واجهت النقابات تحديات صعبة وجمة وخطيرة في السنوات السبع الماضية، وذلك بسبب غياب السلطة وضعفها وهشاشتها، فالعمل النقابي قوته من قوة السلطة، وكثيراً ما تحصل اختلالات، منها مصادرة الحقوق أو الخروج على اللوائح والقوانين، أو زيادات في الأسعار المنهكة، أو أي اختلالات تستهدف شريحة الجامعيين أو أي شريحة، فإن حصل شيء من هذا النوع تقوم النقابات بواجبها بالمتابعة أو بالمناشدة، وأحياناً تحصل المعالجة والحلول من اجتماع واحد فقط مع السلطات، وفي ظل النظام السابق كانت الإيجابيات كثيرة، ووفرت للعمل النقابي أرضية صلبة ينطلق منها ويتكئ عليها، فمجرد ما يحصل شيء ما تجتمع قيادة العمل النقابي في صنعاء أو عدن أو ذمار أو غيرها، ونصدر بيانا، ولم يمكث أكثر من يومين إلا والتقينا بعدد من قيادات الدولة، وعقدوا اجتماعات عديدة جادة وصادقة، وناقشوا مطالبنا واحدا تلو الآخر، وأصدر الرئيس توجيهات إلى كل الجهات، ولدينا محاضر وتوجيهات وبيانات وحجج دامغة توكد ما نقوله، وكانت أكثر القضايا تتمحور في استراتيجية الأجور، التسويات ،البعثات، الأراضي والحواسيب، العلاوات، استقلالية الجامعات، المنتدبين،
التقاعد ..وغيرها
وفي اجتماعاتنا نجد أنفسنا فريقا متكاملا وقويا، وحينما نحصل على التوجيهات نذهب إلى الجهات المعنية، ولم نجد أي عراقيل في التنفيذ، وكانت الدولة إذا ارتفع السعر عملت زيادة في المرتبات لجميع الموظفين من دون استثناء.
أما اليوم نرى هرولة غير مسبوقة في انهيار العملة، ويترتب عليها غلأء فاحش،
قد يصل إلى ألفين أو ثلاثة ألف في المئة،
دون أن تكلف الحكومة نفسها البحث عن أبسط المعالجات، ولما تصدر النقابات بيانا، أو تقوم بوقفات أو يعلنون إضرابا كأن القيامة قامت، ويأتي النقد من بعض القوى، ومن عدد من الكيانات المجتمعية، ومن كثير من الناس، وحتى من بعض زملاء المهنة، وجميعهم يبررون هذا الوضع بالوضع العام، ويقولون نحن فرض علينا البند السابع، ولا نصدر الخيرات، وكل شي معطل، ولا واردات تصل إلى البنك المركزي، وهناك حكومات مصغرة في المحافظات وجبايات ونهب، وغير ذلك،
ويسخرون أجهزة إعلامية قوية يدفعون الملايين لها، ويسخرونها لخدمة الفسدة والمفسدين، حامي الجيوب، ويغلبون الحقائق رأسا على عقب، ويتلذذون بالأكاذيب والافتراء، تحت شعار الجانب الإنساني، ويقولون الإضراب حرام،
وأولادنا سيضيعون، وغيرها من الطرق الملتوية، والمزيفة والبهلوانية،
ولهذا تغيرت الحقائق والأمور، وأظهرت ما يردن إظهاره بشكل سلبي وعكسي، فأصبح المظلوم ظالما، والمتهم بريء،
والنزيه فاسد، والقوي بالحق ضعيف وهكذا.
فمنذ إضرابنا الأول عام 2021م حصلت تراكمات وتباينات من أول وهلة، والعجب أن نرى الأصوات النشاز التي تكتب وتحمل النقابة المسؤولية، ويشغلون أنفسهم بالمواقع الإلكترونية والجروبات، ويناشدون النقابة باتخاذ إجراءات تصعيدية مجرد ما نقدم على خطوات جادة ومدروسة، لم نجد هؤلاء أبدا،
لا في وقفات، ولا في كتاباتهم، بل العكس هم من يدعون إلى كسر الإضراب، فهذه المتناقضات كثيرة وشر البلية ما يضحك، فمن يصدق أن نجد من بين أعضائنا من يريد إفشالنا، ويحرض على فشل الإضراب، وكسره في بعض الكليات والجامعات، في حين أن بعض الكليات ترفض الإضراب من أساسه، وزرعت لهذه المهمة،
وهؤلاء جميعا يتحملون المسؤولية الكاملة، أمام زملائهم وحقوقهم الضائعة والمستباحة، فالذين يقفون ضد المطالب، والحقوق المشروعة، هم من يسعون إلى كسر الكرامة والعزة والأنفة والشموخ والضعف،
وقد حرصنا أن تكون الوقفات الاحتجاجية ملبية للطموح الذي ننشده، فحينما ندعو للقيام بوقفات كبرى، وفي كل الجامعات، لم نكن الوقفات مجدية عند تنفيذها، فالحضور الجامعي لا يتجاوز المائة عضو هيئة تدريس من بين الآلاف من الأعضاء، فضلا عن منتسبي الجامعات، فالذين
غابوا وجلسوا في البيوت، يتحملون المسؤولية الأخلاقية والنقابية تجاه أنفسهم وأسرهم أولا، وتجاه زملائهم ومجتمعهم ثانيا، وأما الوضع العام فإنه لا يشجع على التدريس يوما واحدا، ومن يقل غير هذا الكلام عليه أن يضع نفسه في مربع الكاذبين والمزايدين.
