على وقع زيارة بلينكن.. كيف تعاطت إدارة بايدن مع أحداث فلسطين

على وقع زيارة بلينكن.. كيف تعاطت إدارة بايدن مع أحداث فلسطين

قبل سنتين

استبق وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن زيارته للشرق الأوسط لمتابعة تداعيات انتهاء جولة التصعيد بين حماس وإسرائيل بمقابلة مع محطة "إيه بي سي" الأميركية بقوله إن "التوصل لوقف إطلاق النار كان حاجة ملحة".

 

وأشار إلى أن "تركيز الرئيس جو بايدن على الدبلوماسية الحثيثة والهادئة هو ما أوصلنا لمبتغانا، حيث توقف العنف في أسرع وقت ممكن وإنهاء المعاناة الإنسانية والتحول لشيء أكثر إيجابية".

 

ودعا بلينكن إلى البدء الآن في التعاطي مع الوضع الإنساني الخطير في غزة وإعادة الإعمار"، وختم كلامه بالتأكيد على "حق الفلسطينيين في العيش في أمن وكرامة بشكل متساو مثل الإسرائيليين".

 

يوم بدأت الأحداث وما تلا ذلك اليوم قام الرئيس بايدن بإصدار عدد من البيانات كان أولها تصريحه الشهير بأن إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها.

 

بل إنها لم تبالغ في الرد على صواريخ حماس وبهذه العبارات كان الرد الأميركي الرسمي على تصاعد الأحداث في الأراضي الفلسطينية المحتلة هو كلام الرئيس بايدن الذي ينتظره العالم. ثم توالت التصريحات التي تحث على وقف التصعيد والدفاع عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها كذلك فإن الولايات المتحدة قامت مرة أخرى في مجلس الأمن بحماية إسرائيل من أي شكل من أشكال النقد الهادف ومنعت صدور أي بيان يدعو إلى وقف إطلاق النار.

 

وبعد توقف الأحداث قالت الولايات المتحدة إنها اعتمدت دبلوماسية "هادئة" أسهمت في وقف العنف بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل داعية للتعامل مع الوضع الإنساني في قطاع غزة.

 

المظاهرات المحدودة التي خرجت هنا في واشنطن طالبت إدارة الرئيس جو بايدن بالتحرر من أطر ومحددات الإدارة السابقة في التعامل مع حقوق الشعب الفلسطيني ومعاناته، حيث أن الإدارة الأميركية تنتقد بشدة أي عمل يقوم به الجانب الفلسطيني دفاعًا عن النفس وبطريقة سلمية، كما تحاول أن تساوي بين الضحية والجلاد وكأنهما طرفان متساويان بنفس القدرات والإمكانيات، وأنها تعطي، أي الإدارة الأميركية، الانطباع بأن الفلسطينيين هم الذين يعتدون على تل أبيب والقدس الغربية" وكانت هذه هي شعارات تلك المظاهرات.

 

نعم.. كان هناك كثير من الانتقادات للرئيس الأميركي جو بايدن من كثير من الدول بسبب تعامله مع الصراع الإسرائيلي الحمساوي  المتجدد، حيث بدت إدارته غير متأهبة للتعامل مع أحداث العنف التي اندلعت بين الطرفين وقد حمل الأسبوعان الماضيان قراءات متعددة في الصحافة الأميركية.

 

ونشرت صحيفة واشنطن بوست في تقرير لها منتصف الأسبوع الماضي أن الحوار الأميركي بشأن إسرائيل يتغير، بغض النظر عن موقف بايدن، في حين أن منتقدي الإدارة الأميركية أشاروا إلى ما أسموه بـ"غفلة" البيت الأبيض، الذي يركز على أولويات السياسة الخارجية بعيدا عن الشرق الأوسط وكانت شخصيات من اليمين مثل وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، اتهموا بايدن بعدم الوقوف في صف إسرائيل بشكل قاطع في مواجهة "صواريخ الإرهابيين" مستدركا في الوقت نفسه بأن هناك انقسام متنامي داخل الحزب الديمقراطي، حيث يشعر النواب الذين يميلون إلى اليسار بخيبة الأمل إزاء عدم رغبة بايدن في نقد السياسات والإجراءات الإسرائيلية بمزيد من الصراحة، إلى جانب عدم رغبته في أن يكون أكثر إدراكاً بدور الولايات المتحدة في وصول الأزمة إلى هذا الحد وهو برأيهم الذي تسبب في مقاطعة عدد من المنظمات الحقوقية الإسلامية -الأميركية الكبرى فعالية العيد الافتراضية معللين ذلك بسبب تواطؤ الإدارة الأميركية في الحد من معاناة الفلسطينيين.

 

أما مجلة فورين بوليسي فقد رأت أن إدارة جو بايدن فوجئت بالأحداث الأخيرة في القدس وغزة والداخل المحتل، وأن خياراتها محدودة تجاه الفلسطينيين.

 

وأشارت المجلة إلى أن بايدن لا يريد المخاطرة بما يؤثر على خططه داخل أميركا، فربما أراد المساعدة، لكنه ليس مستعدا لدفع الثمن.

 

وبمعنى آخر فإن المجلة تقول إن المسؤولين الأميركيين اعتقدوا أن لديهم الكثير من الوقت للملمة ما تركه ترامب، لكنهم كانوا مخطئين، ذلك أن العنف اندلع مرة أخرى في المنطقة.

 

كل ما سبق وغيره أوصل الرئيس جو بايدن إلى إبلاغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو قبل خمسة أيام أنه ينتظر "تخفيضا كبيرا" في أعمال العنف بقطاع غزة "تمهيدا لوقف لإطلاق النار".

 

وبعد ساعات من إعلان إسرائيل أنها تجري تقييماً للتأكد مما إذا كانت شروط "وقف إطلاق النار" مستوفاة، دعا الرئيس الأميركي، الأربعاء الماضي، إلى "خفض التصعيد" بين إسرائيل وقطاع غزة اعتبارا من اليوم ذاته.

 

وبالتالي فالإدارة الأميركية بهذا الموقف تعتقد أن جهودها الدبلوماسية ستساهم بالتوصل لوقف إطلاق النار في غزة بعيدا عن مجلس الأمن وهو لم يحدث لاحقا لولا التدخل المصري وإقناع حماس واسرائيل بالتوصل لوقف لإطلاق النار.

 

ولا يمكن هنا أن نغفل أنه خلال هذه الأحداث كانت هناك صفقة الأسلحة الجديدة عالية الدقة التي وافق عليها بايدن والتي تأتي خطورتها في أنها تبرم في توقيت حرب ضروس في غزة، وهي أسلحة وافق عليها بعض أعضاء الكونغرس وتحفظ البعض الآخر، ووفقًا لتصريحات نشرتها "واشنطن بوست"، فإن "السماح ببيع هذه القنابل لإسرائيل دون الضغط عليها من أجل الموافقة على وقف إطلاق النار من شأنه أن يؤدي لمزيد من المجازر"، حيث شملت الصفقة في أهم بنودها، بيع تجهيزات وتكنولوجيا تحول القنابل "الغبية" إلى قنابل ذكية ذات دقة عالية.

 

اليوم تدرك إدارة بايدن وبلينكن أن الصراع الحالي ينطوي على ما هو أكثر بكثير من الدفاع عن النفس.

 

وأن السياق الأوسع للأزمة سابقا كان هو الفشل الكامل في تحقيق تسوية سلمية عادلة ودائمة بين إسرائيل والفلسطينيين وعاجلاً أم آجلاً ، كان لا بد لهذا الفشل أن يشعل الصراع ولذلك يرى بعض المحللين هنا أن إحجام إدارة بايدن عن إطلاق حملة جديدة من أجل السلام في الشرق الأوسط واضح ومفهوم، حيث يرى استراتيجيو البيت الأبيض أن السعي وراء حل الدولتين استنزف الكثير من طاقة الولايات المتحدة في العقود الأخيرة، مع القليل من العوائد الملموسة وبالرغم من أن تحقيق حل الدولتين الذي ينشئ دولة فلسطينية لا يزال بعيد المنال.

 

لكن هناك أشياء أخرى يجب أن تسعى أميركا وحلفاؤها الأوروبيون من أجل تحقيقها، على المدى القصير والمتوسط، لذلك يجب على إدارة بايدن زيادة الضغط على إسرائيل بمرور الوقت لتحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين واحترام حقوقهم وبالتالي فلا بد من ممارسة ضغوط علنية على إسرائيل لوقف مصادرة الأراضي وهدم منازل الفلسطينيين لأن ذلك من مبادئ حقوق الإنسان التي يجب أن تنطبق أيضا على إسرائيل.

 

اليوم يدرك الكثيرون أن إدارة بايدن قد تقدم على تعيين مبعوث عاجل لإدارة الصراع  العربي الإسرائيلي بعد انتهاء زيارة بلينكن، لكن الأسابيع القليلة الماضية أثبتت أن بايدن لا يملك حتى الآن رؤية لحل هذا الصراع، حيث أن هذا الأمر ليس ضمن أولوياته في الشرق الأوسط كما يبدو على الأقل حتى قبيل زيارة بلينكن للمنطقة وبالتالي فإن الإدارة الحالية شئنا أم أبينا لم قد لا تبلور منهاجا للتفاوض بل ستترك لدول كبرى في المنطقة مثل مصر ودول الخليج والأردن كيفية بلورة إعادة العمل بخيار حل الدولتين وستوكل إلى دول مؤثرة في مجلس الأمن دور اللجنة الرباعية الدولية، كمنهج تفاوضي له مرجعيته كما هو الحال الذي تعيشه المنطقة منذ مؤتمر مدريد عام 1991.

 

ماريا معلوف

*متخصصة بالسياسات الأميركية وشؤون الشرق الأوسط

التعليقات

الأكثر قراءة

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر