صنعاء/ محمد الشبيري/ الأناضول- تتسارع الأحداث بوتيرة عالية في اليمن، منذ سيطرة جماعة "أنصار الله"، المعروفة إعلاميا بجماعة "الحوثيين" على صنعاء، وتصبُّ في مجملها لصالح الجماعات المسلحة، فيما تنكمش معالم الدولة تاركة أدوارها لتلك الجماعات. ومنذ السادس من فبراير/شباط الجاري، وهو تاريخ إصدار جماعة "أنصار الله" "الحوثيين"، ما اسمته "الإعلان الدستوري"، بات شمال اليمن، بما فيه العاصمة صنعاء، يرزح تحت سلطة الأمر الواقع لجماعة الحوثي، وباشرت "اللجان الشعبية" (مسلحون يتبعون الحوثي) عملها من القصر الجمهوري بصنعاء، كسلطة فعلية تُدير شؤون البلاد. وفي الجنوب، وتحديداً عدن، كبرى مدن جنوب اليمن وعاصمة دولته السابقة، أحكمت "اللجان الشعبية" (مسلحون موالون للرئيس المستقيل عبدربه منصور هادي) سيطرتها على مؤسسات حكومية مهمة في المدينة، في خطوة عدّها مراقبون ردة فعل على وضع الرئيس المستقيل وقيادات جنوبية أخرى في حكومة خالد بحاح، قيد الاقامة الجبرية. وقالت مصادر مطلعة تحدثت لـ"الأناضول"، مفضلة عدم الكشف عن هويتها إن نحو 8 آلاف عنصر، يشكلون مجموع مسلحي اللجان الشعبية في الجنوب، بدأوا بتحركات خاطفة وسريعة، استولوا خلالها على مقر التلفزيون الحكومي (قناة عدن الفضائية) الواقع في مدينة "التواهي" بالمحافظة، ومقر السلطة المحلية في "دار سعد" ونقطة "العلم" ذات الموقع الحساس والتي تصل بين مدينة عدن والمحافظات الشرقية لها، وتعتبر بوابة عدن الشمالية من جهة محافظتي "أبين" و"البيضاء". وأضافت المصادر أن اللجان الشعبية لديها شكوك في موالاة قوات الأمن الخاصة (الأمن المركزي سابقاً) للحوثيين، والسعي إلى تسهيل مهمة ادخال عناصر حوثية إلى المدينة تحت غطاء هذه القوات، التي لديها تاريخ طويل من العنف مع المحتجين الجنوبيين منذ أيام حكم الرئيس السابق "علي عبدالله صالح"(أجبرته ثورة اندلعت في 2011 على التنحي) بحكم أنها تخضع سابقاً لقيادة نجل شقيقه "يحيى محمد عبدالله صالح". وفيما يرى مراقبون أن اللجان الشعبية في الجنوب هي بمثابة حركة شعبية عفوية جاءت كردة فعل نتيجة زيادة مخاوف الجنوبيين من أن يجتاح الحوثي مدنهم كما فعل في الشمال، يُبدي آخرون خشيتهم من أن تكون هذه التحركات هي بوابة الولوج إلى الانفصال أو ما تسميّه قوى جنوبية "فك الارتباط" مع الشمال، لا سيما أن عدد لا بأس به من الجنوبيين باتوا على يقين أن الحوثيين المحسوبين على المذهب الشيعي، أن الصراع القائم هو بين قوى شمالية، ولا يعني الجنوبيين صراع كهذا. ويرى "منصور صالح"، المحلل السياسي اليمني، أن "هناك جهتين تتنازعان السيطرة على هذه اللجان وكسب ولاءها، الأولى وتتمثل بالسلطات المحلية في المحافظات والموالية بالمطلق لعبد ربه منصور هادي، وهدفها استخدام هذه اللجان كورقة ضغط ضد صنعاء لتحقيق مكاسب سياسية معينة منها الإفراج عن هادي وأعضاء حكومته، وتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار(انتهى في يناير/ كانون ثاني) التي تمنح الجنوب حكما ذاتيا على إقليمين ضمن الدولة الاتحادية". وحسب صالح، تتمثل الجهة الثانية في "قوى الحراك الجنوبي(داعية للانفصال) التي تحاول استمالة هذه اللجان لتكون بمثابة الجناح العسكري لها، والاستفادة