توطئة
في اليمن تعجز كل مراكز دراسات العالم في استشراف الوضع السياسي المتحرك فيه ولن تستطع ان تضع اي تصور للمستقبل لان قوانين القياس فيه تختلف عن ما هو معمول على مستوى العالم ولهذا نجد الفشل في تقييم وضع اليمن من أطراف التدخل الإقليمي والدولي
اما القوم في اليمن فهم مدمنون لجلب الخارج اليهم في دعمهم لحل مشاكلهم الداخليه ابتداء من أمروا القيس مروراً بسيف بن ذي زن وغيرهم في كل العصور والتي تنتهي بسيطرة الأجنبي على زمام السلطة ولا زلنا نعاني من تلك العقدة حتى اليوم
لم يجف حبر قرارات مؤتمر الحوار الوطني حتى انقلبوا على بعضهم البعض رغم انهم قد توافقوا على معظم الخطوات مسبقاً وتحت إشراف دولي وإقليمي وزجوا بالرئيس التوافقي بالسجن وكل طاقم حكومته وبالذات الجنوبيين وأعادوا الوضع الى نقطة الصفر الى ما قبل عام 62 م وكأن شيىء لم يحدث خلال العقود الخمسة الماضية من تحولات ودون أخذ بالاعتبار لموقف القوى المحلية والإقليمية والدولية وكأنهم عايشين لوحدهم في هذا العالم وهكذا كانت بداية الرحلة التي أطاحت بالسلم والتوافق الاجتماعي والسياسي الهش وظهر للسطح بان هناك من قرر بان عاصمة اليمن أصبحت العاصمة الرابعه تحت سيطرة امبراطورية فارس الجديدة
وكان السباق على باب المندب ليتم ضمه الى مضيق هرمز ليطبق الخناق على جزيرة العرب والعالم
لم يخطر على بال المخطط لغزو الجنوب الثاني في مارس 2015 بانه سيواجه مقاومة شرسة منذ وطأت قدميه ارض الجنوب واعتقد بان المسرح القتالي أمامه مشّرع الأبواب ويعرف انه لن يواجه جيش منظم أمامه بل عناصر مسلحة متفرقة هنا وهناك لا تاثير لها وقد عمل طوال سنوات الوحده على تمزيق الجنوب وشرذمته بل وجه جهاز الاغتيالات خارج القانون ضد القيادات العسكرية والأمنية لإفراغ الجنوب من عقله العسكري ودرعه الواقي ولهذا كان مطمئن بان السيطره على عدن مسألة مفروغ منها حتى لو تعرض لمقاومة ستكون عرضية يمكن التعامل معها بكل ارتياح
ومن جانب اخر كانت نصائح قيادة الشرعية في الرياض بان لا يلتفت التحالف لما يجري من مقاومة في الجنوب لانها غير ذي جدوى عدى دعم جوي محدود وبعض انزالات أسلحة كانت معظمهما تذهب لعناصر موالية للشرعية من عناصر الاخوان المسلمين بينما توجه الدعم الكامل بالسلاح والمال لمشايخ القبائل ومن معهم من قبائل تحت مسمى الجيش الوطني وزجهم باتجاه الجوف ومأرب وهناك تمت الصفقة الاولى في التسليم والاستلام بين الأخوة المتحاربين وكان الفشل الذريع لأول عملية قتالية موجهة ضد الانقلابيين في اول معركة تخسرها الشرعية
وفي نفس الوقت تكون جبهة الضالع الجنوبية قد انجزت مهمة تحرير منطقة الضالع الجنوبية في غضون شهرين وهزمت قوات الانقلابيين التي لاذت بالفرار وفي مدينة عدن كانت المقاومة الجنوبية مستمره في التصدي لجحافل الغزاة الجدد والقدامى وفي سيلة بله كانت عشرات الآلاف من المقاتلين يتحفزون لاقتحام العند وقطع الطريق على الغزاة لتخفيف الضغط على عدن الا ان الشرعية عملت على تجميد هذه الجبهة وتعرضت طلائع تلك الجبهة للقصف الجوي وهي تقاتل في مثلث العند ضد الانقلابيين وكان ذلك سوء تقدير للموقف تتحمل الشرعية مسؤلية ذلك والتي كانت هي من تعطي التحالف معطيات خاطئة للموقف القتالي في الجبهات الجنوبية
