خارج النوايا .. عندما تُوصِل الرسالة عكس ما يقول مُرسلها:
ملاحظات على صياغة (بيان مؤتمر حضرموت الجامع) عن نهب النفط:
بلا مقدمات، يبدو لي أن :
١- خطاب البيان ذو دلالات مهينة لحضرموت، يكشف عن خلفية ذات استعداد للمساومة، وتوصل رسائل ضعف على عكس ما يتلفظ به البيان من مفردات القوة. فمن يطلع على البيان لن يصل إليه أن لحضرموت تاريخاً في مقاومة احتلال ٩٤ وأدواته منذ وقت مبكر ، وقدمت تضحيات متعددة شهداء، وجرحى، و معتقلين، ومهمشين... إلخ، لمقاومة ليس نهب النفط فقط، وإنما استلاب القرار والسلطة والثروة، والإفقار والتجهيل الممنهجين، وصناعة الأتباع من مرتزقة السياسة ونخاسيها الذين يمارس بقاياهم اللعب بالوكالة، تحت يافطة فضفاضة.
٢- بداية البيان هشة فهو يشير إلى وقت (تعلو فيه الأصوات عالياً) لماذا؟ (لوقف نزيف الاهدار والنهب للثروة النفطية)!!
أي أن من يقفون خلف البيان يهدفون فقط لوقف نزيف الإهدار والنهب بالصوت فقط. والإهدار والنهب مجرد نزف، أو رعاف، وليس (سيطرة على القرار والثروة!! ).
٣- ويشير البيان إلى من يسميهم (النافذين) الذين استمرؤوا (عبثهم) (بصورة مستمرة وتحد سافر لتضحيات أبناء حضرموت)!! توصيف (النافذين) من أدبيات معارضة نظام عفاش التي أثبت الحوثي هشاشتها، وهاهو في صنعاء لم يبق من (النافذين) مدلوفاً واحداً، ومسح بنفوذهم الأرض صاغرين! فمادام في حضرموت من لا يزال يرى ويعطي توصيف قيمة لأولئك فيسميهم نافذين فستظل نوافذهم وأبوابهم مفتوحة في الخشعة وسيئون والمكلا، ومادام توصيف الشعب في حضرموت لا يتعدى مسمى (أبناء حضرموت)!!! أي أننا مجرد (أهالي) فإن أتفه متنفذ ممن دخل الحوثي غرف نومهم سيتعامل مع حثالات من أولئك الأهالي لتبقى مصالحه (وكل طعام بغشرها). أما توصيف (أبناء حضرموت) الذي توشحت به عناصر القاعدة عند سيطرتها على المكلا، فهو توصيف مهين سياسياً لحضرموت وشعبها ولا يخفي خلفيته القبلية السطحية التي تجاوزها الزمن المدني.
٤- وبتعبير يراد به قلب الوجه ورد في البيان أن( عودة استقبال شركة بترومسيلة صهاريج احد النافذين محملة بالنفط الخام .. أمر لا ينبغي السكوت عليه). لم يذكر البيان ذلك(الأحد النافذين!! )، ولكن لماذا هز الجنبية في الجفير والبلد منهوبة ثرواته وسلطانه وقراره، و يعيش مواطنوه جحيماً بلا أدنى الخدمات الأساسية؟!
٥ - يرى البيان أن أولئك النافذين يهدفون إلى (تأزيم الأوضاع) و(خلق المزيد من المتاعب). طيب؟ والعمل؟ يقول البيان(مما يستدعي من الجميع الالتفاف)(لكبح هذا التحدي الذي يهدد ثروات أرضنا)(ولا يعطي أي اعتبار لتوجيهات رئيس الجمهورية حفظه الله بإعطاء الأولوية في التوظيف والمقاولات والنقل لأبناء المحافظة). من هم أولئك الجميع؟ وهل ما يحدث (تحدٍّ) (يهدد) الثروات؟ أما توجيهات الرئيس إياه التي لا يعطيها أولئك أي اعتبار ، فهي لا اعتبار لها كصاحبها الذي يبرئ البيان ساحته من أي مما يهدد حضرموت وما لحق بها من خراب ومازال، في صورة مستهجنة من صور النفاق السياسي الذي يطيل أمد استلاب القرار والسلطة والثروة، بالتعويل على كائن لا يدير محل إقامته.
٦ - ويضيف البيان أن (واقعة عودة صهاريج المتنفذين) (تكشف التعنت على الأضرار بالثروة وبمصالح أبناء حضرموت) (بتدبير وإيعاز من قوى لا تريد الخير لحضرموت، وأهلها) (وهو تصرف مرفوض وغير مقبول به)!! وللرد على ذلك فالبيان يؤكد: (نقول بصوت مسموع لا مكان في حضرموت لمن يريد الأضرار والعبث أو نهب ثرواتها) و(هذه التجاوزات لن يطول صمتنا عنها) و(على استعداد للتصدي لها والوقوف في وجهها بكل ما أوتينا من قوة) (بما في ذلك اللجوء إلى القضاء المحلي وحتى الدولي للحصول على تعويضات أثر هذه العمليات الجائرة العابثة للأرض و البيئة في حضرموت وهو حق كفلته الدساتير والتشريعات القانونية). وهذه طريقة ( زعم الفرزدق ...) التي عبرت التاريخ، ولم تصب (مربعاً) في مقتل.
٧- (وفي الختام) يقول البيان (فإن المصلحة، تقتضي أن يتحمل الجميع مسؤولياته قادة وافرادًا لوقف هذا الاستهتار ونزيف العبث بالثروة النفطية) (من خلال القيام بدور مساند للإجماع الحضرمي المتجسد في مقررات اللقاء التشاوري الموسع لقيادات وشخصيات حضرموت). ويعود البيان هنا إلى تأكيد توجه (كل الجهود للحفاظ على ثرواتنا وحمايتها من العابثين والناهبين)، من حيث لا يشعر أنه يتجاهل أن (الحفاظ والحماية) لن تتحققا إلا بتحرير حضرموت كاملةً قراراً أولاً وسلطةً وثروة. أما مطالبة العابثين من رئيس الجمهورية ومن حوله وأنت نازل فهي مساحة يلعب فيها عابثون محليون بالوكالة أو بدونها، و الخلاصة (من قلت رجاله صلّى) كما في المثل الحضرمي، أي أكثر من الدعاء على طريقة خاتمة البيان (حفظ الله حضرموت من كل شر وسوء).
٨ - لفك الاشتباك، ولضبط إيقاع المواقف المتصلة بالشعب وحاضره ومستقبله، فلعل من غير المنطقي أن يبقى التركيب (المزجي) بين الجامع والسلطة المحلية قيادياً، فهذه ازدواجية مهلكة، فهي تضعف الجامع والسلطة المحلية معاً لمصلحة النافذين، فما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، فما بالك إن كان الأمر متصلاً بالشأن السياسي العام؟