تتسارع ملامح الانهيار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لتبلغ أقصى مداها، ولتصل درجة لم يعد من الممكن تصور شكل الأسوأ الذي ستأتي به الأيام القادمة، فالريال يفتقد كل يوم مقداراً جديداً من قيمته ليتحول إلى حشرة صغيرة أمام عمالقة العملات العالمية، وتبعا لهذا تتضاعف أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية مقابل المرتبات الضئيلة للموظفين الحكوميين والمتقاعدين، وهي المرتبات المتوقفة منذ قرابة العام على ضآلتها، مع تنامي حالة البطالة المستفحلة أصلا منذ ما قبل الحرب، ويترافق مع كل هذا انتشار الأوبئة والأمراض مع انحدار ملحوظ في الخدمات الطبية وتفشي الفوضى وغياب أي ملمح من ملامح الدولة التي يفترض أنها الناظم الرئيسي لآليات تماسك المجتمع وتوازن قواه ونقاط قوته والدفع به نحو المستقبل الأقل شقاءً وبؤساً.
ولا تقتصر ملامح الانهيار على هذه المعطيات المخيفة بل تتمادي في استفحالها لتصل إلى التنامي المتسارع لحالات الفقر التي تشمل قطاعاتٍ واسعةً من الطبقة الوسطى وليصل الأمر ببعض الأسر إلى العجز الكلي عن تلبية الوجبات الثلاث الرئيسية ليومها ولو بالحد الأدنى من القيمة الغذائية، فيكون المقتدر هو من استطاع توفير الوجبة الغذائية المكونة من الكربوهايدرات والماء، لكن ليس الجميع قادراً على توفير هذا الترف! المرعب، وقد جرى تناقل أخبار عن أسر تطوي الأربعة والعشرين ساعة بدون طعام وأخرى تبحث عما يسد الرمق في مكبات النفايات، ومعروف أن المجتمعات الفقيرة ومنها بلادنا ذات نفايات (فقيرة) إن جاز التعبير، وهذه الظواهر لم تشهدها عدن ومدن الجنوب في أي زمن من الأزمنة حتى في مواسم المحن الكبيرة والكوارث الطبيعية.
كانت الأدبيات السياسية والإعلامية تستخدم التعبير المجازي "المجاعة على الأبواب" للإشارة إلى سوء الأحوال المعيشية للناس واقتراب حصول مجاعة لأسباب طبيعية أو اجتماعية، أما اليوم فلم تعد المجاعة على الأبواب، بل لقد رفست معظم الأبواب واقتحمت آلاف المنازل التي يقطنها أناس كرماء متعففون، لهم من الكبرياء الاعتزازبأسمائهم ومكاناتهم الاجتماعية ما يمنعهم من التوجه لمراكز الإغاثة والبحث عن المنح والإعانات الغذائية (على قلتها وتواضع محتوياتها)، فضلاً عن التسول وطلب المساعدات من المقتدرين، التي لم يعتد عليها الناس في عدن وكل محافظات الجنوب.
وهنا نذكِّر كل المعنيين بالأمر والمتدخلين والمتداخلين في هذا الشأن بالمقولة المأثورة "الجوع يولد الثورة والتمرد" فالجائع الذي لا يجد ما يقتات به ليومه مع أفراد أسرته لن يجد خيارا إلا أحد أمرين: إما الموت جوعاً هو وأفراد أسرته أو استخدام ما يملك من قوة بدنية وذهنية لانتزاع اللقمة التي تبقيه وأفراد أسرته على قيد الحياة بأية طريقة مشروعة أو ممنوعة.
وعندما نتحدث عن الأطراف المعنية فإننا نقصد بالضبط ثلاثية: التحالف العربي - الشرعية اليمنية المغتربة - والمجلس الانتقالي الجنوبي كطرف شريك في حكومة المناصفة وكقوة سياسية معترف بها لدى شركاء الحياة السياسية في الجنوب.
وهنا نشير إلى النقاط التالية:
فالتحالف العربي يتحمل القسط الأكبر في معالجة الأزمة ليس فقط لأن دوله هي الأكثر اقتداراً ووفرةً لوسائل المعالجة والمسؤولة عن التعاطي مع ملف الحرب وتداعياتها، لكن لأن التحالف هو المفوض دوليا بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة في ظل بقاء اليمن تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، كما إن عضوية الشقيقتين السعودية والإمارات في اللجنة الرباعية يمكنهما من إجبار الشرعية على القيام بواجباتها والتصرف بمسؤولية مع الأزمات التي صنعتها بفشلها في إدارة الملفات الأمنية والعسكرية والاقتصادية والتنفيذية والخدمية.
كما لا يمكن إعفاء المجلس الانتقالي وبقية المكونات السياسية المشاركة في حكومة المناصفة من المسؤولية الرقابية على الأقل، ولأنني لا أرغب في الخوض في هذه الجزئية التي قد تقتضي وقفةً حاصة، فإنني أنصح الإخوة في قيادة الانتقالي بأن يختاروا بين أمرين: إما المشاركة الفاعلة في الحكومة وإجبار مؤسساتها على القيام بدورها؛ أو إبلاغ الأشقاء رعاة اتفاق الرياض بأن المجلس في حل من هذا الاتفاق نظرا لعدم جدية الطرف الآخر في القيام بواجباته في تنفيذ بنود الاتفاق.