قبل أيام انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي صورة لمسلحين يطلقون النار من رشاشاتهمم على البجع في محمية الطيور في المملاح بخور مكسر !!
بعدها بأيام أرسل لي صديق وفنان تشكيلي خبرا ان مسلحين باشروا الإستيلاء يوم الأحد 7 اكتوبر الحالي على أحواض في الجهة الشرقية للمملاح ، ووزعوها الى قطاعات خاصة بينهم دون ان تحرك الجهات الرسمية ساكنا !!
وكنت أشعر بغصة تملأ حلقي ، وبحزن عميق يمزق قلبي وأنا أرى تلك الصورة ، وأقرأ ذلك الخبر . وأخذت أتساءل : هل هؤلاء فعلا بشر مثلنا ، أم جاءوا من كوكب آخر ؟!! هل ينتمون الى حضارة القرن الواحد والعشرين أم إلى همجية لا علاقة لها بالإنسانية ، والرأفة ، والقيم ، والأخلاق ؟؟!!
بحثت عن صفة تليق بهم ، فلم أجد . عندما تنزع قيم ومكارم الأخلاق عن هؤلاء وأمثالهم من ناهبي الأراضي ، وقاتلي الطيور وإبادة البيئة ، وسحق الإنسان في عدن ، يمكن أن يكونوا أي شيء الا أن يكونوا بشرا !
سألت نفسي : ماذا يريد هؤلاء من المدينة ؟
الذي أعرفه ان المدينة تؤنسن الناس .. تهذب روحهم وغلظة قلوبهم ، لهذا هاجر النبي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) بدينه ومن آمن معه من أذى قريش وغلظة قلوبهم من مكة، إلى رحاب المدينة وسماحة قلوبهم . واستقبلوه بالدفوف ونشيد طلع البدر علينا من ثنيات الوداع ..مرحبا أيها المبعوث فينا مرحبا ياخير داع ” في حين كان يقدفه صبية الطائف بالحجارة ، وسفهاء مكة بزرع الشوك في طريقه ، وتعذيب ضعفاء من آمنوا معه ، وبفرض الحصار الجائر عليه وعلى بني هاشم . وقبلها أمر نفرا من المؤمنين الهجرة الى نجاشي الحبشة الذي لايظلم عنده أحد .
ونقل معاوية عاصمة ملكه الى دمشق ومنها اسس لإمبراطورية اسلامية عظمى وصلت الى حدود الاندلس .
ومثله فعل العباسيون فنقلوا عاصمة ملكهم الى بغداد واسسوا ملكا عضاضً .
ذات زمن آخر بعيد نقلت الملكة أروى بنت أحمدالصليحية عاصمة ملكها الى إب حيث المجتمع زراعي ومسالم فحيثما مدت بصرها لم تكن ترى الا رجلا يحمل جرة عسل أوصفيحة سمن ، بدلامن السلاح في صنعاء . وحتى الإمام احمد مع كل قسوته وغلظة قلبه وظلمه الشديد لرعيته نقل عاصمته وإقامته من صنعاء الى تعز هربا من القبائل .
هؤلاء الذين ينهبون الأراضي في عدن ، وبالذات أراضي المحميات الطبيعية ، والمنتزهات ، والمتنفسات تفصلهم بين المدينة والحضارة الآف السنوات الضوئية ولايرون في عدن سوى النهب والإثراء السريع بأي ثمن ، ولايمكن أن يتعلموا منها قيم المدنية والحضارة والحداثة والتنوير ، واحترام القانون مثلما كان يفعل أسلافهم .. عندما كان هناك دولة تفرض هيبتها واحترامها على الجميع .. بينهم وبين كل ذلك مناعة ضد الفهم !! لايجرؤ أي واحد منهم أن يفعل ذلك في قريته ومنطقته لأنه يعرف أنه سيقتل فورا ، وان حياته هناك أرخص من ثمن الرصاصة التي ستطلق على رأسه !!
هنا في عدن يمثل دور الأسد والبطل ، وهناك في منطقته التي جاء منها ليس سوى نعامة !! لا يشعر بأي إنتماء الى عدن ، إلى المدينة ، خاصة حين يشعر أنه أقوى من الدولة ، أولاوجود لها ، يتصرف بمنطق القوة طالما يملك السلاح ولايجد من يردعه ! كل ما يربطه بعدن هو قطعة الإرض التي يغتصبها ، والوظيفة التي تدر عليه الدخل ، هي بالنسبة له مجرد جدار ، يبث خلفه كل المخلفات والمتخلفات التي جاء بها من قريته ، وبدل أن يتمدن وتؤثر فيه روح المدينة ، ينفث سمومه فيها ويحولها إلى قفر وخراب !! وغابة سلاح البقاء فيها للأقوى !!
