ما هي حقوق حضرموت وكيف تُحقَّق؟

ما هي حقوق حضرموت وكيف تُحقَّق؟

قبل شهر
ما هي حقوق حضرموت وكيف تُحقَّق؟

م/ أحمد صالح الغلام العمودي

شهدت حضرموت في السنوات القليلة الماضية هبات شعبية للمطالبة بحقوقها، واليوم تشهد حراكًا مطلبيًّا جديدًا. غير أن ما يمُيز هذا الأخير تلازمه بتشظيات وانقسامات غير مسبوقة تصيب صميم المجتمع في مقتل. وبسبب ما اتسمت به المعالجات السابقة من قصور، تمثَّل في عدم شمولها وتأطيرها في إطار استراتيجي قابل للاستمرارية، ناهيك عن خضوعها للتجاذبات والمناكفات السياسية؛ الأمر الذي أدى إلى عدم تحقيق شيئًا منها، وتكرارها بين الفينة والأخرى، وتزايُد تداعياتها والتلاعب بها بالتبعية. وعليه، ولتلافي ذلك مستقبلاً، لابد من التحديد الدقيق لماهية هذه المطالب بعيدًا عن الكلام المرسل والاستقطابات، وضرورة تحديد الآلية الكفيلة بتحقيقها واستدامة تنفيذها، وفضلاًعن كل ذلك وأهمه، ايجاد الرافعة السياسية والاجتماعية التي ستتبنى هذه المطالب. وبادئ ذي بدء، فإن هذه المساهمة، لا تدعي الكمال، وليست فوق النقد أو الإختلاف معها، بل تُعدُّ إسهامًا يضاف إلى ما سبقها من جهود ومكملة لها، وكل ما ترنو إليه أن تُمثل مادة للنقاش والحوار أمام كل مهتم، أفرادًا ومكونات، قابلة للحذف أو الإضافة أو التعديل، باتجاه تأطير هذه القضايا الحقوقية التأطير المناسب، ورفع مستوى الوعي الجمعي بها، وهو ما ستحاوله هذه المساهمة، التي نوجز أفكارها في المحاور الثلاثة الآتية: المحور الأول : ما هي حقوق حضرموت؟ بداية، من الخطأ اختزال حقوق حضرموت في نسبة من العائدات البترولية.. حقوق حضرموت تتخطى ذلك، ويمكن تحديدها من وجهة نظرنا في البنود الآتية: (1) زيادة النسبة المخصصة لحضرموت بما لا تقل عن 35% من أنتاج الثروات المستخرجة من باطن أراضيها (كل الثروات وليس النفط والغاز فقط)، فضلاً عن إعطاء الأولوية في توظيف أبناء المحافظة في الشركات المستثمرة فيها، ونقل مكاتب هذه الشركات إلى عاصمة المحافظة المكلا، ومعالجة الأضرار التي لحقت وتلحق بالمواطنين في مناطق عملها من خلال سن التشريعات بالتنسيق مع السلطات المركزية لضبط معالجة الأضرار البيئية، وألا تُترك الأمور هكذا على عواهنها دون ضابط. (2) ضمان التمثيل والوزن اللائق المستحق بمكانة حضرموت في كل من: (2 ــ 1) قوام القوات المسلحة والأجهزة الأمنية على مختلف مستويات القيادة والأفراد. (2 ــ 2) قوام السلك الدبلوماسي بوزارة الخارجية. (2 ــ 3) حصول طلاب حضرموت على نسبة عادلة من المنح الدراسية في الجامعات الأوروبية والأمريكية، وألا تظل مِنَح هذه الجامعات حكرًا على أبناء الذوات في مراكز النفوذ والهيمنة المركزية. (3) تعتمد النسب أعلاه زيادة ونقصانًا، على مخرجات التسوية السياسية القادمة فيما إذا سَتُحَط سفنها على مراسي الدولة بجغرافية الشمال والجنوب، أم جغرافية الجنوب ما قبل 1990م فقط. (4) الشراكة الفعلية (لا الشكلية) لحضرموت، في مواقع صنع القرار السياسي والاقتصادي وفي كل أجهزة الدولة، ومن مصلحة حضرموت أن تكون رئاسة الدولة دورية ايًّا كانت نتائج التسوية السياسية القادمة. (5) تَبني مبدأ المحاصصة على الأسس الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية، بعيدًا عن المحاصصة الحزبية. (6) يعين محافظ محافظة حضرموت وزيرًا للدولة في قوام أي