وهناك طابور خامس يسيس الإضراب، ويتخذ من التسييس وسيلة إضافة، وبعض قيادات الجامعات، وعمداء الكليات، ينزلون دعوات لاستئناف الدراسة، وينشرونها في الجروبات، وبعضهم يجتمعون مع رؤساء الأقسام، ويقنعونهم لإقناع زملائهم بكسر الإضراب، وكأنهم يصنعون من هذا الموقف بطولات، يتباهون بها على حساب كرامة الجميع، وعلى حساب العملية التدريسية
برمتها، وبعضهم ينتظر جائزة نوبل للسلام.
ونقول للجميع لقد أثبتت النقابة في كل اجتماعات المجالس في الكليات والجامعات، حرصها الشديد على المعالجات، ولم تقف على قضايا هيئة التدريس فحسب، بل في كل القضايا الطلابية، وقضايا الموظفين، فقد كانت أكثر تعاطفا من كل الأعضاء، مع الطلاب والموظفين والمنتدببن والمعنيين والمتعاقدبن، ومن يقل غير هذا الكلام فليسمعنا، ولدينا سجل حافل في هذا الجانب، وقد رسمت النقابة طريقا حافلا لكثير من المعالجات، ورسمت خارطة طريق للفصول التعويضية التي نجمت من جراء الصراعات والحروب التدميرية التي عصفت بالبلاد والعباد.
أما الإضرابات الثلاثة التي سبقت أن تتكررت في الأعوام الأخيرة، فقد حرصنا أن تكون ناعمة، وحرصنا ألا نجر الخلاف النقابي مع الجامعات، رغم أن هناك من يسعى إلى جره، لذلك تحملنا، ونأينا بها عن المشاركات والتجاذبات، وارتأينا أن نقول كلمتنا؛ لإنقاذ مجتمعنا وأنفسنا من هذا الوضع الكارثي المؤلم الذي يعصف بأكثر من 90,% من السكان.
ورغم أننا أعطينا للجهات المختصة عشرات الفرص قبل الإضراب، وقلنا لهم انكبوا على قراءة مناشداتنا النقابية، وبياناتنا، وحددنا مطالبنا اليسيرة وغير التعجيزية، وقلنا لهم ادرسوها قبل بدء العام الدراسي، واعملوا على زيادة المرتبات،
ووضحنا أن الأستاذ كان يحصل عاى1500دولار، وكل شيء كان رخيصا جدا جدا، واليوم يستلم أقل من 150دولار، وكل شيء غال غال، فالمفارقة العجيبة كفيلة أن تدعو إلى إضراب مفتوح وشامل وعام منذ سنوات، ولكننا صبرنا ورابطنا وتحملنا وقدرنا كل ذلك؛ ظنا منا أن الجميع على هذا الحال، ولكن للأسف الذي يجب أن يكون أكثر منا تحملت، وهم القيادات، وما أدراك ما القيادات؟ يعبثون بالملايين والمليارات، ويتسابقون على العبث والنهب، والشعب يثضور من الجوع، فضلا عن تردي الأوضاع الخدمية في كل محافظات الوطن.
ولم يكتفوا بذلك فقط، بل صار أغلب المسؤولين في وضع فاق عيشة الملوك والأمراء، هجروا عملتهم الوطنية، ويستلمون بالعملة الصعبة، فضلا عن إيجاد فرص من الأموال المنهوبة، ورغم كل هذا، قلنا مرارا وتكرارا نبقى على هذا التحمل، ونحافظ على دورنا النقابي؛ لعل وعسى أن نجد بصيصا من الحل، فظللنا نناشد، ونستغيث، ونطالب المعنيين أن يستفيدوا من كل الفرص التي منحناها للحكومة، ونفذنا عددا من الوقفات قبل الإضراب، ودعونا جميع منتسبي الجامعات والنقابات الأخرى إلى تنفيذ برنامج التصعيد، وخرجت الجماهير في كل من عدن وتعز وحضرموت، وخرجت حشودا حاشدة، ومن كل فئات الشعب، وخرجوا بالملايين، ولكن الذين يقولون استمروا بالوقفات وسنخرج معكم، للأسف لم نشاهدهم أبدا، ولا نشاهد تأثيرهم، وهذا لو تم واكتظت الساحات بأعداد أكبر، ربما قرب من الحلول والمعالجات الفورية، إذا كان القرار سياديا، فعلى مستوى الجامعة غابت القيادات الأكاديمية والإدارية والطلابية، وللأسف الشديد كان على الطلاب أن يشاركوا في الوقفات، وكنا نتمنى أن يعملون وقفات كبرى قبل بدء الإضراب؛ لكي يسمعوا السلطات أصواتهم، ويقولون استجيبوا لمطالب أساتذتنا وإنقاذهم، انقذوا مجتمعنا، وللأسف الشديد لم يقوموا بواجبهم، ولم نجد غير اللوم والعتاب، وحتى الموظفين لم يشاركوا في الوقفات،
فهل حان الآوان أن نفكر معا؛ لكي ننقذ أنفسنا ومجتمعنا من خطر قادم، ومن إبادة محدقة، هل نستفيد من الأخطاء؟ إذ لم تبقَ فرصة ذهبية غير فرصة الشهر الكريم،
فشهر رمضان استراحة روحانية، وصيام وقيام، وأسال الله جل في علاه، أن يمن علينا بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، والتوفيق على صيامه وقيامه، وأن يتقبل من الجميع صالح الأعمال.
ففرصة شهر رمضان تحصل بين حين وحين لقاءات واجتماعات وأمسيات بعد صلات التراويح، فضلا عن وجبات إفطار جامعة، نناقش قضايانا كافة، وإيجازها في رسائل جامعة لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة و الجهات المعنية، بأن يقوموا بواجبهم؛ لإنقاذ المجتمع من وضع لا نستطيع أن نصفه إلا بالكارثي، وإنقاذ المجتمع من تجويع ممنهج ومتعمد، بل إنقاذه من إبادة جماعية.
هل حان الوقت أن ننتفض جميعا، ونضغط في ظل هذا الاصطفاف النقابي غير المسبوق؟ هل نستطيع أن نستفيد من هذا الفرصة التاريخية؟ فإن لم نستطع أن نحسم أمر المعالجات، فالإضراب يستمر، ويتحمل مسؤولية استمراره من لم يقم بواجبه، وهم بدرجة رئيسة الذين يعبثون بالمال العام، ويستلمون بالعملة الصعبة، ويتسابقون على الفساد والنهب للمال العام،
في حين أساتذة الجامعات أشغلوهم بأمورهم الخاصة،
بأمور أسرهم، حيث خسرت جامعة عدن خلال الأربعة الأعوام الماضية 136 أستاذا، وأكثر من 300 يعانون من الأمراض المزمنة، ولم تسعف الدولة أستاذا واحدا منهم،
في حين السباق الجم والهرولة لشراء القصور والفلل في مصر وأوروبا وغيرها، قد بلغ ذروته.
وإذا ما عدنا إلى العملية التدريسية في هذا الوضع، فعلينا جميعا أن نعلم أنها عقيمة، وغير مجدية، ويجب أن نتحدث بكل صراحة عنها، فجميع الأساتذة لم يؤدوا المحاضرة إلا بحضور جسده وجلوسه على الكرسي، أو وقوفه أمام الطلاب يحدق بعينه يسارا ويمينا، يتجرع الأمرين، وآلام التصدع والانكسار التي ألمت به، فحجم المعاناة كبير ، أما الجانب الفكري والتحضير الجيد، فقد وضعه في ذاكرة النسيان، وهذا تجده عند الأغلب الأعم، وكذلك الطلاب لم يجدوا من الدراسة غير الحضور اليومي، أو شبه اليومي، حسب ظروف العيش إذا توفرت لهم المواصلات، وبات مستقبلهم مرهونا على الجانب الزمني سنوات الدراسة لا غير، ثم التخرج، وهذا الأمر يجري في كل الجامعات اليمنية، وربما غدا تنكشف خفايا وأسرار قاتلة، من جراء الهدم والتدمير للدراسة والحياة برمتها .
لهذا فإننا اليوم مصممون على المضي في تصحيح الأوضاع كافة، وإصلاح التعليم في كل مراحله، وفي الجامعات بدرجة رئيسة، ولم يصلح ذلك إلا بتحسين الوضع المعيشي العام للأستاذ والمعلم والطالب والمجتمع بشكل عام.
لهذا أناشد كل المنظمات الدولية، وجامعة الدول العربية، ومجلس التعاون الخليجي، أن يقوموا بواجبهم تجاه شعب عزيز وكريم.