مامن مدينة في الدنيا الا ولها متنفساتها . ولعدن متنفساتها .. أوكان لها ، شأنها شأن أية مدينة قبل أن تزحف حمى الإستيلاء عليهابقًًوة السلاح ضمن ماأستولًوا عليه ولايزالون من أراضي عدن !
ومامن مكان يسعد الناس مثلما تسحرهم المتنفسات .. الحدائق والمساحات الخضراء ، الشواطيء والبحار والمسابح ،الأندية والملاعب الرياضية ، المحميات الطبيعية ، والفضاءات المفتوحة الى آخر مدى التي يخرجون إليها هربا من جدران وحر بيوتهم وأحيائهم . وقد حرص الانجليز حين خططوا لعدن وأحيائها على هذه الخاصية التي يعتدي عليها اليوم من قبل من يفترض فيهم أن يحافظوا عليها !!
دافع اهل وسكان عدن بقدر استطاعتهم عن متنفساتهم وأراضيهم ، لكنهم كانوا يجدون في وجههم في كل مرة قوة غاشمة ، تكون أحيانا مجموعات مسلحة يصعب الوقوف في وجهها ، وأحيانا بطش وغطرسة الدولة . أوجماعات مال ونفوذ تستولي عن طريق المال والرشوة والفساد على ماتريد !
ياالهي .. إلى أين يذهب الناس في عدن بدون متنفسات ؟!
الى أين يذهبون في مدينة شديدة الحرارة ؟ .. شديدة الرطوبة .. محصورة بين الجبال والبحر ؟! وحتى البحر يتم ردمه كل يوم وسرقته ؟!! مرة بحجة التطوير وإقامة مشاريع ، ومرات بقوة السلاح والنهب الذي لايتوقف عند حد !
وحتى الجبال يتم الزحف والاستيلاء
والبناء العشوائي عليها .
عندما كنت طفلا ، كنت أعرف الى أين أذهب ، وإلى أين يذهب الناس في عدن . أو بالأحرى كان أبي يعرف ، ويكفيني مشقة البحث والسؤال . طفلا كنت . والأطفال ، في الغالب يذهبون مع آبائهم حيث يذهبون ولا يسألون .
كان ثم أماكن كان أبي يأخذنا إليها أنا وأمي وأخوتي . بستان الكمسري ، وحديقة عبد المجيد للحيوان في الشيخ عثمان . وميدان الهوكي وسباق الخيل في خور مكسر . وصهاريج الطويلة ، ومسبح حقات في كريتر . ودور السينما وهي كثيرة في عدن وفي كل مدينة . أما الأندية والمنتزهات البحرية فقد تعرفت إليها بعد أن صرت شابا ويسمح لي بدخولها .
وثم أماكن فاتنة تراها في طريقك من الشيخ عثمان الى كريتر أوالعكس ، تبهج القلب والروح وتريح النفس متاحة في كل وقت ، فائقة الجمال لاتدفع رسوما لتراها ، فهي من صنع الخالق المبدع ولمسة الإنسان الساحرة . وأعني بها المملاح في خور مكسر …
وكانت تقع على طريقي أراها ويراها كل الناس ، وأستمتع بمنظرها الأخاذ ، كلما ذهبت الى كريتر مع أبي أو أخي محفوظ أوحين العودة منها إلى الشيخ عثمان .
كان المملاح بعكس ماهوعليه حاله اليوم ، يتمتع بجمال فائق . وسحر أخاذ . وكان مبعث هذا السحر البحر ، على جانبي الجسر ، وطواحين الهواء ! وطيور البلشوى والبجع ، وغيرها من الطيور البحرية الجميلة .
كان منظر البحر ، وهياكل الطواحين العملاقة ، وأصواتها في الليل عندما يديرها الهواء ، والتي يسمعها بعض سكان الشيخ عثمان ،كما أخبرني صديق عمري ابن الشيخ أديب قاسم ، يثير في نفوس السكان مشاعر وأحاسيس آسرة ، ويتخيلون صوت ماء البحر الجاري في أحواض الملح مع دوران الطواحين دون أن يعرفوا الهندسة التي يقوم عليها هذا العمل الذي يحول ماء البحر الى ملح !
ذات قرن .. ذات عدن .. ذات زمن من العام 1886م جاءت شركة إيطالية ، و أنشأت الجهة الشرقية من المملاح في خور مكسر ، الأحواض ، والقنوات والجسور ، وطواحين الهواء التي تعمل بالطاقة المتجددة من الرياح .
وذات قرن آخر ، في ذات ال عدن من عام 1908جاءت شركة هندية وأسست شركةالملح الهندية – العدنية . تبلغ مساحةالمملاح : ( 493, 582 ) هكتار . منها ( 288,611 ) هكتارا مسطحات مائية . لهذا تثير هذه المساحة الشاسعة التي تقع في موقع استراتيجي هام شهية لصوص الأراضي القادمين من خلف جبال التخلف الأزلية !!
لست معنيا هنا بتاريخ صناعة الملح ، ولا بكيفية وطرق صناعته ، ولا بجودته ، ولا طرق تصديره ، ولا كمية المنتج منه ، والعائد التجاري . هذا كله لايهمني الآن ، بقدر مايهمني المملاح كمعلم من معالم عدن السياحية والتاريخية الذي فقدناه والذي ظل قائما حتى سنة 1973 م حين قامت شركة صينية بتطويره وأزدادت انتاجيته من 25 ألف طن إلى 150120 طن ، لكنها بكل أسف وعن جهل يالقيمة التاريخية للمملاح ، أزالت طواحين الهواء التي كانت تشكل معلما من معالم المدينة ولايوجد لها مثيل في الوطن العربي ، الا نواعير حماة في سورية ، لكنها شيء آخر !
اتذكر انني كتبت في صحيفة ( ١٤ أكتوبر ) عندما أزيلت الطواحين ، عن فداحة ازالة “أثر ” تاريخي بتلك الأهمية ، لكن ذلك لم يثر الإهتمام الذي كنت أتوقعه . ازالة طواحين المملاح كان أشبه بنسف بوابة عدن التاريخية ، مع فارق وحيد هو ان البوابة ازيلت على يد الانجليز .. والطواحين ازيلت على يد الحكومة الوطنية ! مع اتفاق الطرفين على الحجة وهي ان تلك الإزالة كانت من أجل التطوير ! مع انه كان يمكن القيام بعملية التطوير تلك وفي نفس الوقت الحفاظ على المعلمين .. بوابة عدن ، وطواحين الهواء في خور مكسر .!! يذكرني هذا بالحماقة التي ارتكبها محافظ حضرموت في المكلا بعد الإستقلال حين هدم سدة المكلا ، والجابية !! مع فارق وحيد انه فعل ذلك تحت مبرر ازالة اثر من آثار السلاطين . والحمد لله انه لم يزل قصر السلطان القعيطي . وذلك يحسب له ، كما يحسب عليه هدم السدة والجابية !!
الذي أبدى إهتماما بما كتبت ، لم تكن الحكومة ، ولا المثقفين ، ولا وزارة الثقافة والسياحة ، بل كان الأستاذ المؤرخ والباحث عبدالله محيرز . وكان يومها يشغل منصب المدير العام لهيئة الأثار والمتاحف ، ومقرها مبنى المجلس التشريعي سابقا في كريتر .
اتصل بي هاتفيا بعدفترة من نشر مقالي ودعاني للقاء في مكتبه الذي لم يكن يبعد كثيرا عن مبنى الجريدة . ذهبت اليه مشيا على الأقدام ،. قطعت شارع الملك سليمان ، عند تقاطع البنوك، وصعدت تلك التبة التي يقع عليها مبنى الهيئة . وحين دخلت مكتبه نهض لإستقبالي رغم فارق السن بيني وبينه . لكنه كان نموذجا للعالم المتواضع ، والإنسان الخلوق ككل أبناء عدن . وشعرت خلال وقت قصير انني أعرفه منذ زمن بعيد .
قال لي :
– قرأت ماكتبته حول ازالة طواحين المملاح . أنا معك بأن هذا خطأ جسيم ماكان ينبغي أن يتم . كان من الممكن تطوير المملاح اذا كان الهدف اقتصاديا بحتا ، مع الإبقاء على طواحين الهواء في نفس الوقت .
وأضاف :
للأسف ، كنت مسافرا حين تم إزالتها ، ولوكنت موجودا لدافعت عن بقائها بوصفها احد معالم عدن السياحية والتاريخية … وماكنت سمحت بازالتها .! على الأقل كنت سأبقي على واحدة .
