لم يتوقف الحديث عن المرجعيات الثلاث مع كل حلقة نقاش أو جلسة حوار أو نشرة إخبارية أو مقابلة تليفيزيونية أو صحفية، خصوصا مع أنصار الرئيس عبد ربه منصور هادي، وحلفائه. الحديث عن المرجعيات الثلاث كالحق الذي يراد به باطل، وكما يعلم الجميع فإن تلك المرجعيات لم تأت لتحل المشاكل اليمنية بتعقيداتها وتشعباتها المختلفة وتجاعيدها وتضاعيفها المتعددة، بقدرما جاءت لتضع حلاً لمشكليتين محددتين تحديدا واضحا، الأولى هي الثورة الشبابية السلمية وما أوقعت فيها نظام علي عبد الله صالح من مآزق كثيرة قادته إلى ارتكاب جرائم سافرة ضد البشرية وجرائم حرب، (بعد أن، ظل يرتكب تلك الجرائم بأقنعة ومبررات مختلفة وأحيانا بتقييدها ضد مجهول) وهو ما دفعه إلى ابتكار المبادرة الخليجية التي يعلم الجميع أنها لم تُصنَّع إلا في قصر الستين وكان الأشقاء الخليجيون مجرد وسطاء نقلوها من القصر إلى مقرات الأحزاب، أما المشكلة الثانية فهي الانقلاب الحوثي الذي أدى إلى إسقاط الدولة (المفترضة) واحتلال العاصمة والاستحواذ على الجيش (المفترض) واجتياح البلد وإشعال الحرب المدمرة والتسبب في قتل عشرات الآلاف من الضحايا من المدنيين والعسكريين، بما فيهم النساء والأطفال والعجزة، وهي الأرقام التي لا يجرؤ الطرفان المتحاربان على إعلانها لأنها ستفوق كل الأرقام التي أنتجتها الحروب اليمنية منذ ثلاثينات في القرن الماضي. وهكذا يتضح أنه لا مكان للقضية الجنوبية في تلك المرجعيات ولا أفكار توجد فيها بشأن هذه القضية المفصلية التي قالوا ذات يوم بأنها مفتاح الحل لكل مشاكل اليمن، واتضح أنهم يقصدون أن (وأد) القضية الجنوبية هو المفتاح الذي يعنونه.
وحتى لا نتهم بالنكران الكامل للجهود التي بذلت من قبل بعض الأطراف الجادة أثناء ما عرف بــ”الحوار الوطني” خلال العام 2012م يجب أن نشير إلى بعض المحاولات التي بذلها الطيبون من أبناء الجنوب ومعهم قلة قليلة لا تذكر من الأشقاء الشماليين، وبالذات ما تضمنته وثيقة “النقاط الواحد والعشرين” والآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية التي كان للمبعوث الدولي جمال بن عمر مساهمة تستحق الذكر في إنضاجها، لكن كل هذه الجهود كانت أقل من مستوى تطلعات الجنوبيين، وكما يتذكر الجميع فقد ماتت كل تلك المحاولات بمجرد إنهاء جلسات الحوار والولادة المشوهة لجنين الأقاليم الستة الخدج الذي لم يصمد على قيد الحياة بل لم يعرف الحياة حينما تسبب في الحرب المدمرة التي نعيش اليوم كل مآسيها. ولذلك نقول للسادة المتغزلين بالمرجعيات الثلاث: تغنوا بها كما يحلو لكم وتمسكوا بها كما تشاؤون وشخصيا سأدعم التمسك بها من أجل عودة الرئيس الشرعي الفريق عبد ربه منصور هادي إلى صنعاء واستعادة الدولة المخطوفة من أيدي المليشيات، لكن لا تحاولوا أن تقنعونا أن هذه المرجعيات تتضمن شيئا يخص القضية الجنوبية.
القضية الجنوبية تعود في جوهرها ومضمونها وجذورها إلى الخطيئة التاريخية التي جرت ليلة 29 نوفمبر 1989م وما تلاها من تداعيات على الجنوب وتاريخه وأجياله اللاحقة، ولذلك فإن حلها يكمن ببساطة في إلغاء هذه الخطوة وكل ما ترتب عليها من مآسي وتداعيات كارثية بدءً بتسليم الأرض والعاصمة والثروة والسكان والموارد لعصابات السلب والنهب وانتهاء بجريمة الحرب في 1994م وما تلاها من تدمير ممنهج للدولة والأنسان والمؤسسات والمنشآت والقيم والأخلاقيات والخدمات والتربية والأمن والأمان والعدل والقضاء وكل ما له علاقة بحياة الناس, فلا تتعبوا أنفسكم في محاولة إقناعنا بأن من يتحكمون في صناعة القرارات (الشرعية) اليوم، ويتطلعون إلى التحكم فيها غداً سيختلفون عن أستاذهم ومعلمهم وشريكهم ومربيهم وكبيرهم الذي علمهم الفساد والعبث والتزييف والخداع والنهب والسطو والسلب والافتراء، بل لقد فاقوه حينما قدم رقبته لألد خصومه ونجحوا في الهروب بوسائل يعلمها القاصي والداني.