لكن بعد الإعلان عن استسلام آخر مجموعة من الضباط كانت تتحصن داخل مقر هيئة الأركان في أنقرة، بدأت الحكومة التركية تتحدث أن 95% من مفاعيل الانقلاب تم القضاء عليها.
الحياة في اسطنبول عادت إلى طبيعتها بشكل تدريجي، لكن جسري البوسفور، والحركة الملاحية في المضيق بين شطري المدينة، لم تعد إلى طبيعتها حتى الساعة 2:00 ظهراً.
أما مطار أتاتورك فيعمل جزئياً، وحتى الساعة 1:45 ظهراً تم الإعلان أن 925 رحلة جوية تم إلغاؤها، بينما لايزال مطار "صبيحة غوكشين" في اسطنبول متوقفاً تماماً عن العمل حتى مساء السبت.
في الساعة 7:28 من صباح اليوم، أرسلت الحكومة التركية رسالة نصية على الهاتف تدعو الأتراك للتجمع في الساحات حتى الساعة 6:05 من مساء السبت لـ"حماية الديموقراطية".
لكن صوت الطائرة "إف 16"، واختراقها جدار الصوت الساعة 4:45 من فجر السبت، ست مرات، وهي تحلق على علو منخفض، أثار رعباً كبيراً.
اختراق جدار الصوت أتى بعد دقائق من استسلام آخر المجموعات الانقلابية في تقسيم، وفاتح، وأوسكودار (الآسيوية)، في ما يبدو أنه محاولة لبث الرعب فقط، أو محاولة رعناء من طيار رفض الاقتناع بأن الانقلاب قد فشل، ولم تختف الطائرة إلا بعد إعلان رئيس الحكومة، بن علي يلدريم، أن طائرات أقلعت من قاعدة (أسكيشيهير) ولديها الأوامر بإسقاط طائرات الإنقلابيين إن لم تستسلم.
أردوغان يتحدى
شئنا أم أبينا، كان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، شجاعاً في إدارة الأزمة، وراهن رهان المقامر على مساندة الشعب للديموقراطية، مع أن تفاصيل ما جرى الليلة الماضية لا سابق لها بين الانقلابات الماضية، منذ 1960 حتى 1997.
وصل أردوغان إلى مطار أتاتورك الساعة 4:20 من فجر السبت، بعد أقل من ربع ساعة من سحب عناصر الجيش دباباتهم من أمام مدخل المطار، بينما نشر موقع صحيفة يني شفق صورة لشاب تركي وهو ينبطح أمام دبابة لمنعها من الحركة.
حسنات الانقلاب
اعتدنا من الحكومة التركية تعطيل موقعي "فيس بوك"، و"تويتر" لدى حدوث أي اضطراب أمني في تركيا.
وفي ليلة الانقلاب، كان الموقعان يعملان بشكل أفضل من المعتاد.
صفحات "فيس بوك" مؤيدة للنظام السوري أعلنت أن روسيا قد تقبل لجوء أردوغان إلى موسكو، بينما حصد رصاص المؤيدين العشوائي روحي رجل وامرأة في دمشق، حسب صفحة "دمشق الآن" على "فيس بوك".
أصوات المتظاهرين
الساعة 3:20 حملت أصوات المتظاهرين عبارات بالعربية (يا الله.. بسم الله.. الله أكبر)، بينما وصلت رائحة الغاز إلى بيتي من جهة تقسيم وشيشلي.
وكتب صديق تركي على فيس بوك: "أنا مناصر لحزب العدالة والتنمية. لقد مشينا كتفاً إلى كتف مع أناس من المعارضة ضد العسكر. هذا البلد سيكون بخير".
بينما قال رئيس الوزراء السابق، أحمد داوود أوغلو: كرامة الديموقراطية انتصرت.
رأس الانقلاب
لا يزال الرأس المدبر للانقلاب مجهولاً، بالرغم من تكهنات أن ضباط الانقلاب مرتبطين بفتح الله غولن.
جماعة غولن أدانت الانقلاب ورفضته، لكن إعلام الحزب الحاكم ينقل عن مسؤولين أن الانقلابيين تلقوا أوامرهم من غولن، حتى أن رئيس الوزراء طالب شخصياً الولايات المتحدة بتسليم تركيا القطب المالي والإعلامي التركي المقيم في ولاية بنسلفانيا الأمريكية.
ساحة تقسيم
حوالي الساعة 12:30 من فجر السبت، كانت مجموعة من الجيش تقف بسلاحها الكامل على يمين ساحة تقسيم، تقابلها على يسار مدخل شارع الاستقلال مجموعة من شرطة مكافحة الشغب بسلاحها الكامل. يفصل بين المجموعتين تمثال شهداء معركة (جناق قلعة). لم يحدث احتكاك بين الفئتين، لكن عشرات الشباب بدأوا يتوافدون إلى الساحة شيئاً فشيئاً، الساحة التي تسجل مرور ما لا يقل عن ثلاثة ملايين شخص فيها يومياً.
رفع الشباب أعلام الجمهورية فقط، وفي حوالي الثانية فجراً حوصر عناصر الجيش فأطلقوا النار في الهواء بداية، وعندما شعروا بخطر من الشباب المدنيين سددوا نحو الشباب فأصابوا عدداً منهم بجراح. واستمرت محاولات الشباب لإقناعهم بتسليم أنفسهم بعد أن فشل الانقلاب، ولم تنجح محاولاتهم قبل حلول الثالثة والنصف صباحاً.
بعد الثانية فجراً بقليل، بدأت الجوامع في أنحاء اسطنبول برفع الآذان، يتلوه دعاء باللغة التركية، في كل من منطقة فاتح، وشيرين إيفلر، وتقسيم، بينما استمر تحليق الطيران المروحي بين فاتح وتقسيم.
وبدأت أخبار الدم تتوالى في الثانية فجراً. أخبار اسطنبول متوافرة رغم الغموض والتضارب، بينما كانت الأنباء من العاصمة السياسية، أنقرة، شحيحة.
البداية سجلت سقوط 17 شرطياً في أنقرة، ومدني واحد في اسطنبول، ووصلت الحصيلة المعلنة ظهر السبت إلى أكثر من 161 قتيلاً من الجيش والشرطة الرافضين للانقلاب، فضلاً عن 104 من الانقلابيين، و1140 جريحاً من الطرفين.
بينما تم القبض على أكثر من 2839 ضابطاً شاركوا في الانقلاب، وهرب ثمانية ضباط بمروحية إلى اليونان وطلبوا اللجوء إليها.
الأصداء في دمشق
نقلت صفحة "دمشق الآن" على فيس بوك أن رجلاً وامرأة قتلا برصاص الابتهاج العشوائي، بينما كانت مسيرات بالسيارت تجوب شوارع دمشق.
بالطبع، كانت صفحات فيس بوك، بالإضافة إلى مهمتها في تناقل الأخبار والإشاعات، مكاناً للسخرية، ودس الأخبار، والجدل العقيم، حتى أن أحدهم ركَّب صورة لأردوغان يلبس سترة نجاة برتقالية وهو يسبح باتجاه الشاطئ اليوناني.
الليرة
الليرة التركية استجابت سريعاً وفقدت 8% من قيمتها أمام الدولار عند سعر 3.0319 ليرة الساعة 23:30 مساء الجمعة، من 2.89 ليرة، عند الثامنة مساء، قبل أن يتراجع سعر الدولار إلى ما دون 3 ليرات مقابل ظهر السبت.
المصدر : 24- علي العائد .