وهنا أبدى لي ملاحظته بصورة عابرة ، قال لي ان طواحين المملاح تعتبر من المعالم وليست اثرا من الآثار كما ذكرت في عمودك الصحفي .
هكذا كان الأستاذ محيرز حتى في نقده رقيق الحاشية ، لطيفا ، وموجها ، وتربويا .
سبق السيف العذل كما يقال . وازيلت الطواحين . وفقدت عدن معلما تاريخيا نادرا في غمضة عين . وبدل الطواحين والشفرات العملاقة لم يعد يرى الناس سوى احواض واكوام الملح . لكن ظلت منطقة المملاح باقية كمورد اقتصادي وكمحمية طبيعية لعدد من النباتات والطيور النادرة ، وكمتنفس طبيعي للسكان .
زاد الإنتاج نعم .! لكن فقدنا الروح والبهاء وجزء من تاريخ ومعالم المدينة الذي يعود إلى عام 1886 .. ولاشيء أقسى من أن يفقد الناس معالم مدينتهم التي تعودالى القرن التاسع عشر . الأمر أشبه بأن احدا ينتزع منك حياتك ويسلخ جلدك بقسوة جزار أعمى !!
ثمة خواص أخرى للمملاح غير خاصية انتاج الملح ، وغير المنظر البهي واللوحة الرائعة الذي كانت ترسمه طواحين الهواء الذي فقدناه .. وفوق هذافموقع المملاح يعتبر متنفسا طبيعيا للبحر عند ارتفاع المد الربيعي، وتشكل الأحواض والمسطحات البحرية مناطق حضانة وتكاثر لعدد كبير من الكائنات البحرية ، وفي نفس الوقت محمية طبيعية لعدد من الطيور المحلية والمهاجرة خاصة في فصل الشتاء .
ميزة أوخاصية أخرى للمملاح ، هي التنوع الحيوي الطبيعي ، حيث تستوطنه مجموعة من النباتات التي تتحمل الملوحة الشديدة للتربة مثل : الاثل ، المسكيت ، العصل ، الشحر ، الخسع ، النمص ، السعدة . لكن هذا الغطاء النباتي يتعرض للتدهور بكل أسف حسبما تشير الدراسات بسبب التدخل والاعتداءات البشرية على المحمية .
كما ان المملاح يشكل محمية وبيئة طبيعية تجتذب عددا من الطيور في فصل الشتاء حيث تهاجر من المناطق الباردة الى دفء عدن في هذا الموسم . مثل طيور البلشون ، النحام الصغير ، النحام الكبير ، البجع ، او الفالمنجو .
يذكرني صديقي وتؤم روحي أديب قاسم ان الأوربيين حين يأتون الى عدن ويرون طيور البجع الرشيقة في المملاح يدهشون لوجودها . وفي احد المرات سأله سائح أوربي عن اسم تلك الطيور الجميلة فأخبره :
– الفلمنجو ..
استغرب وقال مدهوشا :
– نفس اسمه عندنا ؟!
أجابه :
– نعم . لأنها تأتي من عندكم .. من أوروبا هربا من صقيع الشتاء الى دفء عدن . وهي لاتخطيء طريقها الطويل هذا ، بل تهتدي إليه عبر بوصلة ربانية خص الله بها الى موطنها الشتوي في بحيرات المملاح في عدن .
وحكى لي صديقي د . عمر عبدالعزيز أنه اصطحب معه ذات مساء صديقا الى مسرح ” البلشوي ” في موسكو لمشاهدة باليه ” بحيرة البجع ” من تأليف العبقري تشايكوفوسكي ، ومن اللحظة التي بدأ فيها الباليه ظل يسأله بين الحين والآخر الى إن انتهى : رعه .. وينها أم بجع ياعمر خوي ؟!!
الشعراء هم أكثر الناس حساسية وشعورا بالجمال . ذات يوم التقيت بالشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف في موسكو ، قادما من عدن ، حيث كان يرأس مجلة ( المسار ) الصادرة عن دار الهمداني ، وهو صديق عزيز ، وانسان رقيق ، تعرفت اليه في عدن . وصرنا أصدقاء ، وقد جرنا الحديث ونحن على ضفاف نهر موسكو إلى عدن التي جاء اليها هاربا مع عراقيين كثيرين من حكم البعث العراقي أيام صدام حسين . وكان مأخوذا بجمال عدن ، وبحر عدن . أخذ يحدثني عن جمال منظر البحر في خور مكسر وانت تقطع الجسر في طريقك إلى الشيخ عثمان فتسحر بمنظر البحر عن يمينك وعن شمالك . منظر كما قال لي لم يره في أي مكان .
