بين موقف المجلس الانتقالي وغضب الشارع منه!!! الاثنين 15 أكتوبر 2018 11:08 ص أ.د. فضل الربيعي عملية اتخاذ القرارات عملية فنية وذهنية في آن واحد .. إن التعاطي مع السياسة غير إنتاج السياسة، مثلما هو صنع الحدث يختلف عن السير مع الحدث أو بعده، لذا فان معطيات التجاوب مع الفعل السياسي اليوم تحتاج إلى قدرُ وافي من الاحترافيه والوضوح والمرونة والتعُقل فضلا عن توفر المعلومة .
يمكن القول ان التطورات الراهنة في الحياة السياسية على الصعيدين العالمي والاقليمي باتت تتصف بالتعقيد والتشابك والتداخل، كما تعبر عنها كثير من معطيات الواقع وحركة التفاعل بين مختلف الأطراف الداخلية والخارجية، إذ يصعب اليوم فصل القضايا في الساحتين عن بعضها وتظهر لنا بأشكال متكررة ومستنسخة مهما كانت مسافة التباعد المكاني أوالزمني بينهما فهي مترابطة معا، مشمولة بالنظرة الكونية للمصالح العالمية، فلا يستطيع طرف ان يسير بها بمفردة هذا هو الواقع المعطا اليوم . قد يقول قائل أن تأجيل إعلان اتخاذ القرارات الواضحة من قبل المجلس الانتقالي للبدء في تنفيذ خطه عملية على أرض الواقع وفقا لبيانه الصادر في 3 أكتوبر هو تراجع وفشل؟؟ في لغة العامة أو في حسابات الرأي العام يجوز ذلك - مع انني اتفهم ذلك واعرف إن هذا القول تقف خلفه الروح وطنية مخلصة- لكن في لغة السياسي والسياسة سوف نجده غير هذا الطرح، وربما ذلك هو فن بلوغ الفعل السياس محتواه المرجو .
وعليه يمكن القول إن إتخاذ القرار اليوم في إطار المنظومة السياسية للمجلس الانتقالي الجنوبي لم يكن قرار شخصي أو ردود افعال أو نزوات تتخذها العاطفه والحماسه ؛ بل هي قرارات ومواقف تستوعب كل المتغيرات والتعقيدات مبنيه على المعلومة التي تشكل أساس توجه القرار من حيث اختيار الزمن والمكان ومراجعتهما والتريث، إذ تشكل المعلومة الدقيقة مرتكز أساس في صناعة القرار، فاذا ما قرر الفرد منّا التوجه إلى نقطة معينه وهو كامل الجهوزية للسير في مسلك الطريق، إلاّ ان معلومات أستجدت تبلغه بأهمية التآني فانه لازما عليه التوقف ريثما يستوضح أكثر لنجاح قراره او يبحث عن بدائل أخرى . نستطيع القول أن بيان 3 أكتوبر هو حصيلة تراكم سياسي ومثّل خارطة طريق واضحة المعالم للخروج من الأزمات التي أنهكت شعبنا ووصلته إلى حد المجاعة. كما اعتقد ان القيادة كانت تحسب كل الخطوات التي ستتبعها، وليكون 13 أكتوبر كما فهمت هو ميعاد إعلان الحضور على الأرض.
إلاّ أن ما جرى ويجري في دهاليز السياسة واروقتها لدى القوى والأطراف التي تتجاذبها الأزمة اليمنية، ولاسيما ثلاثي الحقد على الجنوب ( الحوثي / الإصلاح/ الشرعية) المعاديين لمشروع تحرير الجنوب والذين جعلوا من المجلس الانتقالي عدوهم الأول رغم ما يبدوا من تباين بين بعضهم، إلاّ أنهم مجتمعين عند نقطة عداوتهم للانتقالي ونعمل حجم ذلك الحقد الذي جعل من الخونشريه يمررون اساليبهم المخادعه للتحالف الداعم لهم .
كانت الورقة التي رما بها الانتقالي في دهاليز المطابخ السياسية قد أظهرت بوضوح تلك المواقف وبينت مؤشرات مهمة تستدعي النظر بمدى معرفة كيفية الاستمرار في توثيق العلاقات مع قوى التحالف العربي اولا التي جسدتها المواقف المشترك في الخنادق القتال. إذ استطاع المجلس الانتقالي وفي وقت وجيز من 3 إلى 13 أكتوبر ان يفهم عمق التحديات التي ممكن ان يبني عليها خطوات عملية تعيد النظر في استراتيجيات عمله السياسي .. لقد اثبت الانتقالي حرصة الشديد على عدم إراقة دماء الاخوة في الجنوب من خلال أهمية ومصداقية المعلومات التي توفرت لديه لدرجة بانها كانت كفيله في اتخاذ القرار بالتاجيل أي موقف وهو قرار أهم من قرار البدء -ذاته - في تنفيذ خطة ما جاء به بيان 3 أكتوبر لاسيما وأن الساحة مفتوحة على مصراعيها لعبث كثير من القوى وفي مقدمتهم قوى التطرف التي تمتلك القدرة في انتهازية التواجد في اجواء الصراعات وهي لا تختلف عن تلك القوى التي ظلت داعمه لها من ثلاثي العدوان وهم( الحوثي وشرعية الفساد والاخوان).
وعلينا أن نعلم بان نقل الصراع إلى الداخل الجنوبي كان وما زال هدف واضح لتلك القوى منذ 26 سبتمبر 2014م وما قبل هذا التاريخ وما تلاه من خطوات مثل تهريب الرئيس هادي إلى عدن وعودته للحكم بعد تقديمه للاستقالة، ثم محاولة خلق الصرعات الجنوبية وتنفيذ عدد من العمليات الارهابية وخلال سنوات الحرب كان الثلاثي يخطط لخلق حرب أهلية جنوبية جنوبية، وهنا ربما تخيل لهم ان بيان 3 أكتوبر قد يمثل مدخلا لاقدامهم على ذلك وهذا ما اكدته تلك التغريدات التي نشرها البعض من المنتسبين لشرعية الاخوان والتي تحمل في طياتها بذور تلك المؤشرات.
لم يكن الانتقالي بعيدا عن متابعته وقراءته لكل تلك المعطيات والمعلومات واستحضاره لدروس الصراعات السابقة التي يلعب عليها اعداء الجنوب، ولم يكن امام الانتقالي إلاّ ان يمنع تفجير الموقف من الداخل الجنوبي وهو المخطط الذي يبحث عنه الفاشلين في الحرب على أمل ان يوفر لهم مخرج من الورطات التي اوقعتهم في هذه الحرب ... ثلاث خطوات سياسية اتبعها الانتقالي في هذا الموقف : 1. ان هذه اللحظة وما رافقها من ضغوطات خارجية جعلت الانتقالي ان يجمع كل تلك المعطيات ويوازيها مع المصلحة العليا لشعب الجنوب، ممثلة في احترام دماء الناس بوصفها قمة العمل الوطني و العمل السياسي الناجح. 2- اتخاذ أسلوب الصمت ، وهو جائز ومبرر في العمل السياسي، بل يُعد واحدا من اساليب أداء المواقف السياسية في بعض الحالات. 3. ان عملية اتخاذ القرار هي عملية فنية وذهنية في آن واحد فمعرفتهم بالمعلومات الدقيقة دفعتهم في التفكير في اتخاذ البدائل في الاوقات المناسبة وهو ما جعل المجلس في حالة انعقاد دائم