ما زلت أتذكر تلك الأيام العصيبة من نهاية العام 2014 وبدايات العام 2015م حينما فرضت الجماعة الانقلابية هيمنتها على الوضع في صنعاء وانتشرت تقطع الفيافي والقفار وتسيطر على المدن والأرياف بعشرات الآلاف من الكيلومترات المربعة في طول وعرض معظم محافظات الشمال بلا مقاومة تُذكَر، وحيثما تكونت مقاومة نجح التحالف الانقلابي في إخمادها في معظم مناطق الشمال، وبدأت المواجهة الجادة في عدن ولحج وأبين وشبوة كما في مأرب والجوف والبيضاء، بينما كانت الضالع تعيش حالة الحرب شبه الدائمة منذ منتصف العقد الأول من القرن.
على مدى أكثر من ثمانية أشهر منذ استيلاء التحالف الانقلابي على صنعاء حتى ما بعد إعلان عاصفة الحزم ظلت عشرات الألوية والوحدات العسكرية المنتشرة في وادي وصحراء حضرموت والمهرة، في ما يسمى بــــ"المنطقة العسكرية الأولى"، صائمةً عن قول أي شيء لكنها تذكرت فجأةً أن هناك رئيساً شرعياً اسمه المشير عبد ربه منصور هادي فأعلنت موالاته وتأييده ثم صمتت عدة أشهر أخرى وربما أكثر من عام لتعيد إعلان تأييدها للرئيس هادي للمرة الثانية، ومع ذلك ومنذ ذلك اليوم لم نسمع عن طلقة رصاصٍ واحدةٍ صادرةٍ عن آلياتها التي غطاها الصدأ إلا تلك الطلقات التي توجه إلى صدور المواطنين الجنوبيين في مدن الوادي عندما ينظمون فعالياتهم السلمية الرافضة للسياسات العرجاء لخاطفي الشرعية أو للمطالبة بالحقوق المشروعة لأبناء الوادي .
القوات "الشرعية" في "المنطقة العسكرية الأولى"، تعيش في عالمها الخاص ودولتها الخاصة، بعيداً عن كل ما يخص أية مؤسسة عسكرية أو أمنية وطنية (على افتراض أن هناك جيشاً وأمناً وطنيين)، وقد سمع الجميع عن المرات العديدة التي رفضت فيها توجيهات رئيس الجمهورية بتحريك بعض الوحدات العسكرية مثل تلك المتصلة بمساندة أبناء حجور أثناء مواجهتهم البطولية للعصابات الحوثية، ونفس الأمر حصل مع منطقة عتمة، وهي نفس القوات التي تهربت من تنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض القاضي بنقل القوات العسكرية لمواجهة الحوثيين في مناطق التماس.
لم تَقُم عشرات الألوية والكتائب المحتشدة في وادي وصحراء حضرموت ومحافظة المهرة بأي عمل يدل على ولائها لشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، وإذا ما تذكرنا أن هذه الألوية، قيادةً وأفراداً هي جزء من تلك القوات التي انضمت إلى الجماعة الحوثية ورددت الصرخة بوفاء وإخلاص وحماسة، نستطيع أن نبني التوقع المنتظر منها بمجرد إشارة من صاحب مران، أو إيعاز من المتخادمين معه من مواقعهم المنتشرة بين الرياض واسطنبول وحتى عمَّان والقاهرة والدوحة.
الوحدات العسكرية في "المنطقة العسكرية الأولى" تمثلُ كميناً صامتاً يتأهب للحظة التي تسند إليه المهمة ليقوم بما يطلبه منه سادة مران، وهو ما يستدعي أن يضع المتحاورون في الرياض نصب أعينهم أنه ما لم يعاد النظر في هيكلة تلك القوة وإعادة توزيعها على مناطق التماس لتقدم برهاناً واحداً على ولائها الفعلي لشرعية الرئيس هادي ورفضها للمشروع الإيراني، فإنها ستكون الخنجر المسموم الذي سينغرس في خاصرة أية مقاومة جادة للتمدد الإيراني في المناطق الشرقية التي تمثل ثلاثة أرباع مساحة الجنوب وثلثي مساحة (الجمهورية اليمنية) .
كمين وادي حضرموت لا يمكن أن يكون خصماً لإخوته وبني جلدته وأصحاب عقيدته السياسية والطائفية والسلالية القادمة من كهوف مران، وزمن الهادي الرسّي.
فاحذروا هذا اللغم الموقوت الجاهز للانفجار في أية لحظة.