أما مناشدتي لأهلنا وأشقائنا في مجلس التعاون الخليجي والدول العربية كافة، تنطلق من الموقف العربي القومي الفاعل تجاه الشعور بالتحديات الخطيرة التي تواجه الأمة، والذي تبلور في مؤتمر القمة الذي انعقد يوم الثلاثاء الموافق 2025/3/4 في جمهورية مصر العربية، والذي أعاد للأمة شيئا من المكانة والقوة، فهذا الموقف الأخير الفاعل والمهم، أعاد للصدارة قضية الأمة فلسطين إلى الواجهة، وقد تطابق مع موقف المقاومة، فالموقف العربي وإن جاء متأخرا، فخير من ألا يأتي، وقد يكفر كثيرا من الخطايا، وهذا الموقف سيعيطكم قوة في مواجهة التحدي بالتحدي، ودعوني أكرر عبارة، كررتها مرات في كلماتي ومناشداتي النقابية، وفي قصائدي ودواويني الشعرية، وآمل أن تقروأها جيدا، فعليكم أن تدعموا الشعب اليمني، فهو العمق الاستراتيجي لكم، فلا تبخلوا عليه، ولا تتجاهلوا وضعه، فهو من دون شك شعب أصيل، وكريم، ويمتلك من المقومات التاريخية والحضارية، ما يجعله أهلا للدفاع عن كرامة الأمة ومقدساتها وشرفها وعزتها، وسيقف إلى جانبكم في السراء والضراء من دون تردد، وسيواجه الأعداء وجها لوجه، وبكل شجاعة واستبسال، فاليمن تاريخه مملوء بالإنجازات العملاقة، والبطولات المشرقة، منذ العصور الموغلة في القدم حتى يومنا هذا، فقد أسقط في الماضي أكبر امبراطوريات العالم، وأنا على ثقة أنكم تدركون ذلك، فجميعكم تعودون إلى هذا الأصل والنبع الثري، فعليكم أن تدعموا هذا الشعب دعما قويا وسخيا، أما القيادات الحالية فأنتم أعرف بها، وبقدراتها المتواضعة، فالوضع اليوم يختلف عما كان عليه في كل مساراته وجوانبه، فقد حان أن نعتمد على القيادات القوية، والفاعلة؛ لمواجهة التحديات كافة، ولن يتم هذا الأمر إلا بتعاضدنا جميعا، وبتظافر الجهود، وهذا ليس ببعيد على أمة تمتلك من المقومات مالم تملكها أمة أخرى، فضلا عن وشائج الدم والقربى والمصير المشترك، كل هذا أصبح ضرورة حتمية لنا جميعا، فلابد من تقديم الدعم المادي والمعنوي لهذا الشعب، وأن نضمد جراحه، وأنها لفرصة أن نعيد النظر في قراءة الأحداث وتنوعها، وأن نستفيد من دروس الماضي بعد أن أصبحت الأمور واضحة، والأعداء يتكلمون عن خططهم العدوانية بكل سخرية ووقاحة، ويسعون إلى تدمير مقوماتنا، وينهبون خيراتنا، فعلينا أن نستعد من الآن، وأن نعزز التضامن العربي؛ لكي نكون أكثر قوة وفاعلية، وهذا لن يتحقق إلا بتأهيل اليمن، وتوفير الدعم اللازم له، فلا تتركوا هذا الشعب على هذا الحال، فوالله وتاالله أن قوتكم من قوته، وعزتكم من عزته، واستقراركم من استقراره، وضعفكم من ضعفه، وزوالكم من زواله،
فاعتمدوا على مستشارين يهمهم الأمن الإقليمي والقومي والإسلامي،
وأنا على ثقة أن هناك ملوكا، وأمراء ووزراء ومفكرين وقانونيين، يدركون هذا الأمر، وأن هناك صحوة شاملة تعيد للأمة مكانتها، فحسنوا الأوضاع كافة في كل الأقطار العربية، بشكل عام، وفي اليمن بشكل خاص، واعملوا مصالحة وطنية شاملة، ترافقها عدالة انتقالية تهدف إلى
تحسين الوضع المعيشي، واحرصوا على أن ينعم اليمن بخيراته، ويصدر نفطه وغازه، وتشغيل موارده كافة، وثقوا كل الثقة أن اليمنيين جميعهم
إذا تحسنت حياتهم وأحوالهم سيكونون من دون شك عونا لكم، وستكونون أنتم قوة ضاربة ضد الأعداء .. أعداء الأمة وسيأتونكم من كل حدب وصوب؛ دفاعا عن كل شبر من مضيق هرمز إلى جبل طارق، حينها ستفرضون قوتكم على كل الدول الكبرى، وستكونون قوة إقليمية كبرى ضاربة وفارضة، وستحترمكم كل الدول، وسيضعون لكم ألف حساب وهم صاغرون..