قامت قيامة الإخوان بعد عرض حلقة مسلسل "الاختيار 2" عن فض اعتصام جماعة الإخوان الإرهابية وأنصارها في ميدان رابعة العدوية بالقاهرة.. راحوا ينهالون بالاتهامات على صناع العمل بالتلفيق والتدليس تحت شعار "تزيفون تاريخًا عشناه" وكأن مصر كلها لم تعش التاريخ الإجرامي للإخوان خلال فترة رئاسة المخلوع محمد مرسي ثم قيامهم بعد خلعه بممارسة الأعمال الإرهابية في شوارع مصر.
يعترضون على الروايات المضادة لهم عن ذلك الاعتصام المشبوه، ويتهمون من يتبنونها بالكذب والتضليل والافتراء، ويريدون فرض قراءتهم هم للمشهد عنوة على الجميع، بحجة أنهم "الضحايا" وأن "التاريخ يكتبه المنتصرون"!
المثير أن موقفهم هذا يتناقض تمامًا مع تبنيهم القراءة العثمانية-القديمة والجديدة على حد السواء-للحكم العثماني لمصر وبلاد العرب، بينما يرفضون تمامًا أية قراءة للمشهد من زاوية "المغلوبين".. ومن أمثلة ذلك رفضهم رواية المؤرخ ابن إياس عن جرائم الاحتلال العثماني بالقاهرة في العام 1517م، وتذرعهم في ذلك بأنه "من الطبيعي أن يتحدث بالسوء عمن غلبوا الفئة التي ينتمي لها"
سبحان الله، كيف يتسق هذا مع إصراركم على رفض أية روايات رسمية أو مؤيدة لفض اعتصام رابعة بحجة أنها "قراءة الجانب المنتصر"؟
أم أنكم في حقيقة الأمر إنما تتبنون أية قراءة للتاريخ تناسب انحيازاتكم سواء كانت تلك القراءة للطرف الغالب أو للطرف المغلوب، طالما أنها تخدم انحيازاتكم ومصالحكم التي يبدو جليًا تعارضها مع انحيازات ومصالح الوطن؟
فالانحياز لغزاة أجلاف همج كالعثمانيون وتبرير جرائمهم في القاهرة بل والإساءة بها بهذا الحماس الذي يتجاوز "الموقف العلمي من واقعة تاريخية" ويدخل تحت بند "التعصب للمحتل" إنما هو موقف ضد مصر، والانحياز لاعتصام مشبوه مسلح تنطلق من منصته التهديدات لأمن الوطن والمواطنين إنما هو كذلك موقف ضد مصر..
ألم تتبنوا الرواية الرسمية للاحتلال العثماني؟ أي بأس إذن في أن نبتنى نحن الرواية الرسمية للنظام المصري المنتمي لنفس الوطن الذي تحمل أوراقنا جنسيته؟ على الأقل فإنني إذن انحاز لرواية تقدمها حكومة مصرية وطنية لا رواية روج لها محتل قديم ويعيد بعثها طامع جديد في السيطرة على مقدرات أوطاننا!
لو أنكم تروجون لفكرة أن "رابعة مذبحة" فلماذا إذن لا تدينون قيام السلطان العثماني محمود الثاني سنة 1826م بالتخلص من الإنكشارية وتدبير مقتلة بحقهم؟ وإن بررتم ذلك بأن الإنكشارية كانوا متمردين مسلحين، ألم يكن اعتصام رابعة تمردًا مسلحًا؟ بم نصف قيام مجموعة باحتلال منطقة سكنية ومضايقة سكانها وفرض وجودها بالقوة ونصب منصة تنادي طوال اليوم بالويل والثبور وعظائم الأمور وتهدد كل معارض للإخوان ونظامهم بالأذى والانتقام، وقيام هذه المجموعة بإدخال أسلحة متنوعة لداخل هذا "الاعتصام"، وتنظيم ميليشيات مسلحة بحجة تأمينه... كل هذا ألا يندرج تحت بند "التمرد المسلح" الذي يبيح للدولة-بل ويلزمها-أن تقوم بفضه بكل قوة؟!
تريدون الحديث عن "تاريخ عشناه"؟ هلموا إذن خذوا مني تاريخًا عشته وشهدته بنفسي:
-عندما قامت عناصر جماعة الإخوان المسلمين في يوم 28 من يونيو 2013 بالاعتداء على مظاهرة سلمية معارضة للإخوان في منطقة سيدي جابر بالإسكندرية، وأطلقت عناصر الجماعة الأعيرة النارية-رصاص وخرطوش-بشكل مكثف مما أوقع إصابات بين المتظاهرين وأدى لاستشهاد فتاة كانت تقف في شرفة منزلها برصاصة في ظهرها وهي تحاول الفرار لداخل المنزل
-عندما قام الإخوان يوم 7 يوليو 2013 بإطلاق الرصاص والخرطوش بشكل عشوائي مكثف في شارع المشير بمنطقة سيدي جابر بالإسكندرية، وقاموا بتدمير السيارات والممتلكات (أصبت يومها بطلقة خرطوش من جانب الإخوان لكنها لم تسفر عن إصابات جدية لبعد مسافة إطلاقها)
-عندما قام الإخوان يوم 23 يوليو 2013 (خلال شهر رمضان المبارك ) بالاعتداء على أصحاب المحال والأهالي بمنطقة محطة الرمل بالإسكندرية وأطلقوا الرصاص بشكل عشوائي مما أوقع شهداء من المدنيين-وأنا نفسي أطلقوا النار باتجاهي عمدًا وكدتُ أن أصاب في ظهري لولا قيام زميل بجذبي من أمام مرمى النيران- فضلًا عن استهدافهم مقدمًا بقوات صاعقة البحرية المصرية بإطلاق الرصاص عليه من داخل مسجد القائد إبراهيم رغم أن القوات لم تكن قد استخدمت أية قوة من أي نوع بعد، ثم قيام الإخوان بعد ذلك باختطاف بعض المواطنين من المعارضين لهم داخل المسجد وقيامهم بتعذيب أحدهم-وهو صديق لي-بشكل وحشي حتى فجر اليوم التالي مما تسبب في إحداث أضرار جسيمة بساقه التي كانوا قد تعمدوا إصابتها بطلق ناري قبلها!
-يوم 7 أغسطس 2013 (قبل وقفة عيد الفطر بليلة) قام الإخوان بالاعتداء على سكان منطقة محطة الرمل وأطلقوا الرصاص بشكل عشوائي مما أسفر عن استشهاد الشاب أحمد عبد العظيم (23 سنة) والذي كان في المنطقة، المعروفة بانتشار محلات الملابس، لشراء "لبس العيد"، إثر تلقيه رصاصة في رأسه (وقد قمت بنفسي باستخراج هويته من جيبه للوصول لذويه وإبلاغهم)
-قيام الإخوان في يوم فض اعتصام رابعة بحرق المجلس المحلي بالإسكندرية، ومهاجمة قسم باب شرقي بحشود كبيرة، ثم مهاجمة مكتبة الإسكندرية وتحطيم واجهة مدخلها ومحاولة اقتحامها بمجموعات منظمة ترتدي الخوذات وتحمل الهراوات الدروع، ثم مهاجمة الأهالي بمنطقة الإبراهيمية ومنطقة سموحة بالإسكندرية وإطلاق الأعيرة النارية عليهم...
*وليد فكري- كاتب وباحث في مجال التاريخ