حكومة تُشكَّل (مجلس الوزراء). (7) من مصلحة حضرموت وحقها في المطالبة بوقف العمل بالنظام المالي والإداري الحالي في الدولة (أساس الفساد)، والأخذ بنموذج النظام البريطاني الذي كان معمولاً به ما قبل 1990م، وتطبيقه. (8) سن قانون لمنع إدخال وتعاطي القات في حضرموت بشكل قاطع وبات؛ لتأثيراته الكارثية المدمرة على المجتمع. (9) لا يحق المساس بهذه الحقوق وغيرها من قبل أي سلطات، ولا تتأثر بالأزمات السياسية العابرة إلا بموافقة أبناء حضرموت ورافعتهم السياسية والاجتماعية المُجْمع عليها والمعترف بها، ويُثبت ذلك دستوريًّا وقانونيًّا. (10) تشكل هيئة تفاوضية من ذوي الكفاءة والمصداقية السياسية والاجتماعية في حضرموت، بهدف تحديد الحقوق وتثبيتها، وألا يَحتكِر مكوِّن أو فصيل بعينه التحدث باسم حضرموت أو حقوقها دون غيره. (11) تمكين النخبة الحضرمية في المنطقة العسكرية الثانية، والأجهزة الأمنية الأخرى في المحافظة من بسط سلطتها على كامل تراب حضرموت ساحلاً وواديًّا.. وفي هذا الصدد، فمن حق أبناء المحافظة المطالبة بأن تكون جغرافية حضرموت بكاملها منطقة عسكرية واحدة، تشمل المنطقتين العسكريتين الحاليتين (الأولى والثانية) ودمجهما إدارةً وقيادةً ومهامًا، على أن تبقى الوظائف العسكرية الميدانية في النطاق الجغرافي لكلا المنطقتين سارية المفعول، تحت قيادة المنطقة العسكرية (الحضرمية) الموحدة.. إن استمرار بقاء منطقتين عسكريتين في حضرموت يمثل إمعانًا في تشتيت وتزوير إرادة وهوية أبناء حضرموت، واستمرارًا لمساعٍ قديمة (1992) لتقسيمها، وأخرى حديثة جارية (لتشليحها)، بسلخ أجزاءً منها وضمها لجغرافيات أخرى. (12) من العبث أن يتم تفريخ المكونات العسكرية والسياسية باسم حضرموت ولحضرموت من خارج ترابها، وعلى الضد من إرادة أهلها، وخارج شرعية الدولة، ومنازعة الدولة شرعيتها الدستورية، وإفتعال الإرباكات وحملات التشكيك والتشتيت والتشويه باسم الكل ضد الكل في الساحة الحضرمية.. ومن نافلة القول هنا، تأكيد المؤكد، بأنّ حضرموت تجاوزت كل أشكال البُنى السياسية ما قبل الدولة (إلى حد كبير)، رغم المحاولات المستميتة للأنظمة السياسية المتعاقبة خلال الثلاثين عامًا المنصرمة وإلى الآن؛ لإعادتها إلى ما قبل (إنجرامس). واتساقًا مع ذلك، فمن مصلحة حضرموت ومستقبلها أن يستظِل كل أبنائها تحت مظلة النظام والقانون والدستور للدولة الضامنة للجميع، وهذا يُعدُّ شرطًا غير قابل للمساومة أو حتى للنقاش، للاستقرار والتنمية والتقدم، ولا شيئًا آخر يأتي في أولويته وأهميته لأبناء حضرموت على وجه الإطلاق. (13) عدم المساس بوحدة حضرموت ساحلًا وواديًا، ومن مصلحتها الأخذ بالنظام الفيدرالي في أي تسويات سياسية قادمة، بما يضمن الفكاك من مركزية وهيمنة المراكز السياسية والمتنفذة بمختلف أصنافها، وعدم التجاوب مع أي مبررات لاستمرارها في قادم الأيام، مهما كانت الظروف والملابسات. (14) وضع الحلول الفورية لأزمات الخدمات الملحة العاجلة الضاغطة على حياة المواطنين في المحافظة، ساحلاً وواديًّا في الوقت الراهن، وفي المقدمة منها أزمة الكهرباء والمياه والمحروقات، أخذًا في الاعتبار عوامل التوسعات الهائلة في العمران، وموجات النزوح الضخمة من المحافظات الأخرى إلى المحافظة والمستمرة حتى اليوم، دون أنْ يُرافق هذه المستجدات الطارئة تزويد مرافق هذه الخدمات في