تقرير :تقارب أمريكي إيراني .. و«الدولة» مستمرة .. وتركيا مهددة بالعزلة

الولايات المتحدة حريصة على التقارب مع إيران

تقرير :تقارب أمريكي إيراني .. و«الدولة» مستمرة .. وتركيا مهددة بالعزلة

قبل 9 سنوات
تقرير :تقارب أمريكي إيراني .. و«الدولة» مستمرة .. وتركيا مهددة بالعزلة

في الوقت الذي تُعطي فيه الولايات المتحدة الأمريكية الأولوية لاستراتيجية تطويق روسيا، فإن استراتيجيتها الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط تركز على محاولة تقليل الارتباك الناجم عن مجريات الأحداث في تلك المنطقة. ويبدو أن هذه المهمة بسيطة في ظاهرها، لكنها سوف تكون معقدة في تطبيقها.

وعلى الناحية الأخرى؛ سوف تستخدم روسيا منطقة الشرق الأوسط مسرحًا لإدارة عملياتها الرامية إلى كسب معركتها مع الولايات المتحدة الأمريكية. ومن المرجح في الجزء الأول من هذا العام أن تقترح روسيا إجراء مفاوضات تُفضي إلى اتفاق لتقاسم السلطة في سوريا لوضع حدٍ للحرب الأهلية المشتعلة هناك. وسوف تفتقر هذه الاتفاقية إلى التنفيذ، ومن غير المرجح أن تجذب الكثير من الاهتمام، لكن موسكو ستستخدم المقترح لوضع نفسها كوسيط موثوق به. ومع أخذها في الاعتبار أنها لن تكون قادرة على إخراج قطار التعاون بين الولايات المتحدة والجمهورية الإيرانية عن مساره، فإن روسيا تحاول إقحام نفسها في المفاوضات بين واشنطن وطهران عن طريق وضع نفسها كمُورّد للوقود النووي لإيران، ما يجعل الولايات المتحدة أكثر اعتمادًا على روسيا في إدارة الصراعات في المنطقة. كما ستلجأ روسيا إلى استخدام علاقاتها الوثيقة مع تركيا في مجال الطاقة في محاولة لتقويض مشروعات الطاقة المرتبطة بممر الغاز الجنوبي المُصمم للالتفاف على روسيا.

ولن تحقق التحركات الروسية في الشرق الأوسط شيئًا يُذكر تجاه ردع واشنطن عن الدفع بقوة وراء استراتيجيتها في المنطقة؛ والتي تتمثل في تجنب التزام واسع النطاق بإنزال قوات برية إلى هذا المسرح، ومحاولة إلقاء الجزء الأكبر من العبء في ملعب اللاعبين الإقليميين لإدارة التهديدات المشتركة مثل تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا. المصالح المتباينة لهذه الأطراف الإقليمية الفاعلة بالإضافة إلى تفضيل الولايات المتحدة إعداد القوات المحلية لقيادة العمليات البرية ضد الدولة الإسلامية تعني أن التقدم في العراق وسوريا – بشكل خاص - سيكون بطيئًا وغير منتظم.

«الدولة الإسلامية» تحت ضغط

ظهرت «الدولة الإسلامية» لتنافس تنظيم «القاعدة» على زعامة الحركة الجهادية العالمية، لكن تركيزها سيبقى مُنصبًا على مسرح العمليات في العراق وسوريا. وستجد المجموعة نفسها في غالب الأحيان أسيرة شبكات الدعم غير الموثوق بها والهجمات المستمرة على شبكاتها اللوجستية والتمويلية. وعلى الرغم من أن «الدولة الإسلامية» ستحتفظ بقدرتها على تنفيذ هجمات تقليدية وإرهابية في المناطق التي تتواجد بها، إلا إنها لن تكون قادرة على حشد مزيد من القوات أو بسط مزيد من السيطرة على مناطق أوسع بشكل كبير.

وحتى لو رفعت الجماعات الجهادية الأخرى أو القاعدة الشعبية العريضة للجهاديين خارج حدود العراق وسوريا راية «الدولة الإسلامية»، فلن يطرأ - على الأرجح - أي تحسن ملحوظ على قدرات الحركة. ونظرًا لتركيز «الدولة الإسلامية» على العراق وسوريا مع حالة النقص العام التي تعانيها في تقنياتها الإرهابية العابرة للحدود، فإنه من غير الوارد أن يحدث تحوّل كبير يؤدي إلى عبور هجمات التنظيم الإرهابية للحدود.

علاوة على ذلك؛ فإن الجهاديين في العراق وسوريا واليمن وباكستان والقوقاز والصومال ومنطقة الساحل في إفريقيا من المرجح أن يبقوا أيضًا تحت ضغط عسكري كبير هذا العام. وفي الوقت الذي تساعد فيه القوات البرية المحلية في مواجهة «الدولة الإسلامية»، فإن الولايات المتحدة تعتمد أساسًا على القوة الجوية لضرب أهداف جهادية في المنطقة؛ والتي غالبًا ما تُركز على العراق وسوريا، ومن المُحتمل أن تمتد لتُغطي أماكن أخرى إذا لزم الأمر.

شبكة مفاوضات بغداد

ستتسم عملية حشد القوات المحلية في العراق وسوريا لطرد «الدولة الإسلامية» بالبطء والمشقة البالغة. ففي العراق؛ محاولات تعبئة جيش وطني للتعامل مع التهديد سيُضعفها انعدام الثقة السائد بين السنة والاكراد تجاه بغداد. وسوف يعلن الأكراد عن رغبتهم في تبادل التعاون الأمني مقابل الحصول على الطاقة، الأمر الذي سيُحفّز مطالب ودعوات الحكم الذاتي في البصرة. وفي المقابل؛ سيقوم السُّنة بتجميع مليشياتهم الخاصة في محاولة للمساومة على حقوقهم من موارد الطاقة في المناطق المتنازع عليها التي يسيطر عليها الأكراد في مقابل التعاون الأمني. سوف تكون تصرفات المليشيات الشيعية الأقل انضباطًا التي تعمل في المناطق السنية سببًا في تقويض أي تقدم سياسي في هذه المفاوضات. ومن جانبها؛ ستبذل حكومة بغداد جهدها لخفض تنازلاتها لأي من تلك المجموعات في الوقت الذي تحاول فيه الحفاظ على السلطة المركزية في العراق بينما هي تصارع القضية الأكثر إلحاحًا – «الدولة الإسلامية».

وكما توقعت «ستراتفور» في عام 2014م؛ فقد اختارت تركيا الدخول مع بغداد في محادثات بشأن التوصل إلى تفاهم طاقة مع حكومة إقليم كردستان بدلاً من الموافقة على الاستقلال الكردي. ودفعت الضغوط المالية والتهديد المشترك من «الدولة الإسلامية» السلطة الكردية في أربيل للعودة إلى طاولة المفاوضات مع بغداد؛ حيث أعلنت الأخيرة أنها ستسمح بزيادة إنتاج النفط في الشمال والمزيد من الصادرات عبر الشمال في عام 2015 ليُضاف إلى إنتاج العراق بشكل عام. ولا يزال هناك عدد من القضايا الجوهرية التي لم تُحل بعد؛ بما في ذلك وضع المناطق المتنازع عليها، وتبقى تلك التسوية عرضة للتعطيل. ويبدو أن المشروعات المدعومة من تركيا لتطوير ونقل الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب من شمال العراق إلى تركيا سوف تُوتر الاتفاق بين بغداد وأربيل في ظل غياب الإطار الذي ينص على تحديد الطرف الذي سيكون له الحق في بيع الغاز الطبيعي.

«الدولة الإسلامية» مستمرة في سوريا مع محاولة العبور إلى لبنان

وفي سوريا؛ ستركز حكومة الرئيس السوري «بشار الأسد» على استعادة حلب، وسوف تحرز بعض التقدم بخصوص تلك الغاية. ورغم ذلك؛ ستُعيق أنشطة المتمردين القوات الحكومية بشكل عام في إدلب ودرعا، كما سيعيقها تحركات «الدولة الإسلامية» للسيطرة على دير الزور في شرق البلاد. وفي محاولة للحد من القوة العسكرية لقوات الأسد، فإن «الدولة الإسلامية» ستعمل على تجنيد الجهاديين للدفع ضد حزب الله في منطقة القلمون السورية المتاخمة لسهل البقاع اللبناني. احتمالية دخول الجهاديين إلى لبنان سوف تكون عامل جذب لدعم عسكري أكبر لبيروت. أما حزب الله ورعاته في إيران فسوف يستخدمون التهديد المشترك كوسيلة لتعزيز المفاوضات مع منافسيهم الطائفيين بشأن اتفاق تقاسم السلطة في لبنان.

التقارب مع إيران

الحفاظ على العلاقة مع إيران لا يزال أمرًا حاسمًا لاستراتيجية الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، ولكن التوصل إلى اتفاق شامل يقود إلى تقارب دبلوماسي بين الولايات المتحدة وإيران ليس من المرجح حدوثه في عام 2015م. لن تكون هناك نقلة نوعية في العلاقة بين إيران والولايات المتحدة. وبدلاً من ذلك؛ سوف تستمر الديبلوماسية في العلن بينما يتعاون الجانبان بهدوء في المناطق التي تجمع وتوحد مصالحهما - مثل العراق وسوريا – مع استمرار إنكار واشنطن وطهران علانية لمثل هذا التعاون.

ولا شك أن المسألة النووية جزء واحد فقط من هذه المفاوضات الواسعة. وسوف يستمر سوف التفاهم بين واشنطن وطهران خلال هذا العام في الوقت التي ستحافظ فيه الثانية على التزامها بالقيود المفروضة على أنشطة التخصيب وبالتالي ستبدأ الأولى خطوات تخفيف العقوبات تدريجيا مُعتمدة بشكل رئيسي على السلطة التنفيذية للقيام بذلك. وسوف يقيد انخفاض أسعار النفط طهران ما يدفعها للتقارب السياسي مع روسيا، وستدعم العقوبات والقيود المفروضة على البلدين هذا التقارب. ومع ذلك؛ فإن التعقيدات السياسية المحيطة بهذه العملية جنبًا إلى جنب مع القيود التقنية تعني أنه من غير المرجح أن يشهد قطاع الطاقة الإيراني انتعاشة هذه العام الذي سيشهد زيادة كبيرة في كميات النفط الإيراني في السوق.

وسيضيف عجز الرئيس الإيراني «حسن روحاني» عن إحداث تحسنٍ ملموس في الأوضاع الاقتصادية في إيران المزيد هذا العام إلى الضغوط الداخلية التي يواجهها جراء تأييده المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية. وكخطوة وقائية؛ سيقوم روحاني بمحاولة إضعاف خصومه في الحرس الثوري من خلال فتح ملفات تُهم الفساد وغيرها من الوسائل القانونية التي تهدف إلى تقويض موقف الفيلق الذي يلعب دورًا مركزيًا مهمًا في الاقتصاد السياسي في إيران. وسيحاول الفيلق مرة أخرى ولكن في نهاية المطاف سوف يفتقر إلى القوة المؤسسية اللازمة لزعزعة استقرار حكومة «روحاني» بصورة كبيرة وإفشال المفاوضات.

تركيا ومزيد من العزلة

على الرغم من اشتراك الولايات المتحدة وتركيا في عدد من المصالح – منها على سبيل المثال إبقاء الطموحات الروسية تحت السيطرة وتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط – إلا إن تلك الشراكة ستظل متوترة خلال عام 2015م.

وستحافظ تركيا على موقف عسكري دفاعي على طول حدودها على الرغم من مطالب أنقرة الطموحة بإنشاء منطقة حظر طيران في سوريا، وهو المقترح الذي ستبقى الولايات المتحدة على مسافة منه بينما تركز جهودها على مكافحة «الدولة الإسلامية». دعم تركيا للجماعات الإسلامية على غرار جماعة الإخوان المسلمين جنبًا إلى جنب مع ما تفرضه من سرية على قدرتها العسكرية سيعزل تركيا عن جزء كبير من العالم العربي، وبالتالي سيحرمها من إضفاء الشرعية على دورها الذي تسعى إليه كقائد إقليمي.

كما ستُبقي تركيا نفسها على مسافة من الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لاحتواء روسيا مُفضّلةً التوازن الدقيق بين روسيا والغرب. وعلى سبيل المثال؛ ستمضي تركيا قدمًا في تنفيذ خط أنابيب الغاز الطبيعي الممتد إلى ما وراء الأناضول وخط أنابيب البحر الإدرياتيكي ومشاريع الممر الجنوبي الأخرى التي تلتف حول روسيا مع تعزيز علاقة الطاقة مع موسكو في الوقت ذاته. ومع عدم قدرتها على كسر الاعتماد في مجال الطاقة على موسكو، فستعمل أنقرة على جني الفوائد التجارية كدولة عبور مع الاستفادة من المناخ السياسي المتوتر لزيادة التبادل التجاري مع روسيا في ظل ابتعاد الاتحاد الأوروبي تدريجيًا عن الدب الروسي.

وأكثر ما سيشغل تركيا على مدار عام 2015م هي الانتخابات العامة المزمع لها شهر يونيو المقبل. وستجري الانتخابات في ظل تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة والانتقادات المتزايدة ضد السياسة الخارجية لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم. وستبقى المعارضة منقسمة ما يحرمها من إلحاق هزيمة ساحقة بالحزب الحاكم، ولكن شعبية حزب "العدالة والتنمية" في الانتخابات ستتآكل، ما قد يتسبب في عدم تحقيق الحزب لأغلبية الثلثين في البرلمان. ولن يمنع ذلك الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» من إعادة تركيز السلطة تحت حكمه. كما لن ينجو «أردوغان» من اتهامات بانتهاك الدستور، لكن تلك الاتهامات لن تجد زخمًا دستوريًا قويًا يدفع خلفها بُغية عرقلة الحكومة أو منع «أردوغان» من إدارة البلاد.

وسينافس حزب «العدالة والتنمية» على أصوات الأكراد مُستفيدًا من عملية السلام الجارية مع حزب «العمال الكردستاني»، كما ستستثمر الفصائل الكردية انتخابات هذا العام في تركيا للسعي من أجل تحقيق مطالبها مستعينةً بالمظاهرات في الشوارع تارة وهجمات بين الحين والآخر تارة أخرى. وستكثر المطالبات الكلامية بشأن عدد من النقاط المعيّنة، ولكن المفاوضات - التي ستدور بشأن تلك المطالب التي ستعلو بها أصوات الأكراد - ستبقى مُكبلة بعدد من القيود. وفي ظل ساحات القتال النشطة على الحدود التركية؛ لن تنجح أنقرة في نزع سلاح حزب العمال الكردستاني، ولن يكون لحزب «العدالة والتنمية» القدرة السياسية الكافية لإقرار مكونات اتفاق سلام من جانب واحد.

المصدر | ستراتفور

الأكثر قراءة

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر