ظلال سوريا على أزمات ليبيا واليمن

ظلال سوريا على أزمات ليبيا واليمن

قبل 8 سنوات
ظلال سوريا على أزمات ليبيا واليمن

الامين برس: العرب : ليس صدفة أن يتزامن انخراط قوى إقليمية ودولية في البحث عن تسوية سياسية للأزمة السورية، مع تسارع نفس القوى تقريبا، للبحث عن أو للإيحاء بالبحث عن حلول موازية لكل من الأزمتين الليبية واليمنية، فمن يحرّكون قطع الشطرنج في الأولى، لهم باع طويل وقدرة عالية على تحريكها في الأزمات الإقليمية الأخرى.

من هنا، يبدو التزامن منطقيا، لأنه لن يكون مقبولا لقوى فاعلة في أزمة، أن تبدي تقاعسا لافتا في أزمة أخرى مشابهة، لذلك تواتر الحديث عن حزمة من المبادرات السياسية في توقيت متقارب؛ فالأزمة السورية فتحت لها نافذة جديدة للمفاوضات في الرياض، مرجح أن تغير الانطباعات القديمة عنها. والأزمة الليبية بدأت روما الاستعداد لجذبها لمسار أكثر جدية، واستقبال عدد من أطرافها بعد أيام، بشكل مختلف عن المناقشات التي جرت في أماكن عدة من قبل. وأعلن عن محادثات رسمية تخص أطراف الأزمة اليمنية في سويسرا منتصف الشهر الجاري، ما يضغها في مسار ظلّ بعيدا عنها فترة طويلة، لكن توازنات القوى على الأرض، ورغبات جهات دولية عجّلت بالوصول إليه.

لكن تدفع هذه التحرّكات إلى التساؤل: هل هي مبادرات ومفاوضات ترمي إلى تسوية حقيقية، أم إبراء للذمة وترسيخ لانطباعات بأن ثمة عملية سياسية جارية؟ وهل هناك أفق لكل منها، وتفضي الخطوات الحالية إلى حلول مستقرة، أم هي تحركات تخدم مصالح الوسطاء أولا وأخيرا؟

لأن مخاطر داعش أخذت تتضخم في ليبيا كان لابد من إثارة صخب حول التسوية، وزيادة سرعة الدوران في فلكها

الحرب وحدها لن تحل الأزمات

بعض المراقبين اعتبروا أن حالة الإنهاك المادي والمعنوي التي وصلت إليها أطراف، محلية وخارجية، في الأزمات الثلاث أفضت إلى تقدم أصوات التسوية السياسية عن أصوات المدافع وأزيز الطائرات، وأن الرهان على الحرب وحدها، أصبح خاسرا لكثير من القوى الفاعلة، بعد أن تمادت روسيا في تدخلها العسكري في سوريا، وانكمشت أطراف أخرى، كانت تتحكم حتى وقت قريب، في مفاتيح الحل والعقد.

وساهم تواتر الحديث عن مخاطر تنظيم داعش بليبيا، في إحراج قوى متعددة، أصبحت توجّهاتها وسياساتها متهمة بالوقوف خلف تمدد هذا التنظيم، الذي يمكن أن يتحول إلى خطر تصعب فرملته والسيطرة عليه، بعد أن شرعت قياداته في زيادة تمركز عناصره في ليبيا، عندما بدأت تهتز الأرض تحت أقدامهم في سوريا والعراق.

الحال في اليمن لا يختلف كثيرا، حيث طال أمد الحرب الذي يخوضها التحالف العربي، وأضحت قواه الرئيسية في حيرة، بين الاستمرار في الضربات الجوية، التي من الصعوبة أن تحسم معركة، تبدو فيها الميليشيات عنصرا مؤثرا في تطوراتها على الأرض، وبين التوقف قبل أن ينتهي التحالف من مهمته (عودة الشرعية) التي خاض الحرب تحت شعارها، لذلك كان فتح طاقة أمل للتسوية السياسية، الباب المناسب لغالبية الأطراف التي دخلت حرب اليمن بإرادتها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو اضطروا إليها.

وتوقع محمد العرابي، وزير الخارجية المصري الأسبق في تصريحات لـ“العرب”، أن يشهد عام 2016 حلاّ للأزمة السورية، بسبب الجهد الدولي المبذول في هذا الملف. لكن العرابي لم يكن متفائلا حيال نتائج مؤتمر الرياض للمعارضة السورية، وقدرته على لم شمل أطيافها المختلفة والوصول إلى اتفاق موحّد للتفاوض على أساسه مع النظام السوري.

وتوقّع فراس الخالدي، ممثّل شباب الحراك الثوري وعضو لجنة مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية، أن يقع مؤتمر الرياض في أخطاء، بسبب توجيه الدعوة لبعض الشخصيات المستقلة دون الاهتمام بتوجيه الدعوات للكيانات الثورية التي تعتبر جزءا أصيلا من المعارضة السورية.

وأكّد لـ“العرب” أن التوجّهات الدولية تحيط بها علامات غموض، وتبحث عن إجابات لأسئلة لم تحسم حتى الآن، ومنها حقيقة وضع بشار الأسد، ومستقبل الإيرانيين الموجودين في سوريا، خاصة أن عددا كبيرا منهم حصل على الجنسية، وتملك أراضي واسعة، منحتها لهم السلطات السورية.

وعن مستقبل تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، قال الخالدي إن بقاء هذا التنظيم مرهون ببقاء بشار الأسد نفسه، مؤكدا أن الجيش الحر قادر على قتال داعش والقضاء عليه، لكن المجتمع الدولي لم يقدم له الدعم الكافي، مستبعدا أي تأثير للتركيبة الطائفية على إشكالية بقاء داعش من عدمه في سوريا.

المياه الليبية واليمنية تتحرك

الحراك السياسي حول الأزمة السورية يحرك المياه الراكدة في ليبيا واليمن

برأي بعض المراقبين دفعت التحرّكات الأخيرة الأزمتين في كل من ليبيا واليمن إلى الواجهة، لتوصيل إشارات بأن القوى التي أجّجت الحروب، هي وحدها القادرة على إطفائها أيضا، عندما تنضج الظروف السياسية.

ومن المفترض أن تستضيف روما مؤتمرا حول الأزمة الليبية قريبا، الأمر الذي أرخى بظلاله على الجهود السياسية التي تبذل، سواء من قبل الأمم المتحدة، أو من جانب أطراف إقليمية، خاصة أن اتفاق تونس بين أطراف ليبية، أعاد الخلافات إلى المربع الأول، بدلا من أن يفضي إلى تقريب وجهات النظر.

بالتالي من المنتظر أن يتم تمهيد الأجواء السياسية بشكل جيد، حتى تكون هناك فرصة مواتية أمام مؤتمر روما، لأن المقدمات التي تسبقه الآن تشي بعدم التفاؤل، فقد بدأت الخلافات حوله وعليه مبكرا.

وعلمت “العرب” من مصادر قريبة من أطراف ليبية دعيت لحوار إيطاليا، أن روما وجهت الدعوة لتركيا لحضور المؤتمر، لكن روسيا رفضت ذلك، وهدّدت بعدم الحضور، فاضطرت روما إلى سحب الدعوة لأنقرة، وهو ما دفع موسكو إلى الموافقة على حضور المؤتمر، وكذلك حليفتها بكين.

ورأى بعض المتابعين، في هذه الخطوة، ضربة جديدة لتركيا، المتّهمة من قوى عدة بالعبث في أمن كل من العراق وسوريا وليبيا، ما يشي بأن تواجه أنقرة المزيد من المصاعب، بسبب تدخلاتها في بعض الأزمات العربية.

وقال عز العرب أبو القاسم، ممثل مؤتمر شباب القبائل والمدن الليبية لـ“العرب”، إن بعض الأطراف الإقليمية والدولية، لا يناسبها حل الأزمة الليبية حاليا، وتسعى لإيصالها إلى مدى أكثر تعقيدا، حتى تتمكن من إنهاك أطراف أخرى، وتجبرها على القبول برؤيتها لأي تسوية تريدها، وأن أحاديث الحرب لا تزال تتفوق على السلام في ليبيا. وقالت التقارير إن عددا كبيرا من عناصر داعش في سوريا والعراق اتجه إلى ليبيا، وفئة منهم، ليست هينة، تمركزت بالقرب من الحدود مع مصر.

ولأن مخاطر داعش أخذت تتضخم في ليبيا، وأحرجت قوى عديدة كان لابد من إثارة صخب حول التسوية، وزيادة سرعة الدوران في فلكها، حتى ولو لم تؤد إلى نتيجة ملموسة، فمن الصعب أن يتزايد ضجيج السلام في سوريا وتكون اليمن أو ليبيا بعيدتين عنه. وتوقع أبوالقاسم أن يتحول جانب من الاهتمام الدولي الفترة المقبلة إلى ليبيا، بعد أن تيقن العالم أنها أصبحت حاضنة لتنظيم داعش.

ومع أن حديث التسوية، بدأ يعلو على كلام الحرب في ليبيا، غير أن هاني خلاف، سفير مصر السابق في ليبيا، قال هناك دوائر معينة – لم يسمها – تسعي لـ “تخريب أي اتفاق لا يتواءم مع مصالحها، ولن تكون مرتاحة لتوصل الليبيين إلى اتفاق يقود إلى الأمن والاستقرار في بلادهم، كما أن هناك أطرافا ليبية لا تريد التوصل إلى حلول، بسبب استبعادها من الحوارات السياسية الجارية الآن في عواصم مختلفة”.

وأشار خلاف، في تصريحات لـ“العرب”، إلى وجود أدوار ميدانية مراوغة داخل ليبيا، من جانب دول مجاورة لها علاقة مباشرة بالملف الليبي، تسعى إلى احتواء داعش، وتحاول وقف تمدد أذرعها إليها. وطالب بديناميات إقليمية جديدة، خاصة من قبل كل من السودان وتشاد والنيجر ومالي، مستغربا تجاهل الحديث عن مواقف وأدوار تلك الدول.

وأوضح خلاف، وهو مبعوث الجامعة العربية في العراق سابقا، أن تلعب الحدود والسواحل البحرية الليبية دورا أكثر فاعلية الفترة المقبلة، من حيث سد المنافذ التي تتحرك عبرها العناصر المتشددة.

وتحفظ السفير المصري على المعلومات، التي تتردد من وقت إلى آخر، حول تشابه المقاربتين السورية والليبية، وأن حديث التسوية في الأولى ينسحب على الثانية، وقال لـ“العرب” إن لكل ملف طبيعته الجيوسياسية، بالإضافة إلى اختلاف أهمية كل ملف بالنسبة إلى الدول الكبرى.

من المنتظر أن يتم تمهيد الأجواء السياسية بشكل جيد، حتى تكون هناك فرصة مواتية أمام مؤتمر روما

والأمر نفسه، ينطبق على الأزمة اليمنية، حيث أكد متابعون لـ“العرب” أن لها خصوصية أخرى، ويصعب قياسها بالنسبة إلى كل من الأزمتين السورية والليبية، فمع أن هناك تشابكات واضحة بين خيوط الأزمات الثلاث، لكن تسوية كل واحدة مختلفة عن الأخرى، لأن مطالب الأطراف المحلية مختلفة وحسابات القوى الخارجية متباينة.

لكن يمكن القول إن دوران عجلة التسوية في سوريا وليبيا، حتى لو استغرقت مدى طويلا، سيساهم في دورانها حتما في اليمن، وهو ما ظهرت تجلياته خلال الأيام الماضية، فبعد فترة من المراوحة، وتباعد المواقف، أعلن المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد عن موعد لعقد لقاء في سويسرا بين الفرقاء اليمنيين.

في كل الأحوال، سيكون التعب الذي حل بغالبية الأطراف، واحدا من العوامل التي تؤدي إلى تخفيف حدة التشدد السابق، خاصة أن تنظيم داعش أخذ يثبّت أقدامه هناك، وأعلن عن نفسه بعملية نوعية محسوبة، ونجحت في اغتيال محافظ عدن.

وإذا أضيف صعود تنظيم داعش في اليمن إلى التمدد التدريجي الذي حققه تنظيم القاعدة في حضرموت وغيرها، وغموض موقف حزب الإصلاح الإخواني، سوف يعود اليمن إلى الدائرة ذاتها التي تعيشها كل من سوريا وليبيا، ما يوفر مبررات لعدم استبعاد دخول الآلة العسكرية لأطراف دولية مباشرة في الأزمة اليمنية.

من هنا، يعتقد الكثير من المراقبين أن الأزمات العربية مهما تشابهت ملامحها، فإن حلولها السياسية سوف تكون مختلفة، وتتوقف كذلك على حجم الارتدادات السلبية التي تخلفها على مصالح قوى رئيسية.

الأكثر قراءة

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر