الأمين برس

2024-11-23 00:00:00

الحل الدولي والواقع السياسي

كتابات
2019-03-20 03:05:02

صحيح أن الحلول الدولية في الغالب لا تكون منصفة للشعوب، لكن لابد للقرارات التي يتخذها الشعب وقيادته بالقدر التي تتمتع بها من استقلالية يجب أن تتمتع ببعد نظر وألّا تكون في منأى عن المحيطين الإقليمي والدولي، ولذا فلدينا هنا نقطتين هامتين:

الأولى: وهي القوى في الجنوب والقوى في شمال اليمن، كما نعلم جميعاً فأن القوى في الشمال تعاني من خلافات كبيرة ومارسوا ضد بعضهم البعض عنف وانتهاكات إنسانية وقبلية مخزية، إلا أنهم تجاه قضية الجنوب لديهم موقف واحد ومعادِ للجنوبيين، على النقيض بالنسبة لنا كقوى جنوبية فهدفنا واحد إلا أننا لا ندّخر جهداً في إبراز الاختلافات في رؤانا، وننبري لبعضنا لتقويض الآخر، ظناً منا بأن إضعاف الطرف الآخر هو مصدر قوة للبقية وهذا ليس صحيحا وإنما فرصة لخصومنا الحقيقيين لإنهاكنا وتشتيتنا؛ شخصياً لست ضد تعدد القوى السياسية أو إنشاء أحزاب أو تكتلات، لكني لست مع المغالاة في الخصومة أو التمترس خلف المواقف أو حتى الاعتقاد بأن التطوع لطرح حلول لا تتناسب مع الواقع أو مع طريقة تفكير القوى السياسية في الشمال قد يؤدي إلى التفوق السياسي لتلك الأطراف أو أنها ستكون الشريك الأمثل لتمثيل القضية الجنوبية وشعب الجنوب.

أن يكون هدفك مُعلناً شيء، وأن تبادر بطرح حلول شيء آخر، تُطرح رؤاك للحلول على طاولة المفاوضات، وحتى على تلك الطاولة لا تقبل العرض الأول، لكن لا يجوز أن تبدأ بطرحها والطرف الآخر لا يقبل الجلوس معك؛ صحيح أن من المفيد أن تظهر للجميع بأنك مرن ولكن لا يعني ذلك أن تتطوع فالمسألة ليست عمل خيري.

 

مع ذلك المبادرات الشخصية تُحترم ومن حق أي أحد أن يبادر ويطرحها قبل جلوس كل الأطراف مع بعضها، فهي في الأخير غير مُلزمة ولن يلحق بالمبادر الضرر، لكن أطراف النزاع، التسرع يترتب عليه تبعات كبيرة.

لذلك في العملية السياسية يجب الانطلاق من خطة مرسومة بدقة من قيادة تعتمد على عمل مؤسسي منظم لتنفيذ تلك الخطة، ويجب علينا أن نعي بأن العمل السياسي لديه أدوات وآليات مثلما للعمل الثوري من أدوات وآليات مختلفة، فلذلك لا يجوز أن تُستخدم أدواته وآلياته في العمل السياسي وإلا فسد وفشل، إن ما أنهكنا قبل حرب ٢٠١٥م هو الخلط في الاستخدام، فأثناء العمل الثوري بدأت بعض القوى باستخدام الأدوات والآليات السياسية ما أدى إلى تعدد الكيانات والمكونات، وهذا درس يجب أن نتعلم منه ونستفيد.

نحن اليوم في مرحلة جديدة يجب أن يتلاءم عملنا مع هذه المرحلة، أصبحنا اليوم نمتلك أوراق كثيرة وقوية يجب أن نحسن استخدامها فكل منها لها ثمن تم دفعه بالغالي والنفيس.

 

الثانية: وهي الحلول التي تطرحها أو تقترحها الأمم المتحدة، من إيقاف للحرب وتسليم السلاح، ومن ثم البدء بعملية سلام شامل، عندما نأتي نسقط ذلك على أرض الواقع يحدث الصدام والتعثر، لكن العمل بالتوازي بين عملية السلام الشامل وبين إيقاف الحرب قد يمثل ذلك بداية أفضل للوصول إلى نتائج عملية، ولتحقيق تلك النتائج لابد من وجود كل الأطراف الفاعلة سواء من شمال اليمن أو من الجنوب الذي بات فيه المجلس الانتقالي الجنوبي موجوداً ويتمتع بنفوذ وتأييد واسعين، صحيح أنه ليس الوحيد لكنه الأكثر تنظيماً مؤسسياً واعتمد على الكوادر والنُخب الجنوبية وأطلق يدها لتبدع وتؤسس وتبني، ويحافظ على التعددية والتنوع، والمجلس الانتقالي لم يدّعي بأنه الوحيد، وإلا ما كان دعا اللواء/ عيدروس قاسم الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي القوى الجنوبية الأُخرى للحوار وصرّح بأن من لن يأتي سيذهب إليه.

