كيان سياسي

كيان سياسي

قبل 8 سنوات
لا تحتاج أن تصل نسبة الجنوب في دمك إلى ????‏ حتى تصرخ "الشعب يريد كيان سياسي" ، لأن العالم يرى هذا الأمر من الأساسيات والبديهيات، ويفهمه الأعداء قبل الأصدقاء، فلا يمكن لشعب أن ينتصر دون أن يكون هناك ائتلاف سياسي على أعلى مستوى من النظام والحكمة، وكيان موحد يمثله ويرعاه ويخوض معه وبه تحديات الواقع.
 
ظل الجنوب بلا ساسة حقيقيين، وكان بلد الظواهر الفريدة منذ تكوينه الثوري الأول.. تصرف به قادته وكأنه شعب أتى من بحيرات الملح في هضبة الأنديز، أو كأنه من بقايا قوافل الغجر المنحدرين من سهوب يوراسيا أو غيرها من أرض الله.. فكان معروضاً لمن يدفع أكثر نحو الحرائق الأيديولوجية.
 
الآن كأن الشعب يستجدي قياداته وقادته وقواه المختلفة ويقول:  " توحدوا هداكم الله"  لم يبق شيء إلا وجربناه، وأنتم شهود وأشهاد على دماء الناس، لقد شمت بكم القاصي والداني، وأصبحتم مضرب الأمثال.. ننتصر ولا ثمار للإنتصار، نصبر ولا أفق لهذا الصبر، يخرج الملايين من "السُمر الشداد وصبايا البلد" ثم يلفوا أعلام بلادهم بانتظار المناسبة القادمة.. نادى المُنادون منذ سنين بضرورة وجود حامل سياسي فانتصب "سادة الخواتم" وفي كل منهم منطقة محددة في اللاوعي تحسسه بانه المسيح المنتظر ومن حوله مجرد حوارية وموالاة.
 
لقد دقت الأجراس منذ سنين وبرزت الضرورات الملحة للرائي والغافل، واختنقت الحناجر بنبرات النداءات الخالدة، وكانت هناك دائما "إرادات ذاتية" تتعالى على الصوت الوطني وتربط مصير البلاد والعباد بنزوعهم للزعامة وواحدية القائد صاحب الظل الثقيل.. حتى بلغ الدم منتهاه وشبعت الجماهير كلاماً، وأصبحت لا تفرق بين التصلب والصلابة وبين الصمود والقعود وبين القدرة والضجيج…الخ!
 
الجنوب يا أخوة الحاضر والمستقبل، لن يعود بالحناجر أو بالمنابر ولن يعود بالسلم ولا حتى بالحرب وإن تكن قوتكم تزلزل الجبال والسهول، لن يأتي وانتم بلا كيان موحد ووعاء موحد وتمثيل موحد... لديه قدرات على القيادة والمناورات والتعامل مع ظروف المرحلة الحالية وفق قواعد الاشتباك السياسي، دون الإنزلاق إلى الخلافات والتنافس أو تقديم الأهواء على الضرورات، أو الغرق في المتطلبات الحالية على حساب القضايا الرئيسية.
 
أي أن الجنوب بحاجة إلى شكل سياسي موحد يحافظ على التوازن الحقيقي بين السياسات والأهداف، ويعي بشكل منطقي مساحة الحيز الموضوعي بين الإفراط والتفريط .
 
من زاوية مقابلة فإن الكيان أو الحامل السياسي لا يمثل نهاية المطاف بل بداية العمل المنظم، وعلى الجميع أن يتخففوا من أحمال وأعباء الماضي البعيد والقريب، وأن يترفعوا عن البؤس المتمثل في المحاصصة المصممة وفق درجات الترمومتر الزئبقي، والمفاصلة أو التدافع وفقاً لقوانين الجاذبية المنفلتة، لأن المسألة الآن ليست سلطة.. المسألة بلد بأرضه وسمائه وسكانه ومقدراته، بلد قدم تضحيات جسيمة وفيه من التعب ما يكفي لتفتيت الرواسي العظام.
 
اذا لم يستطع الجنوبيون أن يجمعوا على وعاء سياسي لمواجهة استحقاقات البقاء كشعب حر مستقل، فإنهم لن يستطيعوا إقناع أحد بأن لديهم قضية، وسيتاح المجال لأن يحل آخرون محلهم ويزوّروا إراداتهم، وهناك أطراف لديها من الفطنة والخبث والإمكانات ما يجعلها توظف أي لحظة ضعف جنوبية وتصنع منها قوس وسهم مصوب إلى كبد القضية.
 
هناك أمران على أبناء الجنوب مواجهتهما بحكمة وعقل منفتح: الأول يتمثل في إيجاد آلية مقنعة لضمان قيام ائتلاف سياسي حقيقي قابل للحياة تشترك فيه كافة الاطياف الوطنية التي تمثل تطلعات شعب الجنوب.. والثاني يتمثل في الخطاب السياسي الذي يستوعب خصوصيات المرحلة الحالية والتحالفات الضرورية... وأعتقد أن هناك وعي كبير وادراك للواقع الآن لا يخفى على أحد، فحتى طوب الأرض الجنوبي يفهم في السياسة.
 
مع كل المخاوف الناجمة عن تجارب سابقة نعتقد بأن هناك أمل كبير في أن تلتقط القوى الجنوبية هذه اللحظة التاريخية الفاصلة وتذهب إلى حيث يجب أن تكون.. أي أنها لحظة إما أن نأخذها نحن إلى حيث نريد أو أنها ستضعنا في مكان لا نستطيع الخروج منه. الجنوب يحتاج إلى وعاء صلب ومتماسك يمتلك كافة القدرات الضرورية ويكتسب ثقة الشعب والناس أجمعين.. وآخر ما يحتاجه الجنوب هي الجسور الظرفية العائمة فوق المياه المضطربة

الأكثر قراءة

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر