تبقى على الاستحقاق الرئاسي أقل من شهرين وتوشك أقصى درجات الإثارة السياسية على الحضور من خلال المناظرة بين المرشحين دونالد ترامب وهيلاري كلينتون، ولعل النظرة الأولى للشخصيتين تتوقف عند الخلفية التي يعود كل منهما، فالمرشح الجمهوري ترامب يأتي من عالم التجارة والمال بينما تمثل مرشحة الحزب الديمقراطي كلينتون المؤسسة السياسية الأمريكية، هذا الإفراز المبدئي يعطي تصورات متضادة ودقيقة حول فرص الوصول إلى البيت الأبيض من كلا الطرفين المتسابقين.
من الأهمية بمكان القراءة في أن المزاج الأمريكي نخبوياً يختلف عن ما تطلبه كثير من طبقات المجتمع في أمريكا، وهذا ما يدعونا لمعرفة مدى ما حصل عليه ترامب من أصوات داخل الحزب الجمهوري، فهناك شعور جامح أن ترامب يمثل «التغيير» الحقيقي المنشود أمريكياً، فالشخصية التي يتهمها خصومها بأنها عنصرية تجد لها مكاناً شاغراً عند الأمريكيين الذين يطلبون التغيير، في المقابل فأن هيلاري تمتلك أيضاً هذه الشحنة نحو التغيير فهي أول مرشحة لرئاسة الولايات المتحدة كأنثى، وهذا ما يلازم الأمريكيين دائماً من خلال رغبتهم في كسر (التابوهات) وتحقيق رغبتهم في التغيير.
سيترقب العالم باهتمام مناظرة (ترامب وهيلاري) أكثر من الأمريكيين فهي أيضاً تضع لهم إجابات حول مدى ما سيذهب إليه المرشحان في السياسة الخارجية القادمة، وقد تجد عند الذين يعيشون خارج أمريكا قراءات واحتمالات تتجاوز الأزمات الدولية في الشرق الأوسط إضافة إلى التباطؤ في النمو الاقتصادي العالمي، ولهذا فإن مشاعر الذعر قد تصبح ظاهرة عالمية خاصة وأن مخاوف واسعة تجتاح العالم من وصول ترامب للرئاسة.
في المقابل فإن السيدة هيلاري عليها أن تلوم نفسها على تلك الحواجز التي صنعتها لتخفي حقيقة مرضها، وإن كان هذا يعود إلى (غريزتها) الطبيعية المألوفة عنها فلقد عرفها الأمريكيون في فترة فضيحة زوجها بيل وعلاقته العابرة، كانت كتومّة جداً وعرفت كيف تتمالك مشاعرها أمام الرأي العام العالمي، ومع هذا فإن الحملة المضادة أصبحت تتهم هيلاري بأنها تخفي ما هو أكثر من الالتهاب الرئوي وأنها تعاني مرض باركنسون أو الزهايمر في إشارة إلى ما أفرزته التحقيقات الفيدرالية معها.
الضغط السياسي الهائل يقع حالياً على هيلاري من مختلف الجوانب غير أن حملة ترامب وهي تتحفز للمنازلة في المناظرة الرئاسية خاصة بما يمتلكه ترامب من (القُبح) وبذاءة اللسان الذي سيكون كاسحاً في مواجهتما أمام الشعب الأمريكي، وفي استطلاع للرأي أظهر أن أكثر من نصف المؤيدين للمرشج ترامب هم عنصريون، وهذا ما يمكن أن يفسر مرة أخرى ما يمتلك ترامب من رصيد بين الناخبين.
الهاجس المخيف من وصول ترامب للرئاسة تسببت فيه هيلاري بإخفائها مرضها، وهو الذي أضاف لترامب نقاطاً جعلته يصل إلى التساوي معها، فالمطالبة بإشهار السجل الطبي للمرشحين هي شكل غير مألوف في الأعراف الأمريكية التقليدية برغم أن عديد من رؤساء الولايات المتحدة كانوا مصابين بأمراض خطيرة ولم يحدث كل هذا السجال الذي تسبب به مرض هيلاري، وعلى كل حال فإن التضاد بين الجمهوريين والديمقراطيين سيحمل للعالم تغييراً مطلوباً خارج الولايات المتحدة في ظل أزمات تقتضي قرارات حاسمة لتخفيفها أو إنهائها.
*الجزيرة السعودية