 

اما بالنسبة لمسألة تسليم السلاح ففي اعتقادي قد تُحل تدريجياً وتلقائياً حال الوصول إلى حل سياسي وتحقيق السلام الشامل والبدء بترسيخ دولة النظام والقانون، فحال وجود الدولة القوية الباسطة على أراضيها والمستقرة سياسياً سيسهل عليها نزع السلاح، ويجب أن نضع في حساباتنا طبيعة وثقافة المجتمع في الشمال، أما الجنوب فشعبه تواق للدولة المدنية التي يسود فيها القانون، ولديّ قناعة بأنه سيخطو بخطى سريعة وثابتة نحو الاستقرار السياسي وترسيخ الدولة؛ أما التمسك والتشبث بمسألة تسليم السلاح لجهة وطنية أو متوافق عليها فاعتقد أن ذلك محاولة للعرقلة وليس للحل لسببين:

 

-       هذه الجهة " الوطنية " ما المعيار لوطنيتها، فالحوثيين يدّعون بأنهم هم الوطنيين، والشرعية تدّعي الشيء ذاته وكذا القوى السياسية والعسكرية والقبلية الشمالية، وحتى جهة متوافق عليها، كيف سيتوفر التوافق بين طرف قوي مسيطر على العاصمة والأرض وأطراف أضعف، إن لم يكن للطرف الأقوى الغلبة والسيطرة على تلك الجهة " المتوافق " عليها.

-       امتلاك السلاح والسيطرة على مخزون يكفي سنوات من الحرب، تلك من أهم الأوراق التي يمتلكها الحوثي أو أي طرف يمتلكها، فأي منطق وأي سياسي عاقل قد يقبل التخلي عن واحدة من أقوى أوراقه وأدواته التي يحافظ بها على انتصاره وتفوقه على الأطراف الأُخرى؛ كما أن عملية تسليم السلاح عملية قد يطول أمدها لسنوات حتى وإن تم الاتفاق على ذلك، فعملية تبادل " قوائم " أسماء للقتلى والأسرى مر عليها عدة أشهر منذ بدء عملية التفاوض، فكيف بالسلاح الثقيل المكدس في البيوت والخنادق والجبال والذي يُعتبر من الممتلكات الشخصية للفرد والقبيلة، هذا قبل الانتقال إلى السلاح الذي يمتلكه ما كان يُطلق عليه جيش أو ما كان يُطلق عليها دولة.

 

أتفق مع من سيقول إنه قد يختلف الأمر إن وجد توافق دولي على حل معين، لكن ذلك لا يعني أن المعطيات على أرض الواقع ستكون خارج حسابات تلك الدول، فلذلك إما أن تتوفر أسباب لتحقيق أهدافنا وإما أن نصنع أسباب لتحقيق ذلك.

 

في الأخير فأن القوى السياسية والعسكرية والقبلية الشمالية تُحضّر نفسها لحرب قادمة، فهي تحافظ على جنودها وتُخزن أكبر قدر من العتاد والعُدة وتكتنز الأموال التي تبتزها من الأشقاء وتختلسها من قوت الشعب.

لذلك نستطيع أن نحدد أولوياتنا ونركز على خصومنا الحقيقيين ونؤخر الاختلافات في وجهات النظر المتباينة والطرائق المتبعة منعاً للصراع فيما بيننا البين، وتشويه كل منا للآخر في محاولة للسيطرة على نتائج الهدف الذي لم يتحقق بعد، والذي يتطلب منا وضع مصلحة الجنوب فوق كل الاعتبارات لتحقيق هذا الهدف الوطني لشعبنا الجنوبي العظيم.

  كُتب بواسطة : وضاح مطهر السقلدي - ارشيف الكاتب

https://alameenpress.info/index.php/news/11571
You for Information technology