صحيح بأن الحزن قد خيم على عدن وتلونت مدينة التعايش والسلام بلون الحداد الأسود، وسالت دموع الألم على خدودها التي غزتها تجاعيد البؤس والشقاء؛ ولكن هذا التفجير الجبان الذي خطط له خفايش الظلام برمي صنارة الاصطياد الآثم في مياه الفوضى لتخلتط الأوراق وتعزز رصيدها في مشهد الاستثمار السياسي؛ لن تثني العزائم عن مواصلة حلم إعادة عدن إلى حضن الأمان وقبلة الحضارة والمدنية وكتابة تاريخها الحاضر بحبر الإبداع القيادي والتميز المعرفي.
بغض النظر عن الطرف الذي يقف خلف حاجز التآمر والذي أمسك بفتيل التفجير وأشعل النار في قلب الوطن، وهز كيان المواطن العدني بتلك الأشلاء الطاهرة التي تناثرت على رصيف الحقد والكراهية، أما آن الأوان لأطراف الصراع السياسي أن تردم هوة الخلاف وتمزق حبال الفرقة بسكين اللحمة وتنصهر في قالب المصالح العليا لعدن التعايش والإنسانية لتقطع طريق الإجرام في وجه من تسول له نفسه العبث بتاريخ الوطن وإرثه الحضاري وإراقة دماء الأبرياء للتقدم خطوة على خارطة الكسب السياسي.
المنطق السياسي يفرض علينا التحلي برباطة الجأش وعدم الإمساك بسياط العتاب واللوم لنجلد به الذوات، والقيام برمي أحجار الاتهام غير المهني في بركة التوظيف والاستثمار لذلك الحادث لنحقق بعض المكتسبات في معركة السباق والتنافس السياسي فإن الوقت لا يتسع للعب ذلك الدور الهامشي؛ بل الواجب يحتم علينا أن نلملم أوراقنا الإدارية ونعيد تشكيل الهوية السياسية والأمنية لنصل بالمواطن إلى درجة الوعي بقضاياه ونخلق الاستعصاء الأمني النسبي.
جميل أن نقوم بالإدانة الأخلاقية لهذا الحادث الإرهابي، وأن نتقمص ثياب الحداد حزناً على من خضب دمه تراب الطهر والعفاف العدني؛ ولكن ينبغي على كل النخب السياسية والأجهزة الأمنية أن ترفع شعار الحزن والحداد بيد، وأن تقيم الأداء الأمني ومنظومة الاستخبارات باليد الأخرى لتضع نقاط تشخيصها على حروف ذلك الإرهاب واستخلاص الأسباب والدوافع التي أدت إلى ذلك الحدث الفارق في عالم التدافع السياسي لضمان عدم تكراره في مستقبل الفراغ الأمني.
الرحمة والخلود لشهداء الغدر الذين قضوا في هذا الحادث الإجرامي وهم في انتظار معانقة الأحبة إلا أن شظايا الإجرام والوحشية كانت أسبق لترسلهم على بساط الشهادة إلى مرافئ الحياة السرمدية، والشفاء العاجل لكل الجرحى الذين صرخت ألسنتهم وهم يعاينون الأضرار النفسية والمادية ويشاهدن الوطن وهو يغتال بأسلحة الحقد والكراهية، فلا نامت اعين الجبناء ومن يتاجر بقضايا الوطن وبدماء الأبرياء لتحقيق نقلة نوعية على خارطة الكسب السياسي والإعلامي.
أ. مارسيل فضل