ليس كل من أجبره الاضطراب السياسي والاستئثار الظالم بالثروة والسلطة فدفعه ذلك الواقع البائس لأن يولد من رحم المعاناة فأمسك بأدوات التأسيس البدائية، وكتب لوائحه الداخلية بحبر الشعارات الخداعة، يملك الحق النخبوي ليصنف في خانة المشاريع العملاقة التي ينتظر منها أن تغير الوجه الاقتصادي والسياسي العابس، وتقود المجتمع إلى مرافئ الاستقرار ويصنع التحولات الاقتصادية الكبرى؛ بل لابد لكل مشروع سياسي يروم الاستحواذ على التأييد الشعبي من مواصفات فنية:
▪️هو ذلك المشروع الذي لا يتخذ من خطاب العاطفة وسيلة لاستمالة البسطاء ودغدغة عواطفهم لتوسيع قاعدته الجماهيرية بالضرب على وتر المحاصصة والتخوين المجتمعي، وإنما يقدم رؤيته الوطنية على بساط الإقناع من خلال نظرة شمولية لملفات الاضطراب المغلقة بشمع العجز الأحمر ووضع الحلول الاستراتيجية لوأدها في تراب التحول.
▪️هو ذلك المشروع الذي لا يضع قوائم تأسيسه على سراب الشعارات الوطنية المفرغة من محتواها، وإنما يجسد حضوره من خلال الدعوة إلى أسس العدالة الاجتماعية، والشراكة المؤسسية، وكفالة حق التعبير للجميع وبدون وضع قيود لتضييق الحريات وتوجيه القناعات لخلق فقاعة شعبوية.
▪️هو ذلك المشروع الذي يمارس ثقافة الانتقال السلس والآمن لمناصبه القيادية في مؤسساته وهيئاته الإدارية المختلفة بدون توجيه الأتباع لرفع أسهم القوى النافذة في بورصة الترويج الموجه لتولي زمام القيادة، وبدون فرض الوصاية على الأفراد وتوجيههم لممارسة طقوس الاختيار الديمقراطي المرتكز على الكفاءة العلمية، والمهارة الفنية.
▪️ هو ذلك المشروع الذي ينبذ العنف بكل أشكاله، ويربي قواعده على نبذ ثقافة الكراهية وترك مفردات التحريض والتعبئة الإعلامية المغرضة ضد الهيئات السياسية الوطنية؛ لضمان عدم توسع هوة الانفصام الأيدولوجي بين مكونات العمل السياسي، وبالتالي ارتفاع منسوب اللحمة المجتمعية والحفاظ على النسيج والسلم الاجتماعي في حالة وصال دائم.
▪️ هو ذلك المشروع الذي لا يستند على جدران العمالة ليقف على أقدام الظهور الهُلامي، ولا يرتهن لأجندات الصيد في مياه التفريق الآسنة، حتى لا يُسلب قراره السياسي، فهو بهذا يحافظ على استقلالية هويته الوطنية ولا ينقاد إلى مربع التبعية فينال شرف التمثيل الوطني لبلاده في محافل الانتزاع الكامل للسيادة الوطنية وبعيداً عن لغة الوصاية الاستغلالية.
▪️هو ذلك المشروع الذي يحافظ على همزة الوصل الذي تربطه بالكتل السياسية والنخب الوطنية لتحقيق الإجماع الوطني والعمل تحت مظلة المرجعيات الوطنية، ومد جسور التواصل وأذرع التنسيق والتعاون المشترك للخروج بصيغة توافقية تجفف منابع العمالة، وتحفظ للمواطن كرامته المهدورة.
▪️إذا خرج المشروع السياسي لنور التجسيد وهو يحمل ورقة الوصاية ولا يستند على جدران المرجعيات الوطنية، وغلب منطق المحاصصة السياسية، واللعب بورقة الابتزاز السياسي؛ فسوف يصير كالدمية بيد الأطماع ترسم مساره السياسي، فهو بهذا الفكر الإقصائي والعقلية التآمرية قد حفر خندق سقوطه قبل أن يولد ويرى أشعة البناء المؤسسي لمشروعه على خارطة التنافس السياسي.