الحديث هنا عن المبادرة التي نشرها د أحمد عبيد بن دغر وتداولها العديد من المواقع الإلكترونية والصحفية، وهي المبادرة المذيلة باسمه وباسم زميله عبد العزيز جباري والمعنونة بــ"دعوة للإنقاذ الوطني".
لم يكن بودي الخوض في هذا المنشور (المبادرة كما سماها صاحباها) فقد أُشبِعَ نقاشاً ولاقى رفضاً من معظم الأطراف السياسية اليمنية، بما في ذلك الأطراف التي اراد الأخوان مغازلتها كالحوثيين والإصلاحيين، لكن ما دفعني إلى كتابة هذا المنشور هو أن الأخوين بن دغر وجباري، (وهما يتحدثان عن اليمن الموحد، وكذا الدولة الاتحادية وعن الشعب اليمني) لم يقولا شيئاً عن القضية الجنوبية إلا ما قاله إعلام المنتصرين في حرب ١٩٩٤م، رغم إن أحدهما من ضحايا تلك الحرب اللعينة، لكن لله في خلقه شؤون وفي صنائع عباده حكمة لا يعلمها سواه وسواهم.
يدعو الأخوان إلى حوار وطني شامل لا يستثني احداً، ولم يقولا لمتابعيهما بماذا سيختلف هذا الحوار عن حوار موفنبك ٢٠١٢-٢٠١٣م الذي كانت نتائجه سببا في الانقلاب والحرب وكل التداعيات الكارثية التي اتيا بها، ويدعوان إلى تحالف وطني عريض لا يستثني احد للحفاظ على الجمهورية ورفض الإمامة ولكن بمشاركة ورثة الإمامة وكل اعداء الجمهورية، ويتهمان الشرعية بأنها تنازلت عن دورها، وقد يكون هذا صحيحاً لكنهما لم يتجرءا على البوح باسم الجهة التي تنازلت لها الشرعية، وهما بالتأكيد لا يقصدان الجهة الخاطفة للشرعية التي يعلمها غالبية اليمنيين من اصدقاء الشرعية وخصومها، ويحذران من تجزئة اليمن، لكن من الواضح أنهما لا يقصدان استيلاء الحوثيين وأتباعهم على أكثر من 90% من مساحة ما كان يعرف بالجمهورية العربية اليمنية، فهؤلاء مدعوون بموجب مبادرة الأخوين للحوار والتحالف العريض.
لن أعلق على كل هذه العناوين لأن الخوض فيها سيستهلك المساحة المتاحة وقد يستدعي تكراراً لما قلناه عشرات المرات وما قاله كثيرون من المعلقين على المنشور (المبادرة)، لكنني سأتوقف عند فهم الاخوين لقضية (الوحدة) والتهديد بتجزئة اليمن، وعلاقة الأمر بالقضية الجنوبية التي غدت عنوانا رئيسيا على طاولات البحث السياسي والدبلوماسي محلياً وإقليمياً ودولياً وسأشير هنا إلى القضايا التالية:
وباختصارٍ شديد يتضح أن الأخوين لا يعيران أي اهتمام للتطورات التي شهدتها الساحة الجنوبية منذ العام 2007م ولا للحقائق التي أنتجتها تحولات ما بعد 2015م على الأرض الجنوبية والتي جاءت لتأكد صوابية المطالب التي طرحها الشعب الجنوبي ونخبة السياسية الفاعلة منذ العام 1994م.
إن الأخوين لم يخرجا عن خطاب المنتصرين في 1994م إلا إلى خطاب المتحاورين في 2012م وهو الخطاب الذي غاب فيه الجنوب إلا من أقلية لم يكن بمقدروها صناعة مخرجات تستجيب لتطلعات الشعب الجنوبي بغالبيته العظمي، وحتى هذه الأقلية انسحب معظم أفرادها ولم يبق في حوار موفنيك إلا ما لا يزيد عن أصابع اليدين.
وتجنبا لفخ الاتهام بالإجحاف نقر هنا بأن المبادرة (المنشور) قد تحدثت عن حقائق مؤلمة سواء ما يتعلق بنتائج الحرب وتداعياتها الكارثية أوالانهيار الاقتصادي أو انتشار الفساد وانهيار قيمة العملة المحلية وسواها، وهذه أمور تحدثنا عنها وتحدث عنها غيرنا آلاف المرات، بينما يقف الأخوان معترفين بها للمرة الأولى، وعموما فالفرق بين كل التناولات السابقة لهذه التداعيات والتهديدات الجادة، وبين موقف الأخوين هو أن الأخيرين يتبوآن موقعين مهمين في مؤسسات الشرعية وكان بإمكانهما إثارة ما أثاراه من خلال هذه المؤسسات القادرة على صناعة معالجات جادة، أما النشر في وسائل التواصل الاجتماعي فإنه لا يمثل سوى نوعٍ من الاستعراض الإعلامي ومحاولة للتبرؤ من تلك الأوضاع وهو ما كان يقتضي أن يعلنا استقالتيهما من وظيفتيهما قبل التظاهر باكتشاف ما لم يكتشفه أحد قبلهما، كما يبدو أنهما يتصوران.
الجنوب والجنوبيون غير معنيين لا من قريب ولا من بعيد بهذه المبادرة (المنشور) بيد إننا توقفنا عندها هنا للتذكير فقط بأن صاحبيها كانا من أكثر الناس ضجيجا خلال سنة حوار موفنبك عن القضية الجنوبية وعدالتها واستحقاقتها.