منذ البداية لم تكن الشرعية جادة في العودة الى صنعاء وكنا قد حذرنا من ذلك في مناسبات سابقة ولو عدنا الى الايام الاولى انطلاقة عاصفة الحزم لم يكن لدى الشرعية جيشاً نظامي لان الحيش الرسمي قد انحاز كلية الى جانب الانقلابيين وذلك بانحياز عفاش الذي سحب معه الجيش واجهزة الدولة والأمن المركزي وكل ما كان ينتمي اليه خلال حكمه وذهبت الشرعية الى تاسيس جيش قبلي بدلًا من استدعاء العسكريين وإعلان التعبئة العامة وفتح المعسكرات والسير بالإعداد وفقا للنظم والإجراءات العسكرية المتبعة عند اعلان التعبئة
كان الاعتماد على شيوخ القبائل وزعماء سياسيين ينتمون بدرجة رئيسية الى حزب الاصلاح فرع الاخوان المسلمين الى حشد كل الأعضاء التابعين لهم والذين لا يفقهون الف باء العمل العسكرية ووزعت الرتب على من هب ودب ووزعت الأسلحة والأموال ولكن في اول انتشار لتلك الجيوش في منطقة الجوف في بداية العاصفة كان نتيجة عملها العسكري الفشل والجيش القبلي لا يهمه انتصارات ولا اي شيىء غير انه مهتم بكمية الأسلحة والأموال التي تصرف اليه
المتتبع لسير المعارك خلال السنوات الماضية تجد الجبهات التي يتواجد فيها الجنوبيون تنتصر وعلى العكس من ذلك تلك الجبهات التي يتواجد فيها ما يسمى بالجيش الوطني تنهزم ويتم تسليم المواقع للحوثيين بما في ذلك تسليم الأسلحة والمعدات. العسكرية وتسليم معسكرات الشرعية
لكن لم يطرح احد السؤال التالي لماذا لم تتحرك في مناطق الشمال مقاومة شعبية حقيقية ولماذ في الجنوب ظهرت مقاومة شعبية نشطة......... اعتقد ان غالبية الشمال لم يتحمس لمقاومة الحوثي الا نفر قليل لانهم لا يرون في البديل الذي سيصل للسلطة أفضل مما هو موجود واما بالنسبة للجنوب فقد كان لديهم هدف يناضلوا من اجله وهو استعادة دولتهم ولذلك هب الجميع للمقاومة جنبا الى جنب مع التحالف العربي ولهذا انتصر في كل الجبهات المشارك فيها وهنا تكمن
المفارقة العجيبة بان ما يسمى بالجيش الوطني يترك مواقعه للحوثيين ويتحول جنوباً في محاولة لاقتحام عدن بينما القوات الجنوبية تخوض قتالا مريرا مع الحوثيين في جبهة الضالع والساحل الغربي وصعده والحد الجنوبي للمملكة وهذه لا تحدث الا في الأساطير والأحلام التي تصلح لان تعد سيناريوهات لأفلام هوليود الا اننا كنا نتوقع ان يحدث ذلك وخاصة وفد جمدت الشرعية عشرات الألوية العسكريه في اراضي المهره وحضرموت وشبوه وابين وعدن وكانت تحافظ على بقائها في تلك المناطق رغم الحاجة الماسة لتلك القوات بالزج بها في جبهات القتال لتحرير صنعاء من الانقلابيين
السؤال الان هل الشرعية كانت جادة في العودة الى صنعاء وقبل الإجابة على ذلك السؤال لابد ان نضع الحقائق التالية
