غادر دنيانا قبل يومين المناضل الوطني المعروف سعيد عبداللاه هيثم الوطحي، بعد معانته من مرض عضال، وبهذا المصاب الجلل خسر وطننا مناضل فذ وصلب، بدأ نشاطه ضمن حركة القوميين العرب مطلع ستينات القرن الفارط في الكويت، وعاد بقناعته وبدافع وطني ملتحقاً بالجبهة القومية كأحد مناضلي الرعيل الأول لثورة 14 أكتوبر ضد الاستعمار البريطاني، ثم أسهم بقسطه مع رفاقه في بناء الدولة الوليدة، وكان من الأعضاء البارزين في القيادة المحلية للجبهة القومية في القارة..
عرفته شخصياً منذ مطلع سبعينات القرن الماضي، وكنت حينها طالباً في المرحلة الإعدادية وأصبحنا صديقين، رغم فارق السن والمكانة، لارتباطنا المبكر نحن الطلاب حينها بالعمل الوطني، وقد كان هو أحد رجال السلطة المحلية في يافع الذين شرعوا في تثبيت مؤسسات الدولة الوليدة، وعُرف بدماثة أخلاقه وحسن سريرته وعلاقاته الحسنة مع الجميع، وتنقل في عدد من المناصب في القضاء وفي السلك العسكري وعرفته مناطق يافع، القارة ورصد وظبة وذي ناخب والحد ولبعوس، كأحد المناضلين الذين تنقلوا فيها مشياً على الأقدام، متجشمين صعوبات التنقل في الجبال وبكون الأودية، لإرساء دعائم النظام والقانون الذي تحقق بعزيمة الأبطال وإخلاصهم لوطنهم وتوقهم لرفعته وتطوره بعيداً عن المصالح الذاتية التي يتهافت عليها كثير من (المناضلين الجدد) اليوم.
برز دوره جلياً في بناء المؤسسة العسكرية في يافع، وبشكل خاص مؤسسة المليشيا الشعبيه والاحتياط العام في يافع التي كانت الرديف الرئيس للقوات المسلحة، وأسهمت في تثبيت النظام الوطني وحماية حدود الدولة وصد الاعتداءات، خلال الاحتكاكات مع نظام الجمهورية العربية اليمنية، في السبعينات، وأبلت بلاءً حَسَنًا بفضل وعي منتسبيها وحسن إعدادهم وتدريبهم، حتى أنها كانت الدرع الدفاعي الرئيسي لجبهة يافع حينها، وكان آخر منصب قيادي شغله الفقيد هو أركان المليشيا الشعبيه في محور يافع.
وكان ممن ناضل أيضاً من أجل تحيقيق الوحدة، لكنه وقف ضد الانحراف عن مسارها من قبل شركاء الغدر والمكر، الذين قتلوا الوحدة باجتياحهم واحتلال للجنوب صيف 1994م، فكان ممن تصدوا لذلك الاجتياح، وبالطبع كان مصيره التقاعد الاجباري لمواقفه الرافضة والمقاومة لذلك الغزو والاحتلال، وهو مصير عشرات الآلاف من أمثاله من العسكريين والمدنيين الجنوبيين، ممن تم إبعادهم قسريا من وظائفهم وإحالتهم إلى التقاعد، أو ما عُرف بحزب (خليك بالبيت) وحُرموا من أبسط حقوقهم المكتسبة، بل وشمل التقاعد بعض أبنائه.
وكان ضمن المتقاعدين العسكرين الذين أوقدوا جذوة الثورة السلمية الجنوبية التي انطلق زخمها الهادر في عام 2007م وكان للفقيد دوره التعبوي الهام، إذ أسهم في تشجيع الشباب والدفع بهم للنضال والتوجه إلى ساحات النضال السلمي التي عمّت أرجاء الجنوب من أقصاه إلى أقصاه مطالبة برحيل قوات الاحتلال واستعادة الدولة الجنوبية، الذي ناضل وعمل من أجل عودتها، حتى أقعده المرض، بعد تعرضه لجلطه دماغيه جعلته طريح الفراش حتى توفاه الله، تاركاً خلفه سيرة عطرة، ومواقف وطنية نبيلة، غرسها في أولاده وأحفاده.
تغمد الله الفقيد بواسع رحمته وأسكنه فسيح جنانه، وتعازينا القلبية لأولاده زيد وعادل وعبدالمجