كان لدخول أحزاب اللقاء المشترك وبصورة رسمية آثار عديدة ومتنوعة ومتضاربة في بعض الأحيان والحديث هنا عن ساحة التغيير (أمام بوابة جامعة صنعاء):
- فمن ناحية جرى رفد الساحات بمئات الآلاف من الشباب ومن فئات اجتماعية أخرى، كالأكاديميين والنساء وقطاع الطلاب من اأعضاء الأحزاب أو المتعاطفين معها، وانضم لاحقا عددُ من رجال القبائل والمتقاعدين العسكريين والمدنيين، معضمهم ينتسبون بهذا الشكل أو ذاك، إلى أحزاب اللقاء المشترك، وما زلت أتذكر يوم نزول الأستاذ محمد سالم با سندوة، رئيس لجنة التشاور الوطني واعتلاءه المنصة وإلقاءه كلمة حماسية قوية ألهبت حماس الشباب وجعلتهم يهتفون لدقائق ويقاطعونه حماساً وإعجاباً قبل إنهاء كلمته.
- ساهم دخول الأحزاب وخصوصا الإخوان في الإصلاح في المساعدة على إدخال أدوات أخرى إلى ساحة التغيير (وأعتقد أن هذا جرى مع بقية المدن وخاصة تعز وإب وذمار)، وذلك من خلال دخول التكنيك الإعلامي، أعني منصة مرتفعة عدة أمتار، وأجهزة الصوتيات، وكامرات التلفزة الثابتة التي يبث بعضها مباشرة إلى محطة سهيل التي كانت قناة الجزيرة تنقل عنها مباشرة في العديد من الأحيان.
- ساهم التمويل الإصلاحي للفعاليات في تمكين شباب الإصلاح من التحكم في خطاب المنصة ونوعية الشعارات وتحديد المتحدثين، ورفض البعض، من غير المرغوبين، وأعترف هنا إنني شخصيا لم أمنع قط من الصعود إلى المنصة والحديث إلى الشباب، ناهيك عن المشاركة في العديد من المنتديات الفكرية التي كانت تعقد في مخيمات الجماعات المتخصصة، كالأكاديميين والطلاب والمهنيين والتربويين وغيرهم، لكن العديدين من الشباب والشابات كانت حظوظهم في التحدث قليلة، وأحيانا معدومة، وهم من أبرز نشطاء الساحات.
- مكنت الكثافة الإصلاحية شباب الإصلاح ليس فقط من تحديد اللغة السياسية للساحة بل والتحكم في مداخلها ومخارجها، من خلال مئات الشباب الإصلاحيين المتطوعين الذين كانوا يفتشون الداخلين والخارجين، وهو ما ساهم في تأمين الساحة، لكن البعض تعرض للرفض من السماح له في دخول الساحة لأسباب غير معروفة.
- جرى عزل الكثير من النشطاء السياسيين والبرلمانيين الفاعلين عن فعاليات الساحة، ودخلت المنصة واللجان المنظمة في صدام مع بعض هؤلاء وهذا ما جرى مع النائب أحمد سيف حاشد ومعه مجموعة من الشباب الاشتراكيين والناصريين والمستقلين من صنعاء وتعز وهمدان وإب وبعض محافظات الجنوب.
- وجاء إعلان علي محسن (قائد الفرقة الأولى مدرع) وهو الذراع الأيمن لعلي عبد الله صالح تأييده لثورة الشباب في 21 مارس، ليحمل نفس المؤثرات ولكن بثقل فيه من السلبية أكثر مما فيه من الإيجابية، ففي الوقت الذي أحدث هذا الموقف شرخا كبيرا في معسكر السلطة فإنه قد جر معه ما لعلي محسن من عداوات وأحقاد ومنازعات مع الكثير من الفئات والجهات والمناطق، ما صار يعني امتعاض شرائح واسعة من التحاق أحد أقطاب فساد واستبداد النظام بثورة تدعو إلى إزالة الفساد والاستبداد، وكل ما يحمل هذا من تفاصيل.
- وبالنسبة للجنوب وبعض الأطراف التي راهنت على نجاح الثورة الشبابية في إجراء تغيير يمكن أن يساهم في إنصاف الجنوب وأبنائه وحل قضيتهم العادلة، فقد مثل تأييد على محسن للثورة عنصر إحباط وامتعاض ويأس من إمكانية أي التقاء بين الثورة الجنوبية والثورة في الشمال، وأحسب أن هذا حصل مع غالبية شباب الثورة في تعز وأماكن شمالية أخرى.
- وحتى لا نتجاهل دور بقية الأحزاب السياسية فإن معظم أحزاب اللقاء المشترك قد وقفت بجانب الثورة الشبابية السلمية، كلٌ من منطلقات حساباته الخاصة مع نظام علي عبد الله صالح، لكن قيادات الأحزاب سعت إلى تجنب التعرض لبعض المواقف السلبية الناجمة عن التحكم الإصلاحي بساحات الثورة وخصوصا ساحة التغيير في صنعاء حفاظا على وحدة الموقف وتماسك جبهة المعارضة.
لقد أثر التحاق علي محسن وهيمنة حزب الإصراح على المشهد السياسي في ساحة التغيير بصورة سلبية على مسار الأحداث مما نفر الكثيرين من الوقوف المتحمس مع الثورة، ويومها (21 مارس) اتصل بي الكثيرون من الشباب من عدن وحضرموت ومحافظات جنوبية أخرى، يسألونني عن تفسير ما جرى، فقلت لهم من موقعي الشخصي كنائب برلماني يشارك في الفعاليات الاحتجاجية، إن انقسام معسكر الاستبداد والفساد هو مكسب للثورة بغض النظر عمن وقف مع من، وعلق زميلي الدكتور المحترم في مستشفى با صهيب ساخراً بالقول:
ـ لم يبق إلا علي عبد الله صالح يلتحق بالثورة وستحققون أهدافكم!! . .وقد ضحكت لتعليقه واعتبرته سوء تقدير للموقف من قبله.
وأخيرا هناك حقيقتان:
- إن الجانب الأهم في هيمنة الإصلاح على فعاليات شباب الثورة لم يبدُ إلا بعد تنفيذ المبادرة الخليجية والاتجاه نحو المشاركة في ما سمي بحكومة الوفاق، حيث هرع الإخوة الإصلاحيون للاستحواذ على المراكز الوظيفية ما دون الدرجة الأولى، مدراء وسكرتاريات المكاتب (مكتب رئيس الجمهورية، مكتب رئيس الوزراء مكاتب الوزراء) نواب الوزراء، محافظو المحافظات ووكلاء الوزارات، والمؤسسات الإيرادية والإعلامية، المؤسسات الأمنية، السفارات والقنصليات وغيرها وهو ما شكل الدولة العميقة التي تتحكم اليوم بقرارات الشرعية وبكل حركات وسكنات المؤسسة رئاسية الجمهورية والوزراء.
- إن دحول الحوثيين إلى ساحة التغيير لم يكن ذا أثر كبير في حينه ولم يحدث أي ضجة إعلامية، بل إن مخيماتهم وعددها قليل بجانب المستشفى الإيراني، قد اقتصرت فعالياتها على أنصارهم فقط، لكن هناك حقيقة، وهي إن الذي يعاتبون شباب الثورة على إدخالهم الحوثيين إلى ساحة الاعتصام، نسوا أن يعاتبوا من أدخلهم إلى قصر الستين وسلمهم المعسكرات والأسلحة والصواريخ والقوى الجوية والدفاع الجوي، وتلك مفارقة لا يستوعبها أي عقل.
وللحديث بقية