مما لديها من تسليح وتنظيم نسبي وقدرة على خوض مواجهات قتالية". وأضاف "صالح" في حديث للأناضول "أنه في ظل حالة الاستقطاب هذه، تبدو اللجان وكأنها تلعب دورا مزدوجا، حيث تخضع لإدارة وتوجيهات السلطات المحلية وتتسلم مخصصاتها وتسليحها من هذه السلطات، وتمارس دورا تكامليا في حماية المؤسسات الحكومية والأمن العام بالتشارك مع الأجهزة الأمنية والعسكرية السلطوية الأخرى، ومن جهة أخرى نجدها، أحيانا، تتبنى خطاب الحراك الجنوبي وترفع الرايات والشعارات الجنوبية وكأنها فصيل تابع له". وتابع: "على هكذا أساس يبدو الدور المناط بهذه اللجان ضبابيا، وإن كان يمكن القول إنها في ثقافتها وعقيدتها أكثر قربا من قوى الحراك الجنوبي باعتبارها جاءت من محيط اجتماعي تسيطر الثقافة الثورية للحراك الجنوبي على أدق تفاصيل الحياة فيه". ومضى قائلا: "مواجهات اللجان مع قوات الأمن المركزي وما حققته من انتصار عسكري عليها أكدت على هذا التقارب وزادت منه كما رفعت من أسهم هذه اللجان شعبياً، ونالت ثقة والتفافا غير مسبوقين حولها، بينما زاد ذلك من عزل السلطات المحلية الرسمية المتهمة بالولاء لصنعاء ولمصالحها الذاتية أكثر انعزالا عن الشارع بل وتضادا مع مصالحه". من هنا يمكن القول، وفقاً لـ"صالح"، إن مهمة هذه اللجان في الوقت الحالي "هي خوض معركة كسر إرادة القوى الشمالية المتحكمة بالجنوب، انتقاماً لما يعتبرونه سنوات طويلة من الامتهان الشمالي للجنوب، وثأرا لامتهان الكرامة الجنوبية بصنعاء بوضع الرئيس الجنوبي عبدربه هادي ورئيس حكومته خالد بحاح رهن الإقامة الجبرية، ويتداخل مع ذلك تعبئة مذهبية وطائفية". واستدرك قائلا: "لكنها لا يمكن أن يكون هدفها الوصول إلى هدف فك الارتباط عن الشمال باعتبارها إلى الآن تمثل مناطق معينة من محافظات معينة، وإن كانت تؤسس له وتضع مداميكه، خاصة في حال أن تم تأسيس لجان شعبية مماثلة في المحافظات الأخرى ومدها بذات القدر من التمويل بالمال والسلاح". ويعود تاريخ نشأة اللجان الشعبية في الجنوب، وهي قوة قبليّة مسلّحة في منتصف العام 2012، حيث شكلتها السلطات اليمنية لمساندتها في الحرب على القاعدة في المحافظات الجنوبية، وأشرف على تكوينها وزير الدفاع السابق "محمد ناصر أحمد". وخاضت اللجان حروباً شرسة ضد تنظيم "القاعدة" خصوصاً في محافظة شبوة وأبين الجنوبيتين، لكنها عادت من جديد إلى الواجهة، بعد أن سيطر الحوثيون على صنعاء واجبروا الرئيس هادي وحكومته على الاستقالة، لتفرض واقعاً جديداً في مدن الجنوب. وأعلنت ما يسمى "اللجنة الثورية"، التابعة لجماعة "أنصار الله" (الحوثي)، في القصر الجمهوري بصنعاء يوم 6 فبراير/شباط الجاري، ما أسمته "إعلانا دستوريا"، يقضي بتشكيل مجلسين رئاسي ووطني، وحكومة انتقالية، وهو الإعلان الذي رفضته محافظة البيضاء. وقوبل إعلان جماعة الحوثي بالرفض من معظم الأطراف السياسية في اليمن، الذي يعيش فراغاً دستورياً منذ استقالة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وحكومته في الـ22 من الشهر الماضي، على خلفية مواجهات عنيفة بين الحرس الرئاسي ومسلحي جماعة الحوثي، أفضت إلى سيطرة الحوثيين على دار الرئاسة اليمنية، ومحاصرة منزل الرئيس اليمني وعدد من وزراء حكومته. |