أعرف نقطة ضعف العراقيين تجاه البحر . فقد حرمت الجغرافيا بلادهم من البحر . وليس للعراق منفذ بحري ولهذا ليس لديهم اسطول بحري ، وهذا احد نفاط ضعفهم كدولة اقليمية كبيرة . والأساطيل البحرية من أهم نقاط القوة لأية دولة تريد أن تبني لها نفوذا وحضورا عسكريا في منطقتها . وأعتقد ان أحد أسباب محاولة عبد الكريم قاسم احتلال الكويت عام 1963 كان هاجس الحصول على منفذ عبر البحر ،لولا ان الزعيم جمال عبد الناصر تدخل ومنع تلك المغامرة . وكذلك احتلال صدام حسين للكويت عام 1990م كان الدافع من ورائه – ضمن عوامل أخرى – هاجس الحصول على منفذ بحري يجعل منها دولة اقليمية كبرى حاضرا ، أكثر منه الأطماع بنفط الكويت ، فلدى العراق نفط يفوق نفط الكويت بكثير . وقد حاول العراق استئيجار جزيرتى بوبيان وورية من الكويت لكن الحكومة الكويتية رفضت ذلك .
كما حاول العراق في عهد الرئيس احمد حسن البكر الحصول من اليمن الديمقراطية في السبعينات على قاعدة بحرية في جزيرة سقطرى ، وقدم عروضا مغرية مقابل ذلك ، لكن الرئيس سالم ربيع علي ، رفض ذلك بشدة ، وعرض عليهم قاعدة في بئر علي لكن العراقيين رفضوا لأن عينهم كانت على جزيرة سقطرى !!
كنا نضحك مستغربين عندما يسألنا العراقيون في القاهرة ، أوموسكو حين يعلمون اننا من عدن :
– آكووو عندكوو بحر !!!
ولم تزل دهشتنا الا حين علمنا ان العراق ليس لديه بحر .. وان حلم العراقي أن يكون عنده بحر .. لهذا فإن البحر أول مايسأل عنه العراقي ، ويجتذبه البحر أكثر من أي شيء آخر !! ومع ذلك فإن اعظم الحضارات في العالم القديم قامت على ضفاف الأنهار ، الحضارة المصرية القديمة ، أو الفرعونية . والحضارة الصينية العظيمة . والحضارة الهندية . بما في ذلك حضارة الرافدين في العراق : السومرية ، والبابلية ، والأشورية .
كان أبي رحمه الله ، يذهب للإصطياد في شاطىء خور مكسر ، على ضفة الجسر كل صباح ، ويعود قبيل الظهر بحصيلة مااصطاده من سمك . وفي الغالب لم تكن كثيرة ، عدة سمكات صغيرة ، لكنها كانت كافية لغذائنا .. المهم انه سمك طازج ، وأرحم من ذلك السمك المجمد الذي يباع في السوق والذي يقف عليه يالطوابير من صباحية ربنا .. بعد أن حصرت الدولة اصطياد السمك وبيعه على الدولة والتعاونيات السمكية ، وحرمت الصيادين الفرديين من الإصطياد خاصة بعد تنفيذ ماسمي حينها بانتفاضات الصيادين والاستيلاء على وسائل الانتاج التي لم تكن الا قوارب خشبية صغيرة بالية وشباك صيد !! وكانت النتيجة أن الناس حرموامن أكل السمك الطازج ، في بلد محاط بالبحر ، وتمتد شواطئه نحو. كيلو ٢٠٠٠متر !! من شواطيء عمران في عدن حتى نشطون في المهرة على حدود عمان . وتأتي أساطيل الإصطياد من اليابان ومن الاتحاد السوفيتي وتجرف تلك الثروة الهائلة من الأسماك بطرق جائرة وتذهب بها إلى بلادها ويحرم منها ابن البلد !
كان المرحوم عمر الجاوي يقف على شرفة اتحاد الأدباء في مبناه القديم في التواهي خلف شركة البرق واللاسلكي ويلقي بنظره الى آخر مدى ذلك الأزرق الشاسع ويتنهد ويقول بحسرة :
كل هذا البحر حقنا … لكن لانستطيع أن نصطاد فيه سمكة واحدة !!!
نخشى ياعزيزي عمر أن يأتي يوم نسأل فيه مثل العراقيين :
آكوووو بحر في عدن ؟!!