قراءة أولية لقرار البنك المركزي في بيع العملة الأجنبية

قراءة أولية لقرار البنك المركزي في بيع العملة الأجنبية

قبل 8 سنوات

مساعد القطيبي مرت أشهر كثيرة والسوق المحلية تعاني من عجز كبير في العرض النقدي للعملة المحلية (الريال) وهذا ما أسهم في تعميق أزمة السيولة النقدية لدى المتعاملين بها (أفراد ومؤسسات) حتى بلغت حداً لا يستهان به، وهو ما دفع بالعديد من البنوك المحلية إلى تحديد سقوف مالية عليا لعمليات السحب التي يقوم بها عملائها، بل وصل الحال ببعض البنوك المحلية في بعض الأوقات إلى توقيف عمليات السحب تلك نظراً لعدم توفر سيولةكافية لمواجهة طلبات عملائها.

أسباب تفاقم هذه الأزمة وتصاعدها بشكل سلبي كثيرة ومتنوعة ولا يتسع المقام هنا لتوضيحها، إلا أنه يمكننا القول أن هذه الأسباب كانت كفيلة باتخاذ قرار نقل البنك المركزي إلى عدن، واستبشر الكثير خيراً بهذا القرار، ورغم أننا ما زلنا في وقت قد لا يسمح لنا بتقييم عملية نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن إلا أنه يمكن لنا أن نتوقع مآلات ذلك القرار ولو على المدى القصير.

بشكل عام كان قرار نقل البنك المركزي إلى عدن خطوة جبارة أقدمت عليها حكومة الشرعية رغم تأخرها كثيرا، إلا أن أخشى ما نخشاه أن يكون ذلك القرار غير مدروس بشكل كافي وبما يضمن ولو بشكل نسبي من عدم تفاقم الأزمة الاقتصادية التي أضحت الخطر الأكبر الذي يواجه السكان في المحافظات المحررة... المؤشرات اليوم تبين أن ثمة إجراءات عشوائية قد رافقت عملية نقل البنك من صنعاء إلى عدن، ويتضح ذلك جلياً من خلال ما تم الإعلان عنه مؤخراً عن قيام البنك المركزي في عدن ببيع كمية من احتياطاته النقدية من العملة الأجنبية (الدولار) للسوق المحلية بغرض الحصول على إيرادات من العملة المحلية تمكّنه من تلبية النفقات الخاصة بالمرتبات والأجور في مختلف الأجهزة والمرافق الحكومية. وأستغرب كثيراً حين أرى من يذهب ليؤيد هذا القرار بل ويعتبر ذلك نوعاً من إجراءات السياسة النقدية التي تهدف إلى إحداث استقرار نقدي أو اقتصادي للبلد.!!

أي سياسة تلك التي عمد البنك المركزي إلى استخدامها؟ وهل يعلم أولئك أن السوق المحلي يعاني اليوم من عجزٍ كبير في العرض النقدي والذي ينعكس في شكل أزمة سيولة من النقد المحلي وليس من فائض كما يعتقده البعض ؟ وهل يعلم أولئك إلى أن قيام البنك المركزي ببيع تلك العملة من النقد الأجنبي سيعمل على سحب كميات من النقد المحلي (الريال) والذي في الأساس يعاني من عجز كبير؟ ألا يعني ذلك أن البنك المركزي بإجرائه هذا سيضاعف من أزمة السيولة في السوق المحلية؟ وحتى أن كان ذلك بغرض تمويل مرتبات موظفي الدولة والتي يفترض أنها ستعاد وفقا لمبدأ الدورة المالية إلى تلك المؤسسات المصرفية، ولكن المشكلة التي ستواجهها مؤسسات الصرافة هي إحجام الناس (أفراد ومؤسسات) عن إيداع تلك الأموال لدى المؤسسات المصرفية بسبب تخوفهم من استمرار هذه الأزمة مما يعني أن كمية كبيرة من النقد المحلي الذي سيقوم البنك المركزي بسحبه من السوق المحلية لإعادة ضخه مرة أخرى في صورة مرتبات وأجور سيتسرب خارج نطاق الدورة المالية وخارج إطار المؤسسات المصرفية وهذا قد يضاعف من حدة أزمة السيولة. وفرضاً قبلنا أن هذا الإجراء لن يؤثر سلباً على مشكلة السيولة، فكيف سيؤثر ذلك على حجم الاحتياطي النقدي للبنك المركزي؟ وكيف سينعكس ذلك على كثير من التعاملات الاقتصادية والتجارية في الداخل والخارج؟ وهنا يحق لي أن اسأل من ذهب ليؤيد إجراء البنك المركزي هذا: هل تعلمون كم هو حجم الاحتياطي النقدي للبنك المركزي في عدن؟ وهل هو عند المستوى الذي يستطيع على الأقل من تغطية الواردات السلعية (من القمح والدقيق وغيرها) لأشهر مستقبلية محددة؟ وهل تعلمون أن وارادتنا من السلع الأساسية على وجه الخصوص مرتبطة بتوفر حجم الاحتياطي النقدي الذي يستطيع تغطية تلك الواردات؟!! ..

