تقول التسريبات الواردة من العاصمة السعودية الرياض حيث يجتمع ممثلو طرفي حكومة المناصفة بأن الجانب الممثل لسلطة الرئيس هادي (الشرعية) طرح مجموعة من الشروط لعودة الحكومة وممارسة المهمات التي تضمنها اتفاق الرياض وهي أقل القليل مما يمكن أن تقوم به أضعف حكومة في الدنيا.
وتكشف هذه التسريبات إن من بين تلك الشروط مغادرة قيادات المجلس الانتقالي العاصمة عدن، وترحيل القوات الجنوبية من العاصمة وعودة ألوية الحماية الرئاسية إلى عدن وقضايا أخرى لا تبتعد كثيرا عن تلك الشروط.
أحد الظرفاء علق بالقول :
لا أدري كيف نسى ممثلو (الشرعية) المطالبة بترحيل المواطنين الذين يطالبون بالماء والكهرباء والتربية والتعليم والوقود وتنظيف المدينة، وكيف فاتهم أن يطالبوا بترحيل الموظفين والمتقاعدين المدنيين والعسكريين الذين يطالبون بمرتباتهم المتوقفة منذ سنوات، وكيف نسوا أن يطالبوا بالسماح لتنظيم القاعدة وداعش بالدخول إلى عدن كاستحقاق ضروري لعمل الحكومة؟؟
وبعيدا عن المزاح والاستظراف لا بد من التعرض لاعتبارين رئيسيين ونحن نتناول هذه القضية الجادة :
الاعتبار الأول :
قانوني ويتعلق بواجبات الحكومة المنصوص عليها في الدساتير والقوانين والاتفاقات التي يوقعها السياسيون المكونون لهذه الحكومة (أي حكومة في الدنيا)، ونحن نتحدث هنا عن اتفاق الرياض، فمعظم هذه المطالب والشروط هي من خارج اتفاق الرياض، وحتى موضوع ألوية الحماية الرئاسية هناك فقرة في آلية التسريع تحدد ما هي الألوية التي ينبغي أن تعود ومن هم الأفراد والقادة الذين ليسوا موضوع خلاف بين طرفي الاتفاق، وبعضهم قد عادوا إلى عدن وهم موجودون، ويمارسون أعمالهم، ومن هنا يصبح كل مطلب إضافي باطل وعلى الحكومة أن تعترف بأنها فشلت في القيام بعملها ولا داعي للبحث عن حجج ومبررات مصطنعة للهروب من الاستحقاقات المفروضة التي لم تنجز منها شيئاً، ومن حق رئيس الوزراء والوزراء، بل من واجبهم، أن يقدموا استقالاتهم وسيكون احترام الناس لهم أفضل ما هو عليه اليوم وهم في الحكومة التي لم توفر الإضاءة لمقر إقامتها.
والاعتبار الثاني :
منطقي لا بد أن يدركه كل ذي قدر من الفطنة ولو كان ضئيلاً، وينبغي على الأشقاء رعاة الاتفاق أن يكونوا هم أول من يتمسك بمقتضياته، وهذا الاعتبار يمكن تلخيصه في ما يلي :
لقد أخفقت القوات المسماة بـــ"الجيش الوطني" والتي يقودها نائب رئيس الجمهورية ووزير دفاعه، أخفقت في الدفاع عن معسكراتها وأسلحتها والنقاط الاستراتيجية التي كانت تحت سيطرتها، وسلمت محافظات بكاملها للقوات الحوثية، وانهارت في أيام وأحيانا في ساعات أمام هجمات الأطفال الذين تحشدهم المليشيات.
ولو وجدت قيادة سياسية وتنفيذية تتمتع بقدر من الصلاحيات وشيء من المسؤولية الوطنية والأخلاقية، لكانت ألقت القبض على هؤلاء القادة وقدمتهم للمحاكمة العسكرية المباشرة، وأقل عقوبة كان ينبغي اتخاذها بحق هؤلاء هي الإقالة من مناصبهم (كي لا أقول سجنهم أو إعدامهم بتهمة الخيانة) واستبدالهم بقيادات كفؤة تحرص على تحقيق نجاحات ملموسة أو على الأقل تحمي المواقع والمدن والبلدات الواقعة تحت سيطرتها.
ومن هنا فإن مثل هذه القيادات لا يمكن ائتمانها على تولي قيادة القوات الجنوبية التي أجهضت المشروع الانقلابي، وأخمدت كل النشاطات الإرهابية، كما لا يمكن تسليمها محافظات جنوبية جديدة لتتخلى عنها للمليشيات الحوثية كما فعلت مع محافظات الجوف ومأرب والبيضاء وفرضة نهم الاستراتيجية.
لقد انقلبت الآية فصارت الحكومة هي من يتدلل في المطالب وطرح الاشتراطات للعودة، بدلا من أن تذعن لمطالب الشعب التي يفترض أن يطرحها للقبول بعودة حكومة أذاقته الأمرين ولم تفعل له سوى مضاعفة العذابات وتنمية الآلام وتوسيع دائرة التجويع والإفقار.
ممثلو (الشرعية) المختطفة، يتذاكون بغباء شديد وكل الهدف من هذه الاشتراطات هو إطالة عمر الأزمة وتيئيس المواطن الجنوبي ثم تحريضه على المجلس الانتقالي بلا أي معنى، وهي لعبة حمقاء مكشوفة ستنقلب نتائحها على اللاعبين.
أن مثل هذه اللعبة يجب أن تدفع كل ذي عقل سليم إلى المطالبة بإقالة هذه الحكومة وتشكيل حكومة مناصفة من وزراء جنوبيين يعيشون بين الناس ويشاركونهم همومهم وآلامهم ويتقاسمون معهم أفراحهم وأتراحهم، بدلاً من وزراء مغتربين يزورون مكاتبهم كل ستة أشهر، أو كل سنة ثم يعودون أدراجهم لــ"التشييك" على منازلهم وممتلكاتهم في بلاد المهجر، وبالمقابل السماح للأشقاء في محافظات الشمال للتفرغ لخوض معركة التحرير من الذراع الإيراني الذي يزداد تمدداً كل يومٍ بينما يزداد ممثلو (الشرعية) انكماشاً وتضاؤلاً أمام هجمات الصبية من هذا الذراع.
والله ولي الهداية والتوفيق.