قمة «بريكس+» الأولى.. العالم يترقب كتابة تاريخ جديد للاقتصاد

قمة «بريكس+» الأولى.. العالم يترقب كتابة تاريخ جديد للاقتصاد

قبل شهرين
قمة «بريكس+» الأولى.. العالم يترقب كتابة تاريخ جديد للاقتصاد
الأمين برس/متابعات

تستقبل مدينة قازان الروسية خلال الأسبوع المقبل عددا من زعماء العالم الذين سيشاركون في القمة الأولى لتجمع "بريكس+".

 

هذه هي قمة بريكس الأولى منذ انضمام الإمارات ومصر وإثيوبيا وإيران إلى التكتل في وقت سابق من هذا العام.

 

كما دعت روسيا، التي تتولى رئاسة بريكس هذا العام، أكثر من 20 دولة أخرى، أبدت اهتمامها بالانضمام إلى المجموعة، لحضور قمة "بريكس+" الأولى.

 

 

ويهدف التكتل إلى بناء بديل للهياكل المالية التي يقودها الغرب، ويعتبر توسيع المجموعة خطوة مهمة لتحقيق هذه الغاية.

 

ما السبب وراء اهتمام العديد من الدول بالانضمام إلى مجموعة بريكس؟

 

تقدمت أكثر من 30 دولة بطلب رسمي أو أعربت عن اهتمامها بالانضمام إلى بريكس، وتشمل دول جنوب شرق آسيا تايلاند وماليزيا وفيتنام، وتركيا العضو في حلف شمال الأطلسي، وكبار منتجي النفط والغاز مثل الجزائر، وأكبر دولة إسلامية في العالم إندونيسيا، ونيجيريا التي لديها أكبر عدد من السكان في أفريقيا وثامن أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، وبنغلاديش.

 

 

هناك فوائد اقتصادية واضحة للانضمام إلى هذه المجموعة المزدهرة من الاقتصادات الناشئة، وتمثل الدول العشر التي تشكل الآن مجموعة بريكس 45% من سكان العالم، و28% من الناتج الاقتصادي العالمي، و47% من النفط الخام العالمي، وفقا لبيانات "معهد الولايات المتحدة للسلام".

 

تعد التجارة البينية بين دول بريكس أحد المجالات التي وجدت المجموعة موطئ قدم لها، وشجع بيان مشترك صدر عن اجتماع وزراء خارجية دول بريكس في يونيو/حزيران 2024 على "تعزيز استخدام العملات المحلية في المعاملات التجارية والمالية" بين أعضاء بريكس.

 

 

وكان هذا هو الاتجاه الذي كان في ارتفاع بالفعل بين عامي 2017 و2022، مع زيادة بنسبة 56% في التجارة البينية بين دول بريكس في ذلك الإطار الزمني، وأدت العقوبات الغربية على روسيا إلى مزيد من التصعيد.

 

ويشير تقرير صادر عن مجموعة بوسطن الاستشارية إلى أن "التجارة في السلع بين اقتصادات بريكس تجاوزت إلى حد كبير التجارة بين دول بريكس ودول مجموعة السبع، مما أدى إلى زيادة كثافة التجارة بين دول بريكس".

 

كما تعد العقوبات الغربية ووضع الدولار الأمريكي كعملة احتياطية عالمية جزءا من القصة أيضا، فهيمنة الدولار كعملة احتياطية وفي تجارة السلع مثل النفط تمنح واشنطن نفوذا هائلا على النظام المالي العالمي.

 

والبلدان المتأثرة بالعقوبات الأمريكية وضوابط التصدير ترغب في إضعاف قوة الدولار، من أجل الإفلات من العقوبات وإخماد النفوذ الأمريكي.

 

 

ومن غير المستغرب أن تكون الصين في طليعة الجهود الرامية إلى التخلص من الدولار، وقد تجاوز الرنمينبي الصيني الدولار الأمريكي باعتباره العملة الرئيسية للتجارة الصينية الروسية، وتقوم بكين بالتنسيق مع العديد من منتجي النفط لزيادة استخدام اليوان لتسوية المعاملات النفطية.

 

ومع ذلك، فإن استخدام العملات المحلية في التجارة البينية بين دول بريكس غالبا ما يُنظر إليه باعتباره خطوة مؤقتة نحو هدف أسمى، عملة مشتركة لمجموعة بريكس.

 

وفي الوقت الحالي، يرى معظم المحللين أن هذا الجهد إما غير ممكن وإما بعيد المنال، وفي قمة هذا العام من المتوقع أن تقترح روسيا تدابير جديدة من أجل "نظام دفع بديل" من شأنه أن يزيد من تجنب الدولار الأمريكي.