فكم هو ذلك الاحتياطي إذا؟؟ ثم أليس من الأولى لكم أن تسألوا البنك المركزي عن كمية العملة الأجنبية التي سيتم بيعها للسوق المحلية قبل أن تعتبروا ذلك إجراءا صحيحا؟ وهل هو بالحد الذي لا يشكل خطرا على حجم الاحتياطيات النقدية للبنك المركزي؟ أليس الأولى أن تعرفوا بعض من هذه المعلومات قبل أن تذهبوا لتأييد إجراءات البنك المركزي القاضية ببيع كمية من الاحتياطيات النقدية من العملات الأجنبية؟ والغريب أيضا أن البعض اعتبر أن هذا الإجراء جاء بغرض الحد من تدهور قيمة العملة المحلية - المتدهورة أصلاً.. وهنا نقول أن ذلك الإجراء قد يعد صحيحا من حيث كونه سيساهم في الحد من تدهور قيمة العملة المحلية ولكن ذلك الإجراء لن يؤتى أكله ما لم يكن مصحوباً بمصفوفة إصلاحات اقتصادية كبيرة تساهم في تحسين بنية هيكل الاقتصاد الوطني بالشكل الذي يساهم في تنمية الصادرات المحلية وتقليل الاعتماد على الواردات السلعية والتشجيع على الاستثمار في المجالات الإنتاجية المختلفة، عدا ذلك فأن هذا الإجراء لا يعدو عن كونه مسكناً لوقت محدد ما أن ينتهي مفعوله حتى تعود أعراض المشكلة من جديد، والأسوأ من هذا أن عودة المشكلة ستكون بشكل مضاعف وذلك لكون الاجراء الذي تم اتخاذه مؤخراً سيزيد من حدة المشكلة بسبب الأثر السلبي لتناقص حجم الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية التي لدى البنك المركزي ما لم يتم تعويض ذلك الاحتياطي بشكل كافٍ وبصورة عاجلة، خصوصاً إذا ما علمنا أن هذا الاحتياطي قد تجاوز بشكل سلبي كل مستويات الخطر. هكذا نبدي تخوفنا تجاه القرار الأخير الذي أقدم عليه البنك المركزي في عدن إلا أن خوفنا الأكثر هو من وجود لوبي فساد من نوع آخر في مؤسسة "البنك المركزي" كما هو الحال عليه في كثير من مؤسسات الدولة هنا في عدن وباقي المحافظات المحررة والتي كل همها هو إفشال عمل تلك المؤسسات وتعميق الأزمات الإقتصادية والخدمية التي يعاني منها أبناء المحافظات المحررة وعلى وجه الخصوص المحافظات الجنوبية منها... ما يدرينا لعل هناك من يدفع بقيادة البنك المركزي نحو اتخاذ مثل هذه القرارات التي نعتبر أن نتائجها قد تكون كارثية مالم يتم تداركها. ولذلك نقول أنه يجب أن تكون حكومة الشرعية حذرة بشكل جيد قبل أن تقع الفأس في الرأس وان تعمل بكل ما من شأنه أن يكون قرار نقل البنك المركزي إلى عدن قرارا ناجحا.

الأكثر قراءة

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر