قال الله في محكم كتابه الكريم(وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون:
اللهم يا من خلقت الكون ورفعت السماوات بغير عمد، اللهم يا من لك الملك وبك دون سواك تبتهل النفوس بالدعاء ورجاء، وتسمو بذكرك روحانية الإيمان بطاعتك والخشوع سجودا بترتيل أسمائك الحسنى، اللهم لك أنت وحدك نتضرع ابتهالاً بعظمة شأنك وقدرتك في أن تقول للشيء كن فيكون، يا من وهبت لعبادك ومخلوقات الحياة قيم الحرية والكرامة، وألهمتهم نواميس الاعتزاز بشيم الروابط والعلاقات الإنسانية فوق سطح البسيطة، وزرعت فيهم أصالة عشق الانتماء وهوية حب الأرض والاستعداد للذود عن حياضها وعزتها وكرامتها وسيادتها، وزرعت في تلابيب أرواحهم مشاعر الوفاء والتضحية والاستبسال في سبيل حمايتها من جبروت الطغاة والطامعين، وميزت الكثيرين منهم بدرجات من علو مراتب الشجاعة والشهامة والإقدام، لتطهيرها من دنس المحتلين ورجس الغزاة الطامعين..
فيا أيها المتوج بأكاليل غار المجد والشموخ.. أنت يا من تشرئب لك الأعناق منتشية بالفخر فتتأهب حماسا لتسطر أروع ملاحم الانتصارات.. أنت يا من بك تسمو هامات الأبطال بعنفوان الشجاعة لاقتحام متاريس الغزاة وتدمير ثكنات تحصيناتهم العدوانية.. أنت وحدك أيها الشهيد (الشوبجي) يحيى محمد مثنى أبو الشهداء ( مازن - شلال – أنور)، يا من كان لك شرف التضحية بروحك الطاهرة لتلحق بأبنائك الثلاثة الأبرار، فتخلد اسمك وروحك ومكانتك الأسرية وتجسد أسمى معاني الوفاء بمصداقية المواقف البطولية بالانتماء لأصالتك الوطنية الجنوبية.. أنت أيها الشوبجي المخلد بذاكرة الوجدان وفي ضمير كل من يتباهى فخراً وعزاً بانتمائه الوطني لأرض الجنوب وشعيه العربي، فلم يسبقك أحد في تاريخ البطولات الإنسانية ليقولها بكل ثقة وقناعة ومصداقية حينما ذهب إليه بقرية العبارى بمديرية الضالع الرئيس القائد اللواء عيدروس قاسم الزبيدي وعدد من أعضاء هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي لتعزيته باستشهاد أبنائه الثلاثة ( مازن وشلال وأنور) قال لهم معاتبا: " لا,,, تعزوني ولكن باركوا لي باستشهاد أولادي فلم تهتز لي شعرة باستشهادهم بل زدت فخراً واستعداداً للاستشهاد في سبيل الدفاع عن الأرض والعرض وسيادة الوطن" فيا له من رجل عظيم تجلت فيه تلك المشاعر النضالية، التي لم يكتف بها كدليل قاطع على عهد الوفاء بتقديم الثلاثة الشهداء قربانا لوطنه وشعبه الجنوبي فحسب، ولكنه قالها مجددا وبكل سجايا روحه المتلهفة للتضحية في مقابلته التلفزيونية مع قناة عدن المستقلة (روحي وأرواح أبنائي جميعا فداء لكل أرجاء الوطن، ومهما قدمنا من تضحيات تظل قليلة في سبيل تحرير وطننا واستعادة دولته).
هكذا هم العظماء الذين جادت بهم نوادر التاريخ الجنوبي الحديث والمعاصر، وشاء لهم الله تعالى بأن اصطفاهم بقيم الجود وشهامة التضحية، فكتب لهم سبحانه سبيلا لملاقاته في ذلك اليوم الموعود الذي لا ريب فيه، وهم بأنفسهم المطمئنة جالسون على أريكية الرحمة والغفران، ينظرون إلى عباده الأخيار من الأنبياء والشهداء والصديقين.
فماذا بوسعنا أن نسجل هنا من كلمات الاستحقاق البطولي، أو ندون من عبارات الوفاء لأمثال ذلك الرجل الجسور الشهيد الراحل عنا إلى عالم الخلود الأبدي، وعن أبنائه الشهداء الأبرار، وعن أشباله الأحياء الميامين ( نبيل - صلاح - محمد - جيفارا - صدام - جار الله) حفظهم الله وأطال بأعمارهم، وعن أسرة الشوبجي التي صارت مسكونه برمزيتها المتألقة حبا وتقديرا واحتراما في تلابيب الوجدان لدى كل مناضلي شعبنا الجنوبي.
وفي هذا السياق المهيب يمكننا الاستدلال على نوازع شهيدنا الخالد الوطنية والقومية والأممية، من خلال التوصيف الدلالي لمعاني اختياره لأسماء أبنائه، حيث يتبين لنا عن مدى الرمزية في تمثل أسمائهم بأسماء الشخصيات المتميزة بمأثرها التاريخية ودورها النضالي المشرف في سبيل الحرية والكرامة والسيادة الوطنية، فكان اسم (شلال) تمثلاً بالشهيد الجنوبي البطل علي عوض شلال الكازمي، و ( صلاح وصدام) تمثلاً برموز القومية العربية صلاح الدين الايوبي وصدام حسين المجيدي، في حين كان اسم (جيفارا) تمثلا برمزية المناضل الأممي الارجنتيني تشي جيفارا، واسم (جار الله) تمثلا بالرمز الوحدوي الشهيد جار الله عمر. بينما نجد اسم ( محمد) تمثلاً بالأيمان الروحي لمكانة رسولنا الكريم محمد (ص) خاتم الأنبياء والمرسلين، أما رمزية أسماء( مازن وأنور ونبيل) فدلالة رمزيهم فتعني الخير والقيم النبيلة والخلق الرفيع وسعادة الإنسان في حياته الاجتماعية. هذا ما نعتقده والله أعلم بتفسير الأمور...
وخلاصة القول: عن ما يحق لنا أن ننحني إجلالاً وتعظيما بالسلام على شهيدنا المغفور يحيى محمد الشوبجي وأبنائه الثلاثة، هو الوقوف أمام معاني تلك العبارات التي قالها ذلك البطل المغوار حينما انهالت عليه التعازي والمواساة من قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي وقيادات الوحدات العسكرية ومن الشخصيات السياسية والاجتماعية ومن مناضلي شعبنا الجنوبي، هي قولته الشهيرة: ( هنئوني لا تعزوني) وهنا نتساءل عن إي قلب يمكن لمثل قلب يحيى الشوبجي أن يقول مثل تلك العبارة بكل جسارة وشموخ وفخر واعتزاز، مع أن قلبه كأب حنون كان يعتصر ألما وحسرة لاستشهاد ثلاثية أمجاده وفلذات كبده.. لكنه الوفاء والقناعة بالتضحية في سبيل الحرية والكرامة والذود عن الأرض والعرض من أطماع الغزاة الحوثيين.
لقد كتب الله لأسرة الشوبجي بقرية العبارى مديرية الضالع مكانتها التاريخية في سجل النضال التحرري لشعبنا الجنوبي، فصارت مضربا للأمثال في البسالة والشجاعة والإقدام وعشق التضحية في سبيل تطهير أرض جنوبنا الحبيب من رجس الاحتلال ومن أجل الاستقلال واستعادة دولة الجنوب المستقلة كاملة السيادة بمشيئة الله تعالى .
فسلام عليك يا أبي الشهداء وسلام على ثلاثية أبنائك الشهداء، ولكم ولكل شهداء الجنوب ابتهالاتنا وخشوع دعائنا إلى الله العلي القدير بأن يتغمدكم بواسع رحمته وغفرانه، وأن يسكنكم في جنات تجري من تحتها الأنهار، وأن ينزلكم في منزلة عباده الأنبياء والصديقين,
حفظ الله شعبنا الجنوبي وأبناء أسرة الشوبجي وجميع أسر شهدائنا الأبرار.
بقلم/ الدكتور حسين مثنى العاقل
عضو الجمعية الوطنية بالمجلس الانتقالي الجنوبي