في الأزمات التي تدخلت فيها تركيا بشكل مباشر، وبالتحديد في سوريا وليبيا، عمدت أنقرة على تنفيذ استراتيجية عسكرية تضمن اختراق قواتها لتلك البلدان، تمثلت في تفكيك المناطق العسكرية وإذكاء الخلافات بين المكونات المسيطرة على الوضع في تلك المناطق بما يمهد لدخول قواتها بسهولة من دون مشكلات كبيرة.
الخطة التركية تبدو إلى الآن ناجحة في الشمال السوري، وكذلك في العاصمة الليبية طرابلس، وإن كانت في الثانية ما زالت تتحسس خطواتها وترسل بالمليشيات الإرهابية لتقوم بنفس أدوارها هناك، ويبدو أن الارتكان على المليشيات أيضاً إرهاب تركي إيراني يحاول الدفع نحو مزيد من الحروب الأهلية والدمار الشامل في منطقة الشرق الأوسط.
إذا أردنا أن نطبق الاستراتيجية التركية في ليبيا وسوريا على الأوضاع الحالية في اليمن، فإنه من الواضح أن هناك بوادر لتنفيذ مثل هذه الخطط عبر الارتكان إلى مليشيات الإصلاح، الذي يتعاون بدوره مع العناصر الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران، ولعل ذلك ظهر واضحاً في جبهات القتال التي كان من المفترض أن تحررها قوات الجيش التي يسيطر عليها الإصلاح.
لكن بدلاً من ذلك كانت هناك عملية تفكيك ممنهجة للجبهات في الجوف ومأرب وصعدة، وتزامن الهجوم الحوثي على تلك الجبهات مع تجدد الدعوات التي أطلقها القيادي الإخواني الإرهابي حمود المخلافي لانسحاب المقاتلين من الحدود، بالإضافة إلى افتعال الاضطرابات داخل عدد من المعسكرات التابعة لقوات الجيش في صعدة بإيعاز من عناصر وقيادات إخوانية.
وهو ما أرجعه العديد من المراقبين إلى وجود رغبة إخوانية في اتجاه تفكيك مكونات الشرعية التي يدعمها التحالف العربي وإرباك استراتيجية مواجهة المشروع الإيراني في اليمن، وأن تلك التحركات جاءت كنتيجة مباشرة للدور التركي المتصاعد في الملف اليمني.
وتسعى تركيا من خلال تفكيك جبهات القتال مع المليشيات الحوثية إلى الانتهاء لعدم وجود قوة تكون لديها القدرة على التعامل مع الإرهاب الحوثي في ظل سيطرة المليشيات على عدد من محافظات الشمال، وبالتالي فإن ذلك يساعدها على إبرام العديد من الاتفاقات مع إيران لدعم دخولها كطرف فاعل في الأزمة اليمنية.
بالإضافة إلى أن أنقرة تدرك تماماً أن وجود عناصر مليشيات الإصلاح في جبهات الشمال سيؤدي مباشرة إلى انتهاء دورها في الجنوب، في وقت تحاول فيه أن تزج بهم في محافظات الجنوب، لتنفيذ توجهاتها الساعية للتواجد بشكل أكبر في الجنوب لأهداف سياسية ترتبط بإعادة تمكين الإخوان وتوجيه ضربات مباشرة نحو دول التحالف العربي، وبالتالي فإن الحل يكمن في تفكيك جبهات الشمال.
ولعل ذلك ما كشفت عنه تقارير إعلامية عدة تحدثت عن تجميع مئات المليشيات داخل المعسكر الممول قطريا في منطقة يفرس بتعز ومحاولة إظهارهم كمقاتلين منسحبين من جبهات صعدة على الحدود مع السعودية.
ابتزاز وتسليم مواقع حدودية
ولم يكتفِ حزب الإصلاح المخترق لحكومة الشرعية، بإفشاله وعرقلته مسار اتفاق الرياض الذي انقضت مدته الزمنية، بل تمادى الحزب الإخواني في علاقاته سيئة السمعة مع المليشيات الحوثية، وهو أمرٌ يمثل طعنة شديدة الغدر بالتحالف العربي.
ففي تمادٍ جديدٍ للعلاقات الحوثية والإخوانية، أقدم حزب الإصلاح على تسليم مواقع مهمة للمليشيات الحوثية على حدود المملكة العربية السعودية، مقابل صفقة يتسلم بموجبها أشخاصًا من أتباعه كانوا موقوفين ويحاكمون بتهمة تفجير مسجد "النهدين" في دار الرئاسة بصنعاء الذي وقع عام 2011م.
هذه الجريمة الإخوانية غير جديدة بأي حالٍ من الأحوال، فعلى مدار سنوات الحرب قامت المليشيات الإخوانية في كثيرٍ من الأحيان بتسليم مواقع مهمة للمليشيات الحوثية وتجميد جبهات أخرى، وهو ما كبَّد التحالف العربي تأخُّر حسم الحرب عسكريًّا.
