في لحظة تاريخية فارقة، اجتمع أبناء حضرموت، اليوم الخميس، في مليونية جماهيرية كبرى تحت شعار "حضرموت أولًا"، مجددين العهد مع قضيتهم، ومؤكدين أن حضرموت لن تكون إلا في قلب الجنوب، وفي طليعة مشروعه الوطني. البيان السياسي الختامي الصادر عن هذه الفعالية شكّل وثيقة نضالية جامعة، ومؤشرًا على مرحلة جديدة من الوعي السياسي والجماهيري، في سياق تبلور مشروع الدولة الجنوبية الفدرالية بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي.
بيان حضرمي برؤية جنوبية
لم يكن البيان مجرد استعراض لمطالب، بل خريطة طريق سياسية وأمنية واجتماعية لحضرموت والجنوب. لقد أعاد صياغة موقع حضرموت في المشروع الجنوبي، مؤكدًا أنها ركيزة لا يمكن تجاوزها، ومرتكز رئيسي لبناء الجنوب الجديد على أسس العدالة والشراكة والهوية الجامعة.
وفي توقيت بالغ الحساسية، أطلق البيان رسائل واضحة موجهة للمجتمعين الإقليمي والدولي، بأن أبناء حضرموت لن يقبلوا الوصاية، ولا استمرار قوات المنطقة العسكرية الأولى التي تمثل ذراع الاحتلال اليمني في سيئون ووادي حضرموت، مطالبين بإعادة نشرها في جبهات المواجهة مع الحوثيين، وليس بين أبناء حضرموت المسالمين.
قوات النخبة الحضرمية: خط أحمر ودرع منيع
أبرز ما جاء في البيان كان التأكيد القاطع على أن قوات النخبة الحضرمية تمثل إرادة الشعب، وأنها "خط أحمر وجدت لتبقى". هذه الرسالة لم تكن فقط دعمًا معنويًا، بل تفويضًا شعبيًا واسع النطاق، يضع هذه القوات في موضع الشرعية الأمنية والعسكرية الوحيدة في حضرموت.
البيان طالب بتعزيز قدرات النخبة، وتزويدها بأحدث الوسائل والتقنيات، بل وبتحديث هويتها المؤسسية، في إشارة إلى ضرورة قطع كل الروابط الرمزية مع النظام اليمني السابق. وهذه خطوة تحمل دلالات سيادية عميقة، مفادها أن حضرموت تؤسس لقوات أمن جنوبية خالصة، محلية الجذور، ومجتمعية التكوين.
*الانتقالي الجنوبي في قلب حضرموت
جاءت الفقرة التاسعة من البيان لتؤكد موقع المجلس الانتقالي الجنوبي كممثل سياسي وشعبي لأبناء حضرموت، ومكون أصيل من نسيجها السياسي والاجتماعي. وقد نال الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي إشادة خاصة لدوره البارز في دعم مطالب حضرموت، وحرصه على أن تكون شريكة حقيقية في رسم ملامح الجنوب القادم.
البيان أعاد التأكيد أن الانتقالي لم يكتف بالبيانات والمواقف، بل أنشأ آليات متابعة فعلية، وعزز التواصل مع أبناء المحافظة، وهو ما انعكس في الزخم الشعبي الكبير للمليونية، الذي مثّل استفتاء جماهيريًا على خيار الجنوب الفيدرالي بقيادة الانتقالي.
* الجنوب أولًا
رغم أن الشعار المركزي للمليونية كان "حضرموت أولًا"، إلا أن البيان حرص على وضع هذا الشعار في إطاره الطبيعي: حضرموت أولًا من أجل جنوبٍ أول، وحضرموت قوية لتكون سندًا لدولة الجنوب الفدرالية الجديدة. هذه الفكرة رسّخها البيان عبر التأكيد على أن الجنوب المنشود ليس جنوب ما قبل 1967 أو 1990، بل جنوب حديث، عادل، يحتضن كل مكوناته ويعترف بتنوعها.
الرسائل السياسية: إلى الداخل والخارج
• للداخل الجنوبي: رسالة وحدة وتكامل، تدعو إلى تجاوز الخلافات والتباينات السياسية، والعمل المشترك تحت مظلة الجنوب الجديد.
• للشرعية اليمنية: رسالة تحذير من أن أي تجاهل لمطالب أبناء حضرموت، واستمرار التواجد العسكري غير المشروع في واديها، ستكون له تبعات سياسية وشعبية.
• للتحالف العربي: رسالة تقدير وشكر، لكن مشفوعة بتذكير بأن دعم الجنوب ومطالب حضرموت يجب أن يُترجم عمليًا، خصوصًا في تنفيذ اتفاق الرياض ومقررات مجلس القيادة الرئاسي.
• للمجتمع الدولي: أن في حضرموت مشروع دولة مدنية وأمنية ناجحة، تقوم على الشراكة والتعايش، تستحق الدعم والاعتراف.
نقطة تحول في مسار حضرموت
إن بيان مليونية "حضرموت أولًا" لم يكن مناسبة خطابية عابرة، بل لحظة سياسية مفصلية. فقد جسّد وعيًا ناضجًا بحقوق حضرموت في إدارة شؤونها وثرواتها، كما أرسى مبدأ أن حضرموت لا تبحث عن الانفصال عن الجنوب، بل عن تمكينها العادل ضمن الجنوب، كجزء فاعل وشريك أصيل في معادلة الاستقلال والسيادة.
*حضرموت تقول كلمتها
قالت حضرموت كلمتها بوضوح: لا لوصاية، نعم للنخبة، نعم للجنوب، نعم للانتقالي. هذا البيان سيكون مرجعًا في الذاكرة السياسية، ومؤشرًا على أن حضرموت لم تعد ساحةً للتجاذبات، بل فاعلًا سياسيًا وميدانيًا له رؤية وإرادة.