المحافظة بالموارد المالية الضرورية لكي تفي بالحد المعقول والمقبول من الخدمات لسكان المحافظة والنازحين فيها. (15) من حقوق محافظة حضرموت وأبنائها على السلطات المركزية ورموزها، المطالبة بالكف عن الوعود غير القابلة للتنفيذ، وكذلك الابتعاد عن المدح (النفخ الفارغ) بالتغني المبالغ فيه بالتاريخ والحضارة لحضرموت المعروفة للجميع، أو المبالغة فيما تتحصل عليه حضرموت وأهلها من مشاريع تنموية دون غيرها، ودون ما يسند هذا الإدعاءات من حقائق على الأرض: كالوعود بالحكم المحلي واسع الصلاحيات، الذي ظل أبناء هذه المحافظة يسمعون به على لسان رؤساء الدولة المتعاقبين طيلة ثلاثين عامًا وإلى اليوم.. إن خطورة هذا المنحى في الخطابات السياسية تكمن في أنها تُعْلي من منسوب الافتخار الشوفيني (الزائف) لدى البعض من أبناء المحافظة، ممن لديهم الميل والاستعداد الذاتي والنفسي وتستهويهم هذه النزعات، والذي سينعكس بدوره في علاقاتهم مع غيرهم، وهذا على الضد تمامًا من سجايا وطبائع الإنسان الحضرمي على مر التاريخ، في بلاده ٍوحيثما حل. ومن مخاطر هذه الخطابات أيضًا، تأليب أبناء المحافظات الأخرى على حضرموت وأهلها لكونها (حسب هذا المنحى الخطابي غير الرشيد) تتحصل على نصيب الأسد من اهتمام السلطات المركزية ومن المشاريع التنموية دون محافظاتهم، فيما واقع الحال عكس ذلك تمامًا، حيث أصبحنا نشاهد مشاهد لم نعتادها في حياتنا أبدًا، كبحث البعض عما يسد رمقه في القمامات، بينما ثروات أرضهم تحت أقدامهم تُنهب على مدار ثلاثة عقود من الزمن أمام أعينهم، وتذهب إلى رموز مراكز النفوذ والهيمنة في الهضبة الزيدية في صنعاء، وملحقاتها شمالاً وجنوبًا، التي تقتات على فتات الأولى. المحور الثاني : كيف تُحَقَّق وتُسْتدام حقوق حضرموت؟ (1) حقوق حضرموت الموضحة في المحور الأول، وغيرها، يجب أن تتضمنها موجهات ومواد دستورية وقانوية ملزمة التنفيذ من السلطات المركزية ( بما في ذلك مجلس القيادة الرئاسي الحالي)، ويصدر قانون بقرار رئاسي يشمل هذه الحقوق والآليات والضمانات باستمرارية التنفيذ. (2) تُنشأ هيئة رقابية مستقلة إداريًّا وماليًّا في المحافظة بموجب قانون، مهمتها مراقبة مدى إلتزام المركز بالوفاء بنسب حقوق المحافظة الواردة في المحور الأول، وكذلك مراقبة أوجه صرف الموارد المالية في المحافظة. (3) في حالة الإخلال أو التنصل من قبل السلطات المركزية بما تم الاتفاق عليه، أو سوء تصرف السلطات المحلية في أوجه صرفها، تقوم الهيئة الرقابية بالاعلان عن ذلك في وسائل الإعلام للجمهور في المحافظة، ودعوة كل أشكال الطيف السياسي والاجتماعي الحضرمي لتدارس الوضع واتخاذ ما يلزم بصدده. (4) تُنفذ المطالب الخدمية الملحة للمحافظة فورًا، وعدم الانتظار في تنفيذها أو إرجائها حتى إجراء التسويات السياسة للأزمة اليمنية الناشبة بين أطرافها، وخاصة فيما يتعلق بالحصص من الثروات النفطية؛ لمواجهة الأزمات الضاغطة على المواطنين والسلطات على السواء في الكهرباء وغيرها. على أن يُنظر في المطالب الاستراتيجية في الأجهزة والمؤسسات السيادية الأخرى أثناء مفاوضات الحلول النهائية في التسوية السياسية، تكون حضرموت حاضرة وممثلة فيها حضورًا وتمثيلاً مجتمعيًّا لاحزبيًّا فقط. المحور الثالث : الرافعة السياسية والاجتماعية لحقوق حضرموت في ظل التنازع القائم بين المكونات السياسية