كثرت التسريبات عن الوضع الصحي للرئيس اليمني المشير عبدربه منصور هادي وكثيرة منها صادر عن أدعياء يقولون أنهم من أنصاره لكنهم يرددون بابتهاج الأنباء التي تروج لوضعه الصحي الحرج.
وكان آخرها ما تسرب عن أن الرجل فارق الحياة وإن جثمانه مسجى، في أحد المستشفيات الأمريكية، تحت التكتم الشديد من قبل السلطات الأمريكية قبل اليمنية، وأن أمر إعلان وفاته سيظل مرهوناً بتوافقات سياسية حول "ما بعد هادي" وهذا يتصل بالتوافق على البديل لهادي وبديل للنائب وما يتصل بذلك مما يتفق على ترتيبه غير اليمنيين وما على الأخيرين إلّا القبول بتلك الترتيبات.
الذين يسيل لعابهم لـ"ما بعد هادي" كُثُر وفي مقدمتهم الكثير من حلفائه الذين طالما تغزلوا بشرعيته وحصدوا المليارات من وراء هذا الغزل لكن قلة قليلة هي من تأخذ الأمور من منطلق إنقاذ البلد (بجنوبها وشمالها) من الوضع الكارثي الذي وصلت إليه وما يتوقعه المراقبون من كوارث منتظرة.
كنا مراراً قد عبرنا عن تمنياتنا للرئيس بالصحة والسعادة وتحقيق نجاحات جادة في إخراج الجنوب والشمال على السواء مما ورثه من سلفه من كوارث ومآسي، لكن الرئيسَ بشرٌ ويسري علي ما يسري على كل البشر من ثنائيات الحياة والموت، والصحة والمرض، الصواب والخطأ.
وفي حال صدقت التسريات الأخيرة عن الوضع الصحي للرئيس هادي، فإن المعضلة التي يقف أمامها ساسة اليمن مركبة ومعقدة.
وأول تعقيداتها تكمن في أن الرئيس هادي منتخب، ومن المستحيل استبداله برئيس منتخب ، حتى ولو وفق الدستور القائم، نظرا لاستحالة إجراء انتخابات في ظل الوضع الراهن لليمن، ولو شكلية كما جرى في 2012م.
وثانيها أن الورثة المحتملين لهادي بموجب الدستور أو بدونه ليسوا ذوي سمعة على ما يرام حتى في الشمال ناهيك عن الجنوب ومن بينهم أسماء موضوعة على قوائم الإرهاب الدولي، وأخرى مرتبطة بجرائم ضد الإنسانية وقضايا فساد لم تفتح ملفاتها بعد.
وثالث هذه التعقيدات ان المتلهفين لوراثة هادي قادمون من مشارب متعددة ومتناقضة وبينهم من الثارات، أكثر مما بينهم من الاتفاقات، ولو وقع الاختيار على أحدهم فإن البقية لن يتورعوا عن إعلان الحرب عليه.
ورابع التعقيدات يكمن في ان المؤهلين الشرفاء لتولي مهمة الرئيس أو نائب رئيس في بلد كاليمن يزهدون في البحث عن هذا المنصب المقيت ولا يتنافس عليه إلا المصلحيين والفاسدين كي لا اقول أصحاب التاريخ الملوث بدماء الشرفاء ونهب المال العام والثروة الوطنية والعابثين السياسيين بأكثر من نصف قرن من تاريخ البلد.
وآخر وأعقد التعقيدات ما يتعلق بالقضية الجنوبية، فلقد خسر الرئيس هادي كثيراً من رصيده وسمعته وشعبيته وجماهيريته في الجنوب بسبب اتخاذه موقف متخاذل من مطالب الشعب الجنوبي رغم أنه كثيراً ما حاول تسويق بعض التعابير الزئبقية عن مظلومية الجنوب وادعائه محاولة إنصافه، أما الورثة المفترضون (مع استثناءات ضئيلة جداً) فإنهم لا يرون في الجنوب إلا غنيمة حرب يجب أن تبقى على حالها إلى الأبد، ويرون نهاية التاريخ في ما بعد 7/7/1994م وأي مساس بهذه الحالة هو خيانة لـ (تاريخهم المقدس) .
وقديما قال الشاعر العربي:
ستبدي لك الأيامُ ما كنتَ جاهلاً
ويأتيكَ بالأخبارِ منْ لمْ تزوّدِ
______
* من صفحة الكاتب على فيس بوك