يشهد الجنوب اليوم الكثير من الجدل على وقع التطورات شبه المفاجئة التي حصلت مؤخراً وبما أثارته من وردود أفعال متباينة على صعيد التعاطي معها سلباً وإيجاباً؛ ومابين التفاؤل والتشاؤم تنتصب أمام الجميع الكثير من التساؤلات والأسئلة الملحة التي تبحث عن إجابات وإيضاحات مقنعة وواضحة؛ لينخرط الجميع بتفاعل إيجابي وقناعة في هذه المرحلة الجديدة والنوعية الصعبة والمعقدة والمحفوفة بالمخاطر والغموض المصحوب بالقلق المشروع من مآلاتها المنتظرة؛ وهي مرحلة يتواصل فيها بحث الجنوبيين وقواهم السياسية المختلفة وفي مقدمتها المجلس الإنتقالي الجنوبي عن الطرق والحلول والوسائل المناسبة التي يستطيعون بها وعبرها الوصول إلى أهدافهم الوطنية المشروعة .
ومن الواضح لنا على الأقل بأن العنوان الأبرز والجوهري الذي سيلي فترة ما بعد إنتهاء الحرب والدخول في مرحلة التسوية الشاملة؛ يتمثل بضرورة وجود الصيغة الملائمة للتفاهم والحوار والتفاوض الندي بين عدن وصنعاء بشأن الوصول بالأوضاع إلى ماقبل مايو ١٩٩٠م والإقرار بفشل مشروع الوحدة السياسية فشلا ذريعاً؛ وبأنه لا أمل بعد كل الذي جرى في الجنوب وللجنوب وأهله خلال عقود ثلاثة من ويلات ومآسي وقهر وظلم مركب شمل كل ميادين حياتهم وطال مكتسباتهم وتاريخهم ومنجزاتهم الوطنية؛ والحوار مع الشمال ليس خيارا بل ضرورة بكونه الوجه الآخر للمشكلة والحل معا كما سبق وأشرنا لذلك مرارا من قبل.
وبالنظر لكل ذلك فإن العودة لوضع الدولتين المستقلتين المتجاورتين والمتعايشتين سلماً ووداً؛ وعبر آلية مناسبة وبفترة إنتقالية قصيرة مزمنة يتفق عليها وحسب ما تقتضيه الضرورة المنطقية والموضوعية؛ لأن ذلك قد أصبح أمرًا لا مفر منه ولا سبيل آخر للخروج من حالة العداء والكراهية ووضع الإحتراب الدائم؛ وبأن التحرك في هذا الإتجاه وحده ودون مراوغات أو إلتفاف عليه؛ هو الطريق الصائب والمضمون لإستقرار وإزدهار الشعبين الشقيقين في الجنوب والشمال على حد سواء؛ والضامن لنجاح سيرهما الآمن نحو المستقبل الذي يؤمن التعاون المثمر الواسع والمتعدد المجالات والقائم على روح الشراكة البناءة التي تستجيب للمصالح والمنافع المتبادلة وإنسيابها مع ضمان حرية الإستثمار والتنقل والعمل وعلى أسس وضوابط إجرائية وقواعد قانونية منظمة لكل ذلك.
ومن هذا المنطلق وتجنباً لحالة الإرباك أو خلط المهام والأوراق والمفاهيم؛ وحتى ينهض الجنوب موحدا في هذه المرحلة ليخوض غمار معاركها السياسية بنجاح وضماناً لتحقيق تطلعاته وأهدافه؛ فإن الضرورة تقتضي من كل القوى والفعاليات الوطنية والسياسية والمجتمعية القيام بدورها لجهة تهيئة الرأي العام الجنوبي من خلال وضعه بصورة وطبيعة هذه المرحلة وما تعنيه للجنوب حاضراً ومستقبلا؛ وتحصينه وطنياً ومجتمعياً وتمكينه من الدفاع عن حقه وحقوقه ومستقبله وبرؤية ووضح تام؛ ومهمة وطنية كهذه لا تقبل التأجيل ولا تحتمل الأخطاء والأمزجة والعشوائية السياسية القاتلة.
وفي تقديرنا فإن القيام بهذه المهمة وعلى نحو شامل وفعال سيكون مرهونا بقدرة الجنوبيين على إستكمال حوارهم الوطني ووصوله إلى محطة التوافق التاريخي المأمول وبأقصى سرعة ممكنة؛ وبما يضمن وحدة صفوهم وتصليب إرادتهم الوطنية الواحدة وتعزيز وحماية جبهة الجنوب الداخلية وعلى نحو يحصنها قدر المستطاع من كل أشكال الإختراقات ويجنبها الإنزلاق نحو الفتن المتنقلة التي تجد من يثيرها ويغذي بواعثها وبطرق دنيئة مختلفة.
———-
نشر وعمم بتاريخ ٢٠ / أبريل من العام الماضي / ٢٠٢٢م