أكتب هذا المنشور في ظل تسريبات متعددة ومتناقضة تتعلق بالوضع الصحي للرئيس المشير عبدربه منصور هادي ومعظمها صادرة من مطابخ تابعة للطاقم العامل معه في مؤسسة الرئاسة، وشخصيا كنت قد قلت مراراً إنه وبغض النظر عن ملاحظاتنا على أداء وسياسات الرئيس هادي فإننا لا يمكننا إلا أن نتمنى له موفور الصحة والسعادة حتى نتمكن معه من التغلب على تحديات المرحلة التي ورثها من سلفه ويصر أنصاره على الحفاظ عليها لأغراض تخصهم وهذا ليس مقام الحديث عنها، وعلى رأس تلك التحديات القضية الجنوبية، وما سنكتبه هنا ينطلق من فرضية أن الرئيس هادي يتمتع بكامل المؤهلات الجسدية والذهنية الكافية لإنجازه المهام المناطة به في هذه المرحلة الحرجة.
يحظى الرئيس هادي بفرص كثيرة تمكنه من لعب دور أكثر حسماً وأكبر وزناً وفاعليةً في توجيه دفة الأمور بالاتجاه الذي يمكن أن يعزز من شرعيته ويمكنه من الإمساك بصناعة القرار والتحرر من ضغوط مراكز القوى التي ما يزال الكثير من أفرادها وجماعاتها يعتبرون الرئيس عبارة عن ضيف يجب أن يمتثل لأصول الضيافة، انطلاقا من حجة "نحن من جاء بك إلى هذا المنصب".
التحالف الحالي المهيمن على صناعة القرار الرئاسي ليس تحالفاً متجانساً، فلكل طرف فيه أجندته الخاصة (الخفية غالباً والمعلنة أحياناً قليلة) لكنهم جميعا يستظلون بشرعية الرئيس هادي وينظمون المدائح فيها لغاية في نفوسهم يعلمها الجميع.
تلعب ثنائية الجنوب والشمال دورها المحوري في صناعة التحالفات والصراعات المحيطة بمؤسسة الرئاسة والداخلة فيها، وقد شهدت حلبات مؤتمر صنعاء للحوار الوطني تمظهراً جلياً لا يمكن أن تشوبه شائبة وقد سمعنا جميعا الضجيج والضجيج المضاد عن تخصيص نسبة الخمسين في المائة للجنوب في كل مؤسسات صناعة القرار وسمعنا زملاء كثر من ساسة الشمال يتشاكون ويتباكون : أين حصتنا نحن الشماليين؟ ولمن سنذهب؟ في مناحة على جلد النمر الضائع في متاهات الغابات الشائكة.
كانت تلك المقاربة بمثابة وصفة معطوبة ومغشوشة لا تصلح لمعالجة الحالة المرضية القائمة، فالجنوب لم يثر التعديل نسبته في السلطة ولا حتى لجعل منصب الرئيس أو رئيس الوزراء أو كليهما أو حتى كل الحكومة لشخصيات جنوبية، بقدرما ثار وقدم آلاف الشهداء وأضعافهم من الجرحى والمعوقين والمفقودين من أجل رفع الظلم الواقع عليه بعد غزوة 1994م وما تركته من آثار مدمرة ما تزال قائمة وستستدعي عقوداً طويلةً من الزمن لمعالجتها، ومن هنا فإن حكاية الخمسين % أو أي نسبة أكبر أو أقل لا يمكن أن تصلح لمعالجة الحالة وقد شاهدنا كيف أن أغلب هذه النسبة كانت أكثر طغياناً وفساداً وعدائيةً للجنوب من غزاة 94 الشماليين أنفسهم، وما بن دغر والميسري وبن حبتور وهشام شرف إلا نماذج لتلك النسبة الزائفة.
وعودة إلى تحالفات الرئيس هادي نشير هنا إلى إن فخامته يقيم تحالفاته على الرهان المفترض أن من يمدحونه ويتحدثون عن عبقريته ودهائه السياسي ومنجزاته النادرة، سيوصلونه إلى صنعاء ثانيةً وسيعيدونه زعيماً لكل اليمن، وهو رهان لا يوجد من المعطيات معطىً واحدٌ يدل على صوابيته، كما إن المتغيرات النفسية والثقافية والسيسيولوجية التي صنعتها الحرب وعبث القوى السياسية، تجعل هذا الرهان في قائمة الخيارات المستبعدة بل والمستحيلة، فلا خصوم الرئيس وهم غالبية الشماليين يرحبون به بعد أن انقلبوا عليه وحبسوه وهو رئيس منتخب ولا حلفاؤه الذين كانوا على وشك الرحيل إلى طهران بعد سقوط صنعا سيثبتون على موقفهم المادح والمتملق له بعد أي تسوية مرتقبة ولن يصمد معه ويؤازره ويحمية من أي انقلابات قادمة إلا الجنوب والجنوبيين، وقد برهنوا ذلك خلال العام 2015م عندما احتضنوه حينما تخلى عنه من انتخبوه ودافعوا عنه حينما ناصبه العداء اقرب المقربين، وأعادوه إلى العاصمة عدن حينما طردته كل مدن الشمال.
وهذا ما سنتناوله في وقفة قادمة إن شاء الله.
_______
* من صفحة الكاتب على فيس بوك.