مع دخول عام 2020 بات «إخوان اليمن» يفرضون سيطرتهم على أجزاء متداخلة من الأراضي اليمنية، أجزاء واسعة من محافظات مأرب والجوف وتعز والبيضاء في محافظات الشمال خاضعة لهم ضمن توافقات مع «الحوثيين» إضافة إلى وادي حضرموت وتمكنهم في فرض سيطرتهم العسكرية على محافظتي شبوة وأبين الجنوبيتين.
ولدى «إخوان اليمن»، تحت عباءة «الشرعية» ما يتجاوز الربع مليون مقاتل تحت مسمى الجيش الوطني، ويمتلكون العتاد والمعسكرات، والأهم من ذلك أنهم يمتلكون القرار السياسي بعد اغتصابهم للسلطة السياسية بعد إسقاطهم لحكومة خالد بحاح في أبريل 2016، ومع كل ما فرضه التنظيم «الإخواني» من واقع سياسي وميداني تظل الاستراتيجية الأساسية في طور الاستكمال وفقاً للمخطط العام.
«الإخوان» في اليمن ليسوا كبقية فروع التنظيم في العالم، فمنذ ارتباطهم بمؤسس الجماعة في مصر حسن البنا عام 1929 كانوا جزءاً من السلطة من محاولتهم الأولى الانقلاب على الإمامة في اليمن 1948، وحتى تمكنهم من تقاسم السلطة منذ الانقلاب داخل البيت الزيْدي في 1962 وحصولهم على الجزء الذي منح «التنظيم الدولي للإخوان المسلمين» الحصة التي من خلالها لعب التنظيم دوراً محورياً تعزز بعد الوحدة اليمنية في 1990.
اتخذ «التنظيم الدولي للإخوان» من اليمن منذ «المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي» في الخرطوم 1991 قرارات حولت اليمن لمحطة إيواء للعائدين من حرب أفغانستان بعد أن حصل فرع «الإخوان» على الغطاء السياسي الكامل بعد تشكيل حزب «التجمع اليمني للإصلاح» بحسب ما ذكر ذلك مؤسس الحزب عبدالله حسين الأحمر في مذكراته، وسخر التنظيم الدولي كل ما يمتلك من أجل تمكين حزب «الإصلاح» في توظيف حرب صيف 1994 أيديولوجياً والاستثمار سياسياً في ما بعد انتهاء هذه الحرب.
«التنظيم الدولي للإخوان» يضع اليمن كملجأ آمن لقياداته وحتى أفكاره وثمة مخطط لم يتزحزح منذ مؤتمر الخرطوم 1991 بوضع عدن والمكلا تحت السيطرة لمسببات أهمها التواجد في مدخل باب المندب والإشراف على بحر العرب على اعتباره النقطة المشرفة على المحيط الهندي، هذه الاستراتيجية ظهرت في سنوات ما بعد غزو الجنوب عندما تحولت الممرات المائية لنقاط تهريب السلاح والمخدرات والعناصر الإرهابية ليس لليمن فقط بل لاستهداف المنطقة كما حدث من العمليات الإرهابية التي استهدفت أمن المملكة العربية السعودية من التسعينيات الميلادية، وحتى ما بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق عام 2003.
تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» ذراع من أذرع حزب «الإصلاح» لعب أدوراً رئيسة في اضطرابات المنطقة يدخل في مراحل الكمون كما هو الحال بعد «عاصفة الحزم» إثر ما قامت به القوات المسلحة الإماراتية من عمليات ضده، ومع ذلك الكمون يظهر في توقيتات يختارها الحزب كما حدث بعد أحداث عدن في أغسطس 2019 أو حتى ما بعد تحرير عدن في يوليو 2015 وفق مقتضيات المرحلة، كما أن حزب «الإصلاح» نفسه وبحسب التقاطعات الكبيرة بين القوى الإقليمية يتحرك في هكذا مجال فهو عندما شعر بأن المعادلة التي تم التوافق عليها بين قيادات التنظيم «الإخواني» في اجتماعات تركيا بحسب الوثائق، التي نشرتها «نيويورك تايمز» في نوفمبر 2019 شارك في عملية الغدر بقوات التحالف العربي في ضربة مأرب (سبتمبر 2015) خشية أن تحرير صنعاء من قبضة «الحوثيين» ينسف ما توافق عليه التنظيم مع القوى الإقليمية، التي اختارت اليمن ليكون المهدد لأمن السعودية في أعقاب إسقاط حكم «الإخوان» في مصر.
لتأكيد ذلك يجب استذكار موقف حزب «الإصلاح» عندما ساندت القوات الإماراتية ألوية العمالقة الجنوبية في عمليات تحرير الساحل الغربي اليمنية، تصاعدت الحملة الإعلامية المناهضة للإمارات وتموضعت قوات حزب «الإصلاح» في تعز ورفضت التحرك لمساندة القوات التي حررت مئات الكيلومترات حتى وصلت إلى مطار الحديدة، لم يكن ذلك التموضع من فراغ بل تكتيك مرسوم يهدف لعدم إتمام تحرير الحديدة، فهي تظل نقطة أخرى مطلوبة للتواجد التركي في جنوب البحر الأحمر لتعزيز القاعدة التركية المقابلة لها في الأراضي الصومالية.
سقط البشير في السودان، فسقط معه مخطط «الإخوان» في سواكن، تحول آخر في مشهد الصراع بين محوري الاعتدال العربي والشر التركي، وهو ما يضع «التنظيم الدولي» أمام متغيرات تتطلب معها تحريك أدوات أخرى في ليبيا التي بادر «الإخوان» فيها بطلب التدخل العسكري التركي في نطاق التضييق على مصر كهدف من أهداف القوى الإقليمية التي ومنذ بروزها في سبعينيات القرن العشرين ترى في أن القاهرة والرياض أهداف كبرى.
الواقع أن «إخوان اليمن» برغم ما تحقق لهم فإنهم لا يسيطرون على المنافذ البحرية الاستراتيجية الثلاثة (عدن والمكلا والحديدة) وهذه منافذ ستكون مفتوحة للصراعات تحت عناوين الاتفاقيات (استوكهولم والرياض)، والواقع أيضاً يقول إن فرع التنظيم في اليمن يمتلك من القوة العسكرية التي يمكنها تغيير التوازنات في المشهد اليمني وتحديداً في المحافظات الجنوبية، والأخطر أن العودة لقراءة مشهد 2011 مع هبوب رياح «الربيع العربي» تؤكد أن «الإخوان» عززوا مواقعهم وقد يتحركون متى ما شعروا بأنهم سيفقدون ولو القليل من مكاسبهم بتكرار ما فعله «سراج» ليبيا، فهل سينتظر محور الاعتدال العربي طعنة غادرة أخرى من «إخوان اليمن» أم أن الأمر يحتاج ضربة استباقية تقتل مخططاتهم وتسقط مشاريعهم كلها؟