والمكونات الاجتماعية المختلفة في المحافظة، وكذلك التنازع بين أقطاب السلطة المحلية في المحافظة، وبين هذه الأقطاب منفردة ومجتمعة مع ممثل حضرموت في مجلس القيادة الرئاسي.. في ظل هذه الأجواء، فمن المستحيل تحقيق أي اختراق استراتيجي جذري يذكر على صعيد تحقيق مطالب أبناء المحافظة؛ وذلك لسهولة التلاعب على تناقضات هذه الأطراف من قِبِل المركز، أو من قِبِل قوى أخرى. ومن هنا فإن تلاحم ممثلي السلطة التنفيذية على المستوى المحلي والمركزي، إلى جانب الكتلة الاجتماعية والسياسية الجامعة في المحافظة، والتحدث بسردية موحدة متماسكة متفق عليها حول الحقوق فقط، وتنحية الخلافات السياسية وعدم خلطها مع المطالب الحقوقية، يعد شرطًا أساسيًّا في تحقيقها، ودون ذلك العدم. وفي ظننا، إن مؤتمر حضرموت الجامع (نظريًّا على أقل تقدير)، يمثل الرافعة الاجتماعية والسياسية المناسبة لهذه المطالب وآلية تحقيقها اليوم، بصفته المكوِّن المعترف به محليًّا واقليميًّا ودوليًّا، وبين أيدي أبناء المحافظة الآن، الأمر الذي يعني إمكانية البناء عليه، وعدم الركون إلى إنشاء مكونات جديدة (إلى اللحظة إلاّ اضطرارًا)؛ لأن أي تكوين لمكونات جديدة لن يزيد المشهد سوى المزيد من التشظي والانقسام، والدخول في متاهات الاختلافات والخلافات بين المكونات، ناهيك عن هدر واستهلاك الوقت وتمييع المطالب الحقوقية بالضرورة؛ ولذلك نرى، أن تُركز الجهود على تصويب بوصلة عمل المؤتمر الحضرمي الجامع، على النحو الذي يجعل منه جامعًا وموحدِاً لا مُفرِقًا ورافعةً لهذه الحقوق. ونرى أن لجنة التواصل للشخصيات الاجتماعية والاعتبارية هي الأداة المؤهلة للقيام بهذه المهمة، على أن تتسع في تكوينها ونشاطها لتشمل ساحل ووادي حضرموت، وكل المكونات، وأن تنأى بنفسها عن الخلافات السياسية وتنحيها جانبًا في الوقت الراهن، وتكون جهودها منصبة على ما يلي: (1) توسيع الشراكة بحيث يشمل تكوين المؤتمر الجامع المكونات وفئات المجتمع التي لا تأطير لها في هيكله الحالي، والأهم من ذلك إعادة النظر في آلية عمله، بصفته مُلكًا للكل وليس حكرًا على أحد دون غيره. (2) أنْ يتم التركيز على المطالب الحقوقية للمحافظة فقط، وتنحية كل القضايا الأخرى جانبًا في هذه المرحلة. (3) أن تكون قيادة ورئاسة المؤتمر دورية يتم الاتفاق عليها، وتتخذ قراراته بالتوافق والأغلبية النسبية. (4) في حالة فشل الجهود والمحاولات لتصويب إدارة وعمل المؤتمر كرافعة جامعة لمطالب حضرموت، فمن الواجب أن تتداعى كل مكونات الطيف ساحلاً وواديًّا لتكوين لجنة تحضيرية لعقد مؤتمرًا موسعًا استثنائيًا، يفضي إلى تشكيل كيان يُتفق على تسميته وبرنامجه وآلية عمله، ويكون جدول أعماله في الوقت الراهن نقطة واحدة فقط، هي تحديد المطالب الحقوقية، والآليات الضامنة لتنفيذها، وعدم تكرار حدوث هذه الأزمات. وأخيرًا، فليس من التجني على أحد القول، أنَّ هناك من الأجندة، المُعلَن منها والمُضْمَر، الهادفة إلى بقاء الجميع في حالة من فقدان البوصلة والارتباك والتشكيك وعدم الثقة بين كل الأطراف؛ الأمر الذي يقتضي من الجميع أن يكونوا عند مستوى المسؤولية تجاه محافظتهم وأهلها. والله من وراء القصد وهو الموفق والمستعان،،،،،،، م/ أحمد صالح الغلام العمودي مدينة المكلا

التعليقات

الأكثر قراءة

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر