من يزور عدن اليوم يجدها في حالة غيبوبة وفي غرفة انعاش مفتوحة ولا يغرنك الانتعاش الفوضوي في كل شيىء وبعضه خارج عن النظام والقانون وهي التي كانت مدينة النظام والقانون و الثقافة والعلم والتجاره والفن والانفتاح … كان انظار العالم تتجه اليها عندما كانت تنافس المدن العالمية في حركة الطيران والملاحة البحرية والتجارة وكانت قبله سواح العالم وتخرج منها عباقرة التجارة الذين توزعوا بين مدن العالم.
عاشت عدن ركودا اقتصاديا وتجاريا وانحسرت فيها الحركة السياحية خاصة بعد اغلاق قناة السويس ورافق ذلك اجراءات حكومية غير موفقه ابعدت عدن عن وظيفتها الاساسية كمركز عالمي للتجاره وحركة الوصل بين الشرق والغرب عبر البحر والجو وفقدت عدن موقعها الريادي في الجزيرة العربية والتي كانت تماثل مدن اسيوية مثل هونج كونج وطوكيو وغيرها بينما سنغافوره التي حصلت على استقلالها بنفس فترة استقلال عدن والجنوب ولم تملك شيىء من مقومات الحياة تمكنت من النهوض لتنتقل من العالم الثالث الى العالم الاول في غضون عقود قليله من الزمن .
انحدرت عدن والجنوب بسبب الركود الاقتصادي والجمود السياسي وعدم مواكبة التطورات في العالم هذا ادى الى انهيار المنظومة السياسية بصراعات بيزنطية قادتها بعيدا عن هويتها الى هوية اخرى دون حساب النتائج الكارثية التي ستودي الى ذلك فالوحدة التي تمت في عام 90 م والتي كان يعتقد قادة الجنوب خطاء بانهم ينتقلون الى عالم ارحب واشمل كانت هي الكارثة التي نكبت الجنوب المتحضر الذي يحمل هياكل دوله مدنية وكانت القشة التي قسمت ظهر الجنوب ( الوحدة ) حيث انتقل الى عدن كافة اشكال الفوضى من قبلية وعسكرية واداريه وماليه والثأرات والعشوائيات وتحييد القانون واستبداله بالعرف القبلي بحيث يتحمل الثور القضايا الجنائية عن كبار القوم وحواشيهم وبداء تفشي الفساد والرشوه وانتشر الارهاب بكل اشكاله اضافة الى عنصرية دولة الوحدة التي وضعت الجنوبيين في خانة خليك بالبيت وصادرت المرافق الصناعية وتحولت عدن والجنوب الى مكان للنهب والسلب وبداء الهجوم الكاسح على كل ما هو مدني في عدن والجنوب ووزعت الاراضي على شكل غنائم وهي التي تعتبر ثروة وطنية لا تصرف الا بحدود الاستخدام للاستثمار والسكن ودخلت الاراضي للتداول في البورصه العشوائية كسلعه تنتقل من شخص الى اخر كما تم تدمير البنية الصناعية عبر تشليحها ونقلها الى الشمال او تمليكها للمتنفذين كما سمح للسطو على المساكن الشخصية للجنوبيين من قبل جنوبيين يتبعون نظام صنعاء كمكافئة عَلى خدماتهم حتى يخلق بؤرة توتر دائم فيما بينهم كما جرى تدمير النظام التعليمي والجهاز الصحي كاملة وكل شيىء جميل في عدن تم مصادرته واصبح اثر بعد عين حتى الوظيفة العامة تحولت الى ملكية شخصية والى موقع للتكسب الشخصي ويتم توظيف الاقارب وابناء القبيله ويصبح المسؤل محاط بشله فاسده غير مؤهله تسير امور المواطنين البؤساء وتجري عملية الابتزاز ورمي القانون والنظام ورائهم ….طيب كل هذا حدث اثناء نظام عفاش والذي اقسم بان يحول عدن الى قريه والان وبعد زوال هذا النظام وتربع ابناء الجنوب على مقاليد السلطة في عدن هل يستمر تدمير عدن ومواصلة ما خططه عفاش لعدن ام انه من الضروري القيام بتصحيح الاوضاع واعادة لعدن مدنيتها ومنع تدهور اوضاعها وتصويب الاخطاء ومنع العشوائية وارساء النظام والقانون واعادة الهيبة للوظيفة العامة ومحاربة الفساد هكذا كان يجب ان يكون الوضع ولكن مع الاسف ما نراه على الواقع لم تتغير الصوره ولا زالت تسير الامور في عدن حتى اليوم وفقا لما رسمه نظام عفاش وعلى نفس النمط ولا زال الفساد والفوضى يمارس بصوره افضع حتى اصبحت عدن مدينة عشوائية والبناء في كل مكان في الاماكن العامة والشوارع والمتنفسات والجبال والشواطىء وحتى في حرم ميناء عدن ومطارها الدولي اتدرون ماذا يعني هذا ؟ ان تصبح عدن خارج عن وظيفتها الاقتصادية والتجاريه والمدنية ولهذا لابد من تغيير العقلية في ادارة عدن وانهاء عقلية القبيلي والعسكري المتخلف في ادارتها وفي الجانب الموازي هناك من ياتي ويفرض على عدن سياسات تستهدف اخضاعها لتمرير اجندات يراد لها ان تمرر في التسوية القادمة من خلال احكام الحصار الاقتصادي وتعطيل الخدمات بشكل متعمد وافقار الناس لتهميش عدن ودفن ميناءها الذي كان ثاني او ثالث ميناء في العالم وتدمير مطارها الدولي الذي كان ينافس مطار طوكيو من حيث حركة الطيران كما تم اطفاء شعلة مصافي عدن كاعلان رسمي لاطفاء شعلة عدن الوهاجة.
نعرف ان عدن لم تستقر بسبب السياسات الخاطئة التي مرت عليها عبر العقود الماضية وسلبت منها مدنيتها بسبب تسييد قيادات في مرافقها من اناس لا ينتمون الى المدنية باي صله ويتصرفون بعقلية القرية والقبيلة وهي التي اضحت ميدان للأحتراب في كل منعطف سياسي وكل حرب تقتطع جزء من مدنيتها والحروب الاخيره اخذت الكثير والكثير منها وخاصة وقد ضخ البها مئات الالاف من النازحين ومثلهم واكثر من اللاجئين بفعل فاعل هذا من جانب ومن جانب اخر فقد اكملت الحروب بالحصار والتهميش وتعطيل الخدمات وعدم دفع المرتبات وهذه تعتبر حرب دمار شامله من طرف الشرعية ومن يقف وراءها ولم يكن هدف هذه الحرب مثل كل الحروب الاخرى ولكنها حرب استنزاف وتركيع واذلال لشعب ابى الا ان يكون حر شريف كريم ينشد الحرية والكرامة.
كيف يمكن تلافي الدمار الشامل للمدنية وهي اليوم تحكم براسين شرعي وانتقالي فازدواجية السيطرة بين الشرعية والانتقالي في عدن والجنوب اصبحت قاتله وغير مقبوله فمن غير المعقول استمرار الوضع كما هو عليه في مد وجزر في فعل والا فعل فالشرعية لديها مفاتيح القرار الاداري والمالي وهي من تقوم بتعطيله بينما الانتقالي لا يملك الا السيطره على الارض ولا يستطيع التدخل في شؤون نشاط البنك المركزي وادارة الموسسات الاخرى العاملة في عدن ولا يستطيع محاسبة اي مقصر او معرقل لاداء عمله فالمفتاح بيد رئيس الوزراء الذي هو مفوض دستوريا ويملك كامل الصلاحيات المخوله ومعه دعم كامل من رئيس المجلس الرئاسي ورئيس مجلس النواب واخرين وهم يديرون اللعبة لتركيع الانتقالي عبر احكام السيطره على القرار الاداري والمالي في ادارة الجنوب وعدن فهناك حلان اما ازاحة رئيس الوزراء واستبداله بانتقالي يملك مواصفات رجل دوله وخالي من الفساد او ان يقوم ممثلي الانتقالي بالشرعية بممارسة نفوذهم في ادارة المرافق السيادية في عدن والمرافق الخدمية ولديهم كامل الصلاحيات ان استخدموها بشكل صحيح وصادق لمصلحة المواطن الجنوبي واول ما يجب القيام به هو محاربة الفساد الذي ظهر مؤخرا بين اوساط الطبقة الادارية والمسيطرة على المرافق والذي يتطلب الاسراع في تلافي هذا الخطر قبل استفحاله ويصبح من الصعب اقتلاعه ومن المهم فتح ملفات القائمين على السلطة في عدن والمحافظات الجنوبية من خلال طرح سؤال واحد محدد من اين لك هذا ؟ او طلب من كل موظف صغير او كبير اقرار براءة ذمة منذ ان تسلم اي منصب حكومي وعندها سيظهر الخيط الابيض من الاسود وكل شخص اساء استخدام السلطة او سمح لاقاربه باستخدام اسمه في تمرير صفقات فساد عليه اعادتها دون قيد او شرط ووضعه تحت المسآلة القانونية وعندها ستنضبط دورة الحياة وتتوفر الخدمات واعادة الاموال العامة المنهوبة او العقارات والاراضي دون وجه حق …ولن تبنى اوطان بالفساد واستغلال الوظيفة العامة فهذه الاوطان معرضة للهزيمة ويمكن يدخل العدو من خلال جيش الفاسدين ومصاصي دماء الشعب.
عدن هي قلب الجنوب وعقله فان صلح امرها صلح امر الجنوب عامة وان تعرضت عدن للمرض فان الجنوب سيكون عليل ولن يقوى على استعادة ثقته بنفسه والعيش في رحاب الحياة الحرة الكريمة.
ان اسواء العشوائيات هي عشوائية العقول وان بناء العقول اولاً تعتبر من الاولويات الضرورية فعدن تحتاج الى عناية خاصة في استعادة مدنيتها وسيادة النظام والقانون فيها واهم خطوة تبداء باختيار من يكونوا اهل لقيادة مرافقها ومن ابناءها المخلصين الخالين من مرض الفساد وامراض اخرى مثل العصبية القبلية وغيرها.
قاسم عبدالرب العفيف
3/9/2023