المسحراتي ( ارشيف )
الأمين برس ( البديل ) / أحمد عاصم :
عرف المصريون منذ مئات السنين الكثير من العادات والتقاليد التي أصبحت مورثًا ثقافيًا مقدسًا لديهم، على رأسها مهنة «المسحراتي»، الذي ارتبطت شخصيته في مصر بالزينة والفوانيس، كما ارتبطت أيضا بالسير والحكايات الشعبية مثل «ألف ليلة وليلة»، و«أبو زيد الهلالي»، و«علي الزيبق».
ورغم ظهور الأجهزة الذكية والمنبهات، فإن المصريين يفضلون سماع طبلة وصوت المسحراتي في ليالي رمضان، ليطلون من الشرفات والنوافذ عند سماع الطبلة ويبدأون بالتهليل والمناداة بأسمائهم التي يحفظها المسحراتي كل عام في هذا التوقيت عن ظهر قلب.
جاءت فكرة المسحراتي مع قدوم الدولة العباسية، إذ وجد عتبه بن اسحاق، والي مصر عام 238 هـ إن المسلمين لا ينتبهون كثيرًا إلى وقت السحور ولا أحد يؤدي هذه المهمة، فقرر أن يؤديها بنفسه، فكان يمر بشوارع المحروسه ليلًا لإيقاظ الناس من مدينة العسكر إلى مسجد عمرو بن العاص بالفسطاط وينادي قائلًا: «عباد الله تسحروا فإن في السحور بركة».
وفي عصر المماليك، ظهر «ابن نقطة» شيخ طائفة المسحراتية والمسحراتي الخاص بالسلطان الناصر محمد، وهو مخترع فن القومة، أحد أشكال التسابيح، ثم انتشرت بعد ذلك مهنة المسحراتي بالطبلة التي كان يُدق عليها دقات منتظمة بدلاً من استخدام العصا.
الطبلة كانت تسمى «بازة»، وهي صغيرة الحجم، يدق عليها المسحراتي دقات منتظمة، ثم تطورت مظاهر المهنة، فاستعان المسحراتي بالطبلة الكبيرة التي يدق عليها أثناء تجواله بالأحياء، شاديا بأشعار شعبية وزجل خاص بهذه المناسبة.
بدأت مهنة المسحراتي تأخذ مسارًا جديدًا عبر موجات الأثير، بداية من أربعنيات القرن الماضي، فمن أشهر وأجمل البرامج الرمضانية التي وثقت لتلك المهنة، برنامج «المسحراتي» لسيد مكاوي وفؤاد حداد، التي مازالت كلماته تتردد في قلوبنا منذ الطفولة: «اصح يا نايم.. وحد الدايم.. وقول نويت.. بكره أن حييت.. الشهر صايم.. والفجر قايم.. أصح يا نايم.. وحّد الرزاق».
أما أهل بعض البلاد العربيّة كاليمن والمغرب، فكانوا يدقّون الأبواب بالنبابيت، وأهل الشّام كانوا يطوفون على البيوت ويعزفون على العيدان والطّنابير وينشدون أناشيد خاصّة برمضان، وتطورت بعد ذلك مهنة المسحراتي، فاستخدم المسحر الطبلة الكبيرة منشداً الأشعار والأغاني الشعبية.
وعقب افتتاح التليفزيون المصري، أسند القائمون عليه تلك الشخصية للفنان الراحل محمود شكوكو، فقد أطلّ «شكوكو» على الجماهير في أول رمضان للوليد الإعلامي الجديد «التليفزيون»، من خلال شخصية «المسحراتي» طوال 30 حلقة كانت تذاع بعد منتصف الليل، من تأليف إبراهيم حسني وسيد أحمد.
وشغف الرحالة والمستشرقون بهذه المهنة، وكتبوا عنها فى كتبهم، مثل: الرحالة المغربي «ابن الحاج» الذي جاء إلى مصر في العصر المملوكي في عهد الناصر محمد بن قلاوون، وتحدث عن عادات المصريين وجمعها في كتاب، والمستشرق الإنجليزي «إدوارد لين» الذي حكى لنا عن مسيرة تطور مهنة المسحراتى فى كتابه «المصريون المحدثون.. شمائلهم وعاداتهم».