يقال إن القائد العربي الإسلامي الشهير خالد ابن الوليد كان قد قال وهو على فراش الموت: (لقد حضرتُ كذا وكذا معركة، وما في جسمي موطن شبر إلا وفيه ضربة بسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، وهأنذا أموت على فراشي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء).
تذكرت هذه العبارة للقائد العسكري الأشهر في العصر الإسلامي الأول، وأنا أتلقى ذلك الخبر الصدمة بوفاة القائد العسكري والامني الشهير صالح احمد السيد البكري، مدير أمن محافظة لحج الذي توفى فجر اليوم بعد تعرضه لذبحة صدرية فشلت معها كل محاولات إنقاذه.
ربما كانت وفاة القائد الإسلامي خالد بسبب الشيخوخة وبلوغه آخر العمر، ولم تتوفر المستشفيات وسيارات الإسعاف والأدوية ووسائل الإنقاذ المتطورة، أما صالح السيد ذلك القائد الذي قابل الموت وجها لوجه عشرات المرات، سواءٌ في معركة الدفاع عن الجنوب في العام ١٩٩٤م، أو في معارك المواجهة مع جماعة الغزو الثاني ٢٠١٥م أو في معارك المواجهة مع محاولات الغزو المتأخرة ومواجهة الجماعات الإرهابية أو في محاولات الاغتيال العديدة التي نجا منها وكان يخرج هازئا ساخرا بمنفذيها متوعدا بملاقاتهم على أرض المعركة، لكنه مات بذبحةٍ صدرية تكمن وراءها عشرات التساؤلات وعلامات الاستفهام.
يخيم الحزن على كل محبي هذا القائد البطل وأكاد اقول على كل رجال الأمن والقوات العسكرية وابطال المقاومة الجنوبية ومن خلفهم آلاف وربما مئات الآلاف من الجنوبيين ممن عرفوا عن هذا البطل شجاعته ومعنويته المرتفعة ونزاهته وقوة إرادته وإخلاصه للجنوب شعباً وأرضاً وقضيةً.
لا شك أن هناك من سيفرح ويبتهج لهذا الخبر من المتقولين والمفتريين، ونافخي ابواق الحقد والكراهية.
كانوا يقولون عنه وعن كثير من أبطال المقاومة الجنوبية الأفذاذ :(أصحاب البناشر) وقد قلت لأحدهم وهو قيادي وبرلماني مؤتمري جنوبي ومن أتباع فلسفة "من تزوج امي هو عمي" قلت له هو كان بنشري، لأن بلاده طردته ومن امثاله من الشرفاء واستدعت بدلا عنهم اللصوص والتابعين وضاربي الطبول، لكن صاحب البنشر أثبت وجوده عندما حصحص الحق، بينما هربتم انتم ومن أتى بكم باحثين عن ملاذات ومناطق آمنة لاستثمار منهوباتكم في أوطان بديله بينما وطنكم يعبث به السلاليون والطائفيون.
ولعلم من لم يعلم فصالح السيد مثل ابو اليمامة وعمر الصبيحي وعيدروس حقيس ومحمد جواس، وسيف العفيف (سكرة) وسعيد المحمدي والآلاف من أبطال الجيش الجنوبي، لم يأتوا من مجالس القات ولا من الملاهي الليلة ليلتحقوا بالجبهات الملتهبة، فالسيد كان أحد أبطال الشرطة العسكرية الجنوبية ثم قائدا لحراسة الوزير المرحوم محمد احمد سلمان، وفي حرب ١٩٩٤م ساهم ببطولة نادرة في الدفاع عن الأرض والشعب الجنوبي، وتعرض بعد انتصار العدوان للاعتقال لعدة اشهر، ثم سافر بحثاً عن اللقمة الشريفة في مهنة شريفة يستصغرها اللصوص والنهابين (الأنيقين) ولم يتورط في ما يفعله المتقولون من نفاق وفساد ولصوصية وعبث بالمال العام وسوء استخدام الوظيفة الحكومية.
ما يزال الحزن يخنقني ويشتت افكاري ويضيع بصري وبصيرتي بعد هذه الصدمة العنيفة لذلك ساتوقف هنا، مبتهلاً إلى فاطر السموات والارض، وصانع الكون وخالق الخلق أن يتغمد فقيدنا الغالي العميد صالح السيد البكري برحمته وغفرانه وأن يسكنه فسيح جناته.
وبهذا المصاب الحزين أعزي نفسي وأعزي كل اهل الفقيد وأسرته واولاده وذويه وجميع محبيه، والعزاء موصول لكل أهلنا في بني بكر ويافع عموماً ومحافظة لحج وكل الوطن الجنوبي وإلى رؤساء الفقيد ومرؤوسيه من رجال الأمن ورجال المقاومة الجنوبية وكل الشعب الجنوبي بهذا الحدث الأليم.
وإنا لله وإنا اليه راجعون.