الجيوش تبنى بهدف صون الأوطان من اي هجوم خارجي او اي تعدي على السلطة الشرعية في البلاد لكن في حالة اليمن انحاز الجيش بكامل قوامه وعتاده العسكري لصالح مجموعة متمردة خرجت من جبال مران لتستولي على عاصمة البلاد وهذه مفارقة عجيبه كيف لهذا الجيش وقادته ان يستسلموا ....البعض منهم ولى هارباً والبعض الاخر انكفىء يتفرج وكان الامر لا يعنيه وهذا الامر يقودنا الى تسأول جديد هل كان ذلك كان من باب توزيع الأدوار بينهما لإعادة السيطرة على البلاد عبر تسليم الامر لهذه المجموعة الجديدة وبعدها العودة الى بوابة الحكم عبرها من جديد ولمصلحة من يجري مثل ذلك السيناريوا المليىء بالمخاطر ليس على مستقبل الدولة الفاشلة باليمن ولكن يجر ذلك الى تغيير جيوسياسي للمنطقة برمتها وترك الأبواب مفتوحة لمن يرغب في التدخل الإقليمي والدولي لفرض أجنداته وتعديل الخرائط السياسية وابراز ادوار لقوى سياسية وخلق قوى سياسية جديدة والدخول في ماراثون صراع إقليمي ودولي لا احد يعرف مداه وحدوده الجغرافية والسياسية
لو تتبعنا ادارة الشرعية للعمليات القتالية سنجد بانها لم تكن تملك تصورًا جاداً وخطة عسكرية وسياسية ذات مصداقية تصنع منها نصراً على الارض ولَم تضع لها أولويات بل نشرت الفساد في كل مكان واصبح لديها جيش من المنتفعين واصحاب المصالح الذين في اول معركة يهربون
ما يجري اليوم أمامنا مشهد غريب عجيب قوات الحوثي على أبواب مأرب والقوات التي يفترض ان تدافع عن مأرب تتحشد على أبواب عدن ... ومأرب في حالة سقوط بيد الحوثي ولكن ما يجري اشبه بالتفاوض عبر التراشق المسلح وحين يكتمل التفاوض ستكون مأرب في قبضة الحوثي ومن جانب اخر لا يوجد توصيف غير ان الحرب انتهت وان الذي يجري هو رسم خرائط جديده لتقاسم إقليمي برعاية دولية
ولهذا وجود قوات شمالية ترافقها جحافل القاعدة والدواعش على أبواب عدن ضاربه عرض الحائط مقررات اتفاق الرياض بالعودة الى مأرب في حين مأرب على وشك السقوط لا يعني غير ان هناك عنصرا اقليميا دخل على خط الازمة ويريد ان يضع موطىء قدم له على الارض عبر بعض السياسيين المتطفلين والذي همهم الأكبر الحصول على وظيفة عند اياً كان ولا يدرون بانهم يدخلون بلادهم في صراعات إقليمية ودولية ستطيح بالجميع وايضا يحققون حلم بعض دول الإقليم بالوصول الى مياه بحر العرب مجاناً
لا ادري على ماذا يفاوض المجلس الانتقالي في الرياض والجيوش على أبواب عدن والخدمات متردية والمرتبات محجوبة عن الجميع وعدن تموج بالنازحين واللاجئين في عملية نزوح ولجوء غير مسبوقة ولا اعتقد ان حقيبة وزارية تعتبر اولوية عن اخراج القوات الغازية المحتشدة على أبواب عدن من الشرق والغرب والشمال وهي نفس أدوات غزو عام 94 م
لابد من رفع الصوت عاليًا بان هناك خطر وجودي اكثر من اي وقت مضى على شعب الجنوب وطالما اليمن تحت البند السابع على مجلس الأمن تحمل مسؤليته تجاه شعب اعزل يتعرض للتدمير وعليه وقف الحرب على عدن فوراً