقع التواصل تمتدح السلطنة في ظاهرها، لكنّ هدفها الحقيقي إفشال عودة مسقط إلى عمقها الخليجي واعتماده كأرضية رئيسية في ضبط سياستها الخارجية.
ويشترك الإعلام القطري والتركي في هذه الحملة لجر السلطنة إلى محور أنقرة – الدوحة الذي يقدم نفسه كمحور مناوئ لدول المقاطعة الأربع، وهو ما يخشاه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بدرجة كبيرة مع تزايد الضغوط من حلف المعارضين للتدخلات التركية في المنطقة العربية.
وقال المصدر العماني المطلع شرط عدم ذكر اسمه “إن عمان بلد معروف بأنه بعيد عن لعبة المحاور.” وأضاف “مع تغير الوضع في اليمن، والتغيير في قمة السلطة في عمان، فإن آخر ما تريده السلطنة هو تمدد تركي في جنوب الجزيرة العربية. فكيف ترضى بقاعدة تركية على أرضها؟”.
ولا تقف مخاوف العزلة عند تركيا، فقطر لا تنظر بعين الرضا لاتجاهات القيادة الجديدة في سلطنة عمان، وهي اتجاهات يتم تنفيذها في صمت وبعيدا عن أيّ تضخيم إعلامي، حيث بدأ السلطان هيثم بن طارق في إعادة ترتيب مواقف بلاده السياسية تجاه القضايا الإقليمية، وقطع الطريق أمام محاولات الفتنة والتشويش، وخاصة إذابة الجليد بين مسقط وعواصم الخليج الأخرى.
وأشارت مصادر خليجية إلى أن زيادة كمّ الإشاعات من قبل حسابات تركية وقطرية على مواقع التواصل كانت تهدف أساسا إلى منع التقارب بين مسقط وأبوظبي، حيث يبدو السلطان هيثم حريصا تماما على أن يعود الدفء للعلاقات مع الإمارات، وهي علاقات تحتاجها مسقط في مساعيها للخروج من الأزمة الاقتصادية الحادة الناتجة عن مخلفات فايروس كورونا وتدني أسعار النفط.
وتأتي الإشاعات التركية القطرية بالتزامن مع اختيار الحكومة العمانية الاستعانة بأكبر بنك إماراتي، هو بنك أبوظبي الأول، لترتيب قرض تسعى للحصول عليه من الخارج، وذلك في خطوة تتجاوز البعد المالي والاقتصادي وما يحيل عليه من مصاعب تواجهها سلطنة عمان جرّاء جائحة كورونا، إلى بعد سياسي أشمل يحمل مؤشّرات على تجاوز السلطنة ودولة الإمارات العربية المتّحدة حالة التوتّر والفتور التي سادت العلاقة بينهما في أواخر عهد سلطان عمان الراحل قابوس بن سعيد.
وكشفت الأزمة الاقتصادية الحادة الناتجة عن مخلّفات الوباء والهبوط الحاد لأسعار النفط أن مسقط غير قادرة على تجاوز محنتها دون دعم خليجي في شكل حزمة إصلاحات عاجلة على شاكلة خطة الإنقاذ التي حصلت عليها البحرين في العام 2018.
ويعطي الانفتاح على الإمارات، كما على السعودية، السلطنة فرصة لتطويق مخلفات الأزمة، كما يعطي السلطان هيثم أوراقا بيده لتنفيذ الوعود التي قطعها أمام العمانيين في خطاب تولي العرش، على عكس العلاقات التي بنتها السلطنة في السابق ولم تستفد منها واستفاد منها آخرون مثل إيران التي وجدت في مسقط بوابتها للانفتاح على الغرب والتوصل إلى اتفاق تاريخي بشأن برنامجها النووي.
ويعتقد محللون أن التحوّل الهادئ في المواقف العمانية نحو العمق الخليجي، وتحريك العلاقة مع الإمارات، لا يمكن تفسيره فقط بالحاجة الاقتصادية لمسقط، وإن كان هذا العنصر عاملا مهما في تسريع هذا التمشي.
ويشير هؤلاء المحللون إلى أن التقارب مع الإمارات وليد مراجعة هادئة يقوم بها السلطان هيثم لعلاقات بلاده الإقليمية سواء ما تعلق بالعلاقات الثنائية أو بالمواقف في القضايا المثيرة للجدل مثل الموقف من إيران والحوثيين، وهي مواقف أظهرت عُمان أبعد من الرياض وأبوظبي وأقرب إلى طهران، وهو ما يعمل السلطان هيثم على تصويبه دون ضجيج.
وباتت الظروف الآن مهيّأة أمام عُمان لجسر الهوة مع أشقائها في ظل حكم السلطان هيثم بن طارق الذي أكد منذ الخطاب الأول عند مباشرة مهامه على أولوية العمق الخليجي.