 

بالنسبة للصين وروسيا فإن تخفيف نفوذ الولايات المتحدة على النظام المالي العالمي هو جزء لا يتجزأ من بناء بديل للنظام الدولي الأوسع الذي تقوده الولايات المتحدة، فليس من المستغرب أن يرغب خصوم الولايات المتحدة مثل روسيا والصين في نظام دولي بديل.

 

 

لكن العديد من دول الجنوب العالمي تعتقد أيضا أن النظام الحالي يضر بمصالحها ويمنح امتيازات للدول الغربية الغنية، فلقد رأوا عدم المساواة في الاستجابة لفيروس كورونا، واعتقدوا أن الدول الغنية تخزن اللقاحات المنقذة للحياة.

 

وتأخذ واشنطن هذه الاتجاهات والتطورات على محمل الجد، إذ من المتوقع أن تشكل مجموعة بريكس الموسعة لاعبا أكثر قوة على الساحة الدولية.

 

وفي حين أن التخلص من الدولار من شأنه أن يقلل من نفوذ الولايات المتحدة، فمن غير المرجح أن تظهر عملة مجموعة بريكس أو أي بديل آخر في أي وقت قريب، حتى عندما تشير الاتجاهات إلى تناقص الاعتماد على الدولار.

 

 

بريكس وG20 وG7

 

منذ البداية، كان يُنظر إلى مجموعة بريكس باعتبارها ثقلا جيوسياسيا وجيواقتصاديا موازنا للغرب، الذي سعى لعقود من الزمن إلى إدارة الاقتصاد العالمي من خلال ناديه المصغر الخاص.

 

بدأت تلك الجهود الغربية في عام 1975، في أعقاب الحظر النفطي العربي والاضطرابات الاقتصادية العالمية، عندما اجتمع زعماء الولايات المتحدة واليابان وألمانيا الغربية والمملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا في شاتو دو رامبوييه بفرنسا، ومع انضمام كندا في عام 1976 ولدت مجموعة السبع كمنتدى دائم لتنسيق الاقتصاد الكلي، وتجتمع في مؤتمرات قمة سنوية.

 

في عام 1977 بدأ ممثلو الجماعة الاقتصادية الأوروبية المشاركة في عمل المجموعة، وهو الدور الذي يلعبه الآن الاتحاد الأوروبي، وفقا لمعهد "كارينغي" الأمريكي.

 

 

وفي عام 1997 فتحت مجموعة السبع أبوابها للمرة الأخيرة، فسمحت لروسيا بالدخول في محاولة لتحقيق الاستقرار في الحكومة الإصلاحية في روسيا ورئيسها بوريس يلتسين، وأصبح هذا التوسع في مجموعة الثماني خطوة مصيرية، للتحول الذي شهدته روسيا في وقت لاحق.

 

وعلى مر العقود قامت مجموعة السبع/مجموعة الثماني أيضاً بتوسيع جدول أعمالها، وعلى الرغم من أن وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية ظلوا يهيمنون على المنتدى، فقد تناول المنتدى مجموعة أوسع من القضايا، من أسلحة الدمار الشامل إلى تخفيف أعباء الديون، والأمن الصحي العالمي، وتغير المناخ.

 

كانت الأزمة المالية العالمية في الفترة 2007-2008 بمثابة لحظة مهمة بالنسبة لمجموعة الثماني، وكذلك بالنسبة لمجموعة بريكس. وعلى عكس الأزمات السابقة في أمريكا اللاتينية في الثمانينيات وآسيا في أواخر التسعينيات، بدأت هذه الأزمة في وول ستريت، مركز الرأسمالية العالمية، ولم يكن من الممكن حلها في غرفة اجتماعات غربية.

 

 

حيث كان يتطلب إنقاذ الاقتصاد العالمي تعبئة القوة المالية والعمل المتضافر من جانب كافة الاقتصادات الكبرى، خاصة الصين، وقد استسلمت إدارة جورج دبليو بوش الأمريكية هذا الواقع في نوفمبر/تشرين الثاني 2008، فعقدت أول قمة على مستوى القادة لمجموعة العشرين (التي كانت حتى ذلك الحين عبارة عن تحالف غامض لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية، تأسس في عام 1999).

 

فسر العديد من المراقبين صعود مجموعة العشرين باعتبارها نقطة تحول للحوكمة العالمية، ويبشر بعصر جديد حيث تتولى أهم الاقتصادات الراسخة والناشئة في العالم إدارة الاقتصاد العالمي بشكل مشترك.

 

فقد اكتسبت الهيئة الجديدة -التي تضم ثلثي سكان العالم وأكثر من 80% من تجارته وناتجه المحلي الإجمالي- ثقلا اقتصاديا وتمثيلا لا تستطيع مجموعة الثماني أن تضاهيه.

 

كان أداء مجموعة العشرين مثيرا للإعجاب أثناء الأزمة، فضخت سيولة غير مسبوقة لتحفيز الطلب العالمي، وأعادت تنشيط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وأنشأت مجلس الاستقرار المالي باعتباره ركيزة جديدة لنظام بريتون وودز.

