الامين برس: الاتحاد : مرت أيام الحرب الظالمة طويلة على عشرات الآلاف من المتقاعدين والموظفين في عدن وعدد من المحافظات الجنوبية الأخرى، وهم ينتظرون أن تفتح أبواب البريد، مرت أيام صعبة تحمل فيها رب الأسرة، الذي لا يمتلك غير هذا الراتب الذي بالكاد يعيش به وأسرته بكرامة، طوال أربعة أشهر مارست فيها مليشيات الحوثي والمخلوع سياسة التجويع للمواطنين، وخاصة في المدن التي حاولت احتلالها، فمنعت الرواتب لبعضهم واستقطعت أجزاء كبيرة من البقية ومارست أعمال السمسرة والابتزاز على هؤلاء الضعفاء الذين لا يمتلكون أي مصدر آخر للدخل.
واستبشر المواطنون في عدن ومنذ التحرير خيراً بعد عودة الحياة إلى طبيعتها ومن خلال الجهود الحثيثة التي تكافح الحكومة اليمنية منذ عودتها إلى عدن إلى جانب ما تبذله السلطة المحلية من جهود، في إعادة الحياة إلى سابق عهدها، في المدينة الساحلية التي شهدت أشهراً من الحرب مع الحوثيين وقوات المخلوع صالح.ومع عودة الحكومة إلى عدن اتخذت سلسلة خطوات لتطبيع الحياة فيها بدءاً من إصلاح ما دمرته الحرب، وخاصة في الجانب الخدمي الضروري كالكهرباء، والمياه، والاتصالات، والنظافة، ومؤخراً فتح المطار وإعادة حركة الملاحة الجوية بعد أن أوشكت أعمال الصيانة والترميم التي تنفذها شركة إماراتية على الانتهاء من عملها، وبدعم سخي من دولة الإمارات العربية المتحدة التي أولت القطاع الخدمي أولوية ورعاية خاصة، بالإضافة إلى رعايتها الكبيرة لقطاع التعليم من خلال إعادة تأهيلها لعشرات المدارس. ومع ذلك تظل معضلات رئيسية تعيق الحياة في مدينة عدن حتى بعد عودة الرئيس هادي والحكومة اليمنية، وفي مقدمة ذلك عدم توفر سيولة نقدية كافية لصرف المرتبات الشهرية للموظفين في مؤسسات الدولة، وخاصة المتقاعدين. وأوضح فرع البنك المركزي في عدن أن السيولة النقدية التي تتوفر لديه من الإيرادات البسيطة لا تغطي مرتبات الموظفين، وقدم مذكرة رسمية للبنك الأهلي اليمني لمنحه قرضاً بمليار ريال يمني لسد احتياجات الموظفين والمتقاعدين من المرتبات الشهرية، لكن هذا الإجراء سيساهم في حل المشكلة لشهر أو شهرين على الأكثر. وزير المالية منصر القعيطي، وبعد زيارة لفرع البنك المركزي بعدن والاطلاع على أوضاع البنك وسير العمل فيه والصعوبات التي يواجهها، وعد بحلها قريباً، وقال: «هناك الكثير من المتربصين والتحديات الكبيرة التي يواجهها الوطن والتي تتطلب من الجميع تفويتها والوقوف صفاً واحداً لعملية البناء والتعمير، وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الذاتية والسياسية والمناطقية».
ولا يزال الموظفون والمتعاقدون يعانون الأمرين في استلام رواتبهم من مكاتب البريد وكنوع من العقاب يطبق عليهم من الهيئة العامة للبريد في صنعاء، والذي يسيطر عليها الحوثيون، فتارة يمنعون توريد المبالغ المالية المخصصة لبريد عدن وتارة أخرى يستقطعون أجزاء كبيرة منها تحت مسمى المجهود الحربي، وكأنهم بذلك يستردون قيمة الرصاصات التي قتلت بها أبناء عدن، ومرة يقفلون شبكة البيانات عن بريد عدن وفروعه في استهتار وامتهان واضح لهذا الشعب العظيم الذي استطاع أن يدحرهم من عدن الحرة.المدير الجديد المكلف «أحمد صالح عبدالعزيز» تحدث لـ «الاتحاد» عن أن بريد عدن يقوم بالصرف للموظفين من جميع المحافظات دون استثناء بالنسبة للمتقاعدين وفي الفترة ما بعد تحرير المدينة كان البريد يصرف لموظفي عدن، بالإضافة لموظفي لحج وأبين والضالع مما شكل ضغطاً إضافياً في ظل شح السيولة المتوفرة لدى البريد بعدن. ولأن ميزانية بريد عدن تتحكم بها هيئة البريد في صنعاء، وهذا ما يسبب كل المشاكل الذي يواجهها البريد من تأخر الصرف للرواتب وما يترتب عليها من زيادة معاناة المواطنين، ويقترح عبدالعزيز لحل هذه المشكلة قائلاً: «يستطيع فرع البنك المركزي بالتعاون مع البنك الأهلي والبنوك التجارية في عدن تغطية ميزانية البريد ويبقى على فرع البريد إن أراد أن يستغني عن المركز الرئيسي عمل نظام شبكة بيانات خاصة به». وختم حديثه بأنه لا يسعى إلى منصب، ولكنه سيظل في بريد عدن خدمة لأبناء مدينته مهما كانت الظروف طالباً من الكل قياده ومواطنين التعاون مع البريد كون البريد يمر بنفس ما تمر به بقية مرافق عدن.ويتواجد أهالي عدن منذ الصباح الباكر أمام مكاتب البريد وبعد التسجيل لساعات طويلة يعودون خالين الوفاض عندما يعلن موظف البريد عدم وجود السيولة المالية!! وتتكرر هذه المأساة يومياً دون أي رحمة أو تقدير لمسن أو امرأة. الحاجة أم بسام، مدرسة متقاعدة، وجدناها تفترش الأرض بالشارع خارج البريد تحدثت بألم قائلة: «أتردد على البريد منذ أسبوع وكل يوم من الفجر وحتى الواحدة ظهراً وأنا أفترش الرصيف على أمل أن يفتح البريد ويكون لديه سيولة مالية من صنعاء، ولكن للأسف دون جدوى وترفع يديها للسماء وتقول حسبي الله ونعم الوكيل على من ظلمنا، لم يراعِ امرأة مسنة ولا شيخاً مريضاً يتلاعبون بنا ويحاربوننا في مصدر أرزاقنا، لكن الفرج قريب بإذن واحد أحد». لم تستطع أم بسام مواصلة الحديث، فقد كانت المعاناة والقهر باديين عليها وليست هي الوحيدة التي تعاني من تأخر صرف الراتب بسبب تعسف الهيئة في صنعاء بالصرف المنتظم لرواتبهم، فهنا الشيخ المسن عبدالرحمن علي الذي تحدث لـ «الاتحاد» أن عصابات الحوثي والمخلوع تريد كسرنا وإذلالنا بقوت أولادنا، ولكن لن ينالوا من كرامتنا أبداً، سنصبر وسنربط على بطوننا حجارة، ولكن لن نستسلم، عدن انتصرت بإرادة شبابنا ونحن لن نخذل كل تلك الدماء التي روت هذه الأرض الطيبة وسنصبر ولن نخضع أبداً. معلومات إحصاء يصرف بريد عدن لحوالي «61,000» متقاعد من القطاعات المدنية والدفاع والداخلية بإجمالي مخصص نحو «1,800,000,000» ريال يمني، كما لدى البريد حسابات جارية لموظفي إدارة الأمن بعدن لعدد «10,000» موظف وموظفة بإجمالي مخصص «400.000.000» ريال يمني، ولمؤسسه الاتصالات «1,200» موظف وموظفة بإجمالي مخصص «100.000.000» ريال يمني. وغيرها من جهات الجهاز الحكومي والتي انسحبت مؤخراً من البريد مثل قطاع التربية والصحة. وتقدم مكاتب البريد غير خدمة صرف رواتب المتقاعدين والموظفين خدمات التوفير، تحصيل الفواتير، الحوالات المالية، البريد الممتاز ونقل البضائع وغيرها من الخدمات البريدية.