القرارات التي يتخذها الرئيس عبد ربه منصور هادي تثير العديد من التساؤلات ومشاعر الاستغراب وأحيانا الاندهاش والاستياء ليس فقط لدى أبناء الجنوب الذين ما يزالون يكتوون بنيران الأزمات التي تنتج عن السياسات الخائبة لحكومات الشرعية المتوالية، المعينة من قبل الرئيس هادي، بل وحتى لدى الكثير من الساسة الشماليين المقربين من موقع صناعة القرارات الرئاسية.
منذ سنوات أقدم الرئيس هادي على إقالة حكومة الدكتور أحمد عبيد بن دغر، وإعفاء رئيسها من منصبه وإحالته إلى التحقيق، وقد أثار القرار ارتياحا صامتا ومسموعا في الأوساط التي عانت الأمرين من فساد تلك الحكومة ورئيسها، وظل المواطنون ينتظرون نتائج التحقيق وأفرط بعضهم في توقع إحالة الرجل وبعض وزرائه إلى القضاء، لكن المواطنين فوجئوا بالرئيس هادي يعين الرجل المحال إلى التحقيق مستشاراً له، وبالأمس جرى تعيينه رئيساا لمجلس الشورى، الذي لا يهتم المواطنون إن كان ما يزال حياً أو إنه غدا ميتاً، بقدر ما يهتمون بطبيعة هذا القرار الملغوم والمناقض للمنطق ولأبجديات السياسة والإدارة، كما عين الرئيس نائبا عاما عسكريا كان حتى الأمس القريب يقود حملة غزو عدن في العام 2019م وفقد ٣ من مرافقيه في المواجهة مع القرات الجنوبية المدافعة على عدن، مما أثار التساؤل: هل هذه القرارات تمثل تراجعا من رئيس الجمهورية (الشرعي الوحيد) عن اتفاق الرياض، الذي يقتضي التوافق على اتخاذ قرارات التعيينات وتجنيب الاعتماد على الشخصيات المثيرة للجدل والمتهمة في قضايا فساد أو إثارة فتن؟
هناك قضايا وتفاصيل تتعلق بتنفيذ اتفاق الرياض بشقيه الأمني-العسكري، والسياسي، سواء فيما يخص استكمال تعيين المحافظين وقادة الأمن في كل المحافظات، أو استكمال بناء المؤسسات والوزارات عند المستوى الثاني والثالث من الكوادر والإدارات وتخفيف البيروقراطية والاعتماد على كفاءات ذات سمعة حسنة، يراعى في اختيارها الشراكة بالمناصفة وفقا لاتفاق الرياض، وكذا استكمال بناء جهاز الرقابة والمحاسبة وهيئة مكافحة الفساد والمجلس الاقتصادي، كما ينتظر الناس تحريك الفيالق المسلحة ونقل الألوية والوحدات والمعسكرات من صحراء ووادي حضرموت والمهرة وشبوة لدعم الجبهات في مأرب والجوف وأبين والضالع والصبيحة وتعز والساحل الغربي للتصدي للعدوان الانقلابي الحوثي والذهاب باتجاه استعادة العاصمة صنعاء، لكن مسشاري الرئيس هادي والمتحكمين في طباخة قراراته يدفعون دائما باتجاه تجميد المهم والحاسم والمفصلي، ومواصلة سياسات استرضاء التافهين واستفزاز المواطنين والتنصل من الالتزامات واتخاذ القرارات التي تربك المشهد وتخلق بيئة غير موائمة لعمل مشترك يفضي إلى استعادة الدولة والعاصمة، والتوجه نحو حلحلة الملفات المعقدة كالقضية الجنوبية وقضايا مكافجة الإرهاب، وملف التنمية وإنقاذ العملة الوطنية من الانهيار، وتجنيب ملايين المواطنين مخاطر الموت جوعا ومرضا وتلوثا بيئيا.
القرارات الرئاسية الأخيرة والمرتقبة تنبئ عن أحد أمرين:
* إما إن الرئيس هادي يتعمد خلط الأوراق وخلق أسباب لمزيد من التنافر والتأزيم في جبهة شركائه، كما يقول بعض الإعلاميين والسياسيين المحسوبين على بعض أنصاره.
*. وإما إنه يخضع لابتزازات ممن يحيطون به لتوريطه في مواقف تخدم أجندات أحزابهم، وتستنفر بقية الشركاء، وتدفع ملايين المواطنين نحو اليأس والإحباط من إمكانية إخراجهم من أتون الحرب وتداعياتها الاقتصادية والسياسية والإنسانية الكارثية.
ومرةً أخرى:
هل فعلا تخلى الرئيس هادي عن اتفاق الرياض ووضع جهود الأشقاء والشركاء وراء ظهره؟
د. عيدروس نصر ناصر النقيب.