 

 

وعلى الرغم من أن جهود الإنقاذ لم تكن كاملة فإنها نجحت في استقرار الاقتصاد العالمي، وفي القمة الثالثة لمجموعة العشرين التي استضافتها بيتسبرج في سبتمبر/أيلول 2009، قرر زعماء العالم المجتمعون أن تكون المجموعة "المنتدى الأول لتعاوننا الاقتصادي الدولي".

 

في ذلك الوقت، توقع كثيرون أن تتلاشى مجموعة الثماني بسرعة وتتحول إلى الغموض، لكن ذلك لم يحدث لعدة أسباب.

 

أولا، في حين أثبتت مجموعة العشرين قدرتها على إدارة الأزمات بكفاءة، فإنها كافحت للانتقال إلى لجنة توجيهية دائمة للاقتصاد العالمي، بفضل حجمها وعدم تجانسها.

 

وثانيا، ما أدى إلى إحباط حكومات الاقتصادات الناشئة أن صعود مجموعة العشرين لم يغير بشكل جوهري التفاوت البنيوي الأساسي في الإدارة الاقتصادية العالمية، خاصة الدور الذي يلعبه الدولار باعتباره العملة الاحتياطية الرئيسية والهيمنة الغربية على المؤسسات المالية الدولية.

 

ثالثا، أدت التوترات الجيوسياسية المتزايدة التي تضع الصين وروسيا في مواجهة الغرب إلى تعقيد العمل المنسق لمجموعة العشرين.

 

وأخيرا، أدى خروج روسيا من مجموعة الـ8 إلى إحياء حظوظ مجموعة السبع وأهميتها الاستراتيجية باعتبارها تحالفا متماسكا من ديمقراطيات السوق المتقدمة ذات التفكير المماثل والملتزمة بسيادة القانون الدولي. 

 

 

ماذا عن بريكس؟

 

ومع تزايد وتضاؤل ​​حظوظ مجموعة السبع ومجموعة الثماني ومجموعة العشرين على مدى العقد ونصف العقد الماضيين، عمّق تحالف بريكس جهوده لتحدي الهيمنة الغربية من خلال الضغط من أجل إصلاح الحوكمة العالمية، وإنشاء مؤسسات مصغرة موازية للتنافس مع المؤسسات القائمة.

 

بالإضافة إلى التنافس على دور الدولار، والسعي إلى الحد من نفوذ الولايات المتحدة على أوتار الاقتصاد العالمي.

 

وكان نجاح هذه الجهود مختلطا، وسجلت مجموعة بريكس نتائج أكبر في الرمزية من الجوهر، ففي عام 2015 أنشأت الكتلة مؤسستين جديدتين متعددتي الأطراف، بنك التنمية الجديد (NDB) وصندوق احتياطي الطوارئ (CRA)، للتنافس مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، على التوالي.

 

 

ولا يزال بنك التنمية الجديد، الذي يضم أيضا العديد من البلدان غير الأعضاء في مجموعة بريكس، يعاني نقص التمويل، إذ لم يصرف على مدى العقد الماضي سوى ثلث الأموال التي التزم بها البنك الدولي على مستوى العالم في عام 2021 وحده.

 

وكما هو الحال مع مجموعة السبع ومجموعة العشرين أطلقت مجموعة بريكس مجموعة واسعة من المبادرات والشراكات عبر مجالات قضايا متعددة، من الطاقة إلى الصحة إلى التنمية المستدامة، والنتيجة هي شبكة مثيرة للإعجاب ومتزايدة الكثافة عبر الحدود الوطنية من التعددية الشبكية، مع التركيز الشديد على التعاون بين بلدان الجنوب. 

 

ويعيد صعود مجموعة بريكس+ إلى الأذهان مقولة أنطونيو جرامشي الفيلسوف والمناضل الإيطالي، التي كثيرا ما يُستشهد بها "العالم القديم يحتضر، والعالم الجديد يناضل من أجل أن يولد".

 

 

 

إن الشكل الذي سيبدو عليه عالم المستقبل يعتمد جزئيا على الاختيارات التي يتخذها صناع السياسات اليوم، بالنسبة للولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى تعد مجموعة بريكس+ بمثابة تذكير بمخاطر تجاهل المطالب المشروعة للبلدان والشعوب في جميع أنحاء العالم للحصول على قدر أكبر من الوكالة والنفوذ والسلطة في هياكل الحكم العالمي التي تشكل مصيرها.

 

رفض أو مقاومة هذه الضغوط، بدلا من الانخراط فيها، واستيعابها حيثما كان ذلك مناسبا، لن يؤدي إلا إلى تعميق الانقسامات العالمية.

 

* العين الإخبارية - حواش منتصر

 

التعليقات

الأكثر قراءة

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر