الامين برس / لقاء : بسام القاضي :
ما زالت كثير من صفحات سفر ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة ضد الاستعمار البريطاني طي الكتمان أو مخزونا في ذاكرة رجالاتها الأبطال الذين فجروها .. وحملوا على عاتقهم مهمة الوصول بها إلى بر الأمان الذي تحققت في الثلاثين من نوفمبر 1967 م بعد أربع سنوات من نضال شاق خاضه شعبنا الجنوبي الأبي التواق الى الحرية .
القائد النقابي والمناضل الثوري الوالد عبدالله مطلق صالح واحداً من أولئك الأبطال الذين كان لهم دوراً بارزاً في رحلة الكفاح المسلح اتصلنا به مراراً والتقيناه لمرات كثيرة من أجل إقناعه كي يفتش ذاكرته ويبحث فيها عن بعض من ملامح تلك الأيام المشرفة في تاريخ الثورة وكانت حصيلة هذا التذكار ما استطعنا أن نحجز له هذا الحيز .
المناضل عبدالله مطلق صالح قائداً لجبهة حالمين القتالية
يتذكر المناضل عبدالله مطلق صالح أنه في شهر ديسمبر 1963م، بعثت قيادة الجبهة القومية “اللجنة التنفيذية” في تعز برسالة إلى قيادة التنظيم في عدن، احتوت على توجيه واضح قضى بتكليفي بالذهاب إلى حالمين وفتح جبهة قتالية هناك، بهدف تخفيف الضغط على جبهة ردفان وفي الوقت نفسه توسيع رقعة الثورة المسلحة ضد الاستعمار وأعوانه.
ويضيف مطلق لما أبلغت بذلك القرار، توجهت فوراً إلى (جبل القضاة) حالمين مسقط رأسي، وهناك فوجئت بوجود الأخ المناضل/ عبدالله المجعلي قائد جبهة ردفان حينها ومعه شخصان عرفت أنهما من أبناء مصر العروبة فالتقيت بهم في منزل الشيخ/ محمد مطلق وعرفت منهم أنهم كانوا على علم بالتكليف الصادر إلي والمهمة الملقاة على عاتقي والمتمثلة بفتح جبهة جديدة في حالمين.. وبعد مناقشة الوضع والترتيبات المتصلة بفتح الجبهة قررنا القيام باختيار مجموعة من الشباب والتوجه إلى تعز.
فقمت باختيار 12 شاباً ومنهم الشيخ/ محمد مطلق وعلي مثنى علي صلاح وعبدالله أحمد الغلابي وقاسم علي صالح، وعلي طالب راجح، واتجهنا إلى تعز حيث تلقينا في منطقة صالة دورة عسكرية استغرقت شهراً واحداً، ثم عدنا إلى المنطقة وكلنا قوة وثقة بانتصار الثورة.
أهمية منطقة حالمين الاستراتيجية
ويستطرد مطلق قائلاً : لقد أدركت قيادة الجبهة القومية - عن علم - أهمية منطقة حالمين الاستراتيجية وأهمية جعلها جبهة كفاحية ضد الاستعمار وأعوانه.. فحالمين منطقة جبلية شديدة الوعورة، وهي، علاوة على ذلك، محاطة بسلاسل جبلية تلتف حولها من كل الجهات على نحو يجعلها أشبه ما تكون بالقلب في ذلك الجسد الذي يتكون من منطقة (حبيل جبر والحبيلين) جنوباً و(الحواشب والضالع) غرباً و(الحصين والشعيب) شمالاً و(يافع) شرقاً الأمر الذي جعلها تشغل مكانة هامة جداً بين جبهات القتال في المناطق المحيطة بها وعلى صعيد الوطن بصورة عامة. إذ كانت تشكل جبهة إسناد كفاحي وعمقاً استراتيجياً لجيش التحرير في عموم المنطقة.
ويواصل مطلق بعد ان انهينا الدورة التدريبية العسكرية في تعز قمنا باستقطاب حوالي 70 شخصاً وضمهم إلى الجبهة. ثم قمنا بإجراء اتصالات مع المشايخ والشخصيات الوطنية في المنطقة، بهدف عقد صلح ينهي الثارات القبلية ويكرس كل الطاقات لمحاربة الاستعمار.
وفعلاً تم عقد صلح شامل بين القبائل في حالمين، وبينها وبين القبائل في المناطق المجاورة، كما شكلت لجنة تقوم بحل أية قضايا أو نزاعات بما فيها حل قضايا الثأر حيث إن المنطقة لا توجد فيها سلطة إدارية أو عسكرية بريطانية، كما قامت اللجنة بحل كثير من النزاعات في مناطق خارج حالمين، ففي يافع أمكن حل قضية الفتنة بين الجربة ومنفرة، وفي الشعيب وفي مناطق الضالع المجاورة لحالمين. ثم قمنا ضمن 50 شخصاً من الثوار بزيارة مدينة قعطبة وذلك بناءً على طلب من القيادة هناك، ولدى وصولنا قعطبة استقبلنا الأخ المناضل/ طه مقبل والأخ المناضل/ محمد أحمد البيشي ومعهما اللواء/ فخري عامر من القيادة العسكرية المصرية الذين زودونا بالمعلومات القيمة حول سير حركة الثورة في الشمال وفي الجنوب وطبيعة المخاطر المحدقة بآمال وتطلعات الشعب اليمني في التحرر والتقدم والوحدة. وقدموا لنا أول دفعة من الأسلحة والذخائر كانت مكونة من البنادق ورشاشات برن إنجليزية برنسيت ضد الدبابات والرصاص والألغام المضادة للآليات ومدفعين 3 هنش ومدفع 2 هنش والعبوات الناسفة، فحملنا ذلك العتاد الحربي إلى جبهة حالمين وتحديداً إلى مركز القيادة في جبل القضاة، حيث قمنا بتشكيل ثلاث فرق عسكرية هي: فرقة زرع الألغام، وفرقة العبوات الناسفة وفرقة لحراسة مركز القيادة.
قصف المنطقة .. وثورة الاهالي
أول عملية عسكرية قامت بها جبهة حالمين ضد الاستعمار هي زرع ألغام ضد الدوريات العسكرية البريطانية التي كانت تتحرك في الطريق الممتد من الضالع إلى الشعيب في بداية عام 1964م، بعد ذلك قامت مجموعة مكونة من 13 شخصاً وكتأكيد من قيادة الجبهة في حالمين على أن الثورة مندلعة في مختلف المناطق ولإشعار السلطات البريطانية بشراسة المقاومة، نفذ هجوم على مركز خلة الإداري. بعد هذه العملية شعرت السلطات البريطانية بالخطر فقامت بإرسال إنذار للشيخ مطلق صالح، تطلب فيه إيقاف مثل هذه الأعمال ما لم سوف يتعرض جبل القضاة إلى الهجوم من قبل القوات البريطانية.
وفي يونيو 1964م قامت طائرتان حربيتان بإنزال إنذارات إلى أهالي المنطقة تطلب منهم مغادرة منازلهم خلال نصف ساعة، لأن القرية سوف تقصف بعد ذلك، بعد انتهاء مدة الإنذار أغارت خمس طائرات حربية على المنطقة وضربت المنازل في منطقة جرمل حيث تم أصيب إحدى الطائرات بسلاح المناضل/ عبدالله سالم الغلابي، وكان لهذا القصف تأثير كبير بين المواطنين حيث توجه الكثير منهم إلى قيادة جبهة حالمين مطالبين بتجنيدهم في صفوف جيش التحرير.
وعندما وصلتنا معلومة عن نوايا الإنجليز، وهدف تحركاتهم الاستطلاعية سارعنا إلى الاتصال بالقيادة في تعز ثم اتجهنا إلى قعطبة والتقينا بالأخ المناضل/ محمد أحمد البيشي قائد جبهة الضالع والأخ المناضل المقدم/ علي السعيدي قائد منطقة قعطبة وشرحنا لهما الموقف، مطالبين بضرورة فتح جبهة في الشعيب، وتم التواصل مع القيادة في تعز ووافقوا على فتح الجبهة. بعد ذلك تحركت إلى الشعيب والتقيت بالشيخ/ مطهر الخلاقي وحريز مطهر الخلاقي وبدورهما قاما بتجهيز 70 مقاتلاً والتقينا بهم في قعطبة وانتقلنا معاً إلى تعز، وهناك كان تدريبهم وسلمت لهم القيادة أسلحة شخصية على أن يقوموا بالعمل القتالي ضمن جبهة حالمين مؤكدين أنها سوف توفر لهم الأسلحة الهجومية. وفعلاً تم تشكيل فرق مشتركة في الجبهتين.
الهجوم على مقر قيادة جبهة حالمين
في أغسطس 1964م عادت مجموعة الشعيب من تعز، كما عادت معهم المجموعة الثانية من حالمين. في هذا الوقت وصلت رسالة من قيادة جبهة ردفان تطلب فيها من جبهة حالمين، إرسال مجموعة من جيش التحرير لمساعدتهم في رد الهجوم الإنجليزي الذي كان مقرراً أن يوجه ضد مركز قيادة جبهة ردفان في (كنظارة)، وفي الوقت الذي أرسلنا فيه جيش التحرير في جبل القضاة إلى ردفان قرر الإنجليز القيام بالهجوم على مقر قيادة الجبهة وقرية عسقه، وهذا ما حصل في 29 أغسطس 1964م عندما استيقظ أهالي قرية عسقه على صوت الطيران الإنجليزي الذي قام بقصف الجبال والمرتفعات المحيطة بالقرية وتقدم إلى القرية جزء من الكتيبة والجزء الآخر حاول التقدم باتجاه الموعين جبل القضاة فجوبهوا بمقاومة بطولية من قبل الثوار استمرت من الصباح إلى المساء واضطر فيها العدو إلى الانسحاب إلى الشعيب وفيما قاد المقاومة في جبل القضاة الشيخ/ محمد مطلق فقد قدت المقاومة في عسقه .