واعتبرت المصادر، هذا العمل خيانةً أخرى واضحة من الإصلاح وموجهة لقوات التحالف العربي، بعد تلك التي أقدم عليها في شهر أكتوبر من العام الماضي 2019م، ومكنت المليشيات الحوثية من استعادة مساحة كبيرة من جبهة الملاحيظ، بمديرية الظاهر، جنوب غربي محافظة صعدة.
واستعادت المليشيات الحوثية، كثيرًا من المواقع والجبهات التي كانت تحت سيطرة حزب الإصلاح، تمت بموجب اتفاق بين الطرفين اللذين يلتقيان عند نقطة التفاهم والتعاون مع قطر ومخططاتها المشبوهة التي تستهدف دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية.
ويتزامن ذلك مع انقضاء المدة الزمنية لاتفاق الرياض الذي هدفت بنوده بشكل مباشر إلى ضبط بوصلة الحرب على المليشيات الحوثية بعدما حرّفها حزب الإصلاح طوال السنوات الماضية.
وإقدام حزب الإصلاح المخترق لحكومة الشرعية على عرقلة تنفيذ بنود اتفاق الرياض يمكن القول إنّه أمرٌ يخدم المليشيات الحوثية في المقام الأول، وهو أمرٌ لا يمكن يقبل به التحالف العربي.
وضاعف حزب الإصلاح من مخططه ضد التحالف بتسليمه للحوثيين مواقع محاذية للحدود السعودية، في خطوة يمكن القول إنّها تهدف إلى ابتزاز التحالف بقيادة المملكة، ضمن لعبة توازنات ينفذ فيه حزب الإصلاح الإخواني أجندة قطرية - تركية.
وفي سياقٍ غير بعيد، تحرص الأبواق الإعلامية الإخوانية في كثيرٍ من الأحيان على كيل المدح للمليشيات الحوثية، وآخرها هذه الممارسات ما أقدم عليه القيادي الإخواني محمد الحزمي الذي ظهر عبر قناة فضائية تبث من المملكة العربية السعودية، تغزل في الحوثيين، ليضيف مزيدًا من التأكيدات على العلاقات سيئة السمعة التي تجمع بين هذين الفصيلين.
وقال الإخواني الحزمي إنّ خلاف حزبه مع الحوثيين سياسيًّا فقط، وصرَّح: "خلافنا مع الحوثيين كان سياسيًّا قبل ٢٠١١ وأثناء الانتخابات دخل الشياطين ووسعوا بيننا الخلاف وأيضًا وسائل الإعلام الاجتماعية لها تأثير وفتنة بشق الصف بيننا".
ومواصلًا لحن المغازلة في الحوثيين، أضاف القيادي الإخواني: "نتمنى أن نقف أنا ومحمد البخيتي ونقول: تعال يا حوثي، تعال نتصالح نحن وأنت، ولكن متى ما شعر أن يعيد الدولة فليس عندنا حرب بينهم غبراء.. مرجعية الألم وحدتنا، مرجعية التشرد وحدتنا، مرجعية القتل الذي حدث لنا وحدتنا".
هذا الحديث المباشر من القيادي الإخواني ينضم إلى سلسلة طويلة من سبل التقارب بين الحوثيين والإخوان، التي كثرت في الفترة الماضية، لا سيّما بعد التوقيع على اتفاق الرياض في الخامس من نوفمبر الماضي، بين المجلس الانتقالي وحكومة الشرعية.
وفي الأسابيع الماضية، رفعت المليشيات الإخوانية من وتيرة تنسيقها مع المليشيات الحوثية على الجبهات، وأحدث سبل هذا التنسيق تجلّى في سحب المليشيات الحوثية معظم مقاتليها من جبهات تعز، وعزّزت بهم مواقعها في نهم شرفي صنعاء.
وبموجب الاتفاق بين المليشيات الحوثية وحزب الإصلاح الموقع في صنعاء العام الماضي، قامت مليشيا الحوثي بسحب أغلب مقاتليها من الجبهة الشرقية والشمالية لتعز وعززت بهم مواقعها في جبهة نهم بمحافظة صنعاء.
ومن بنود ذلك الاتفاق، تحويل المعركة نحو الحجرية ضد كتائب أبي العباس واللواء 35 مدرع وعدم مهاجمة الطرفين الحوثي والإصلاح لبعضهم البعض.
التنسيق الحوثي - الإخواني ظهر أيضًا في دور قطري، حيث تعمل الدوحة على تنفيذ مخططها الساعي إلى حماية وتقوية النفوذ الإخواني، ممثلًا في حزب الإصلاح، وذلك عبر سلسلة من التفاهمات تقودها مع المليشيات الحوثية، لتقوية التعاون والتنسيق فيما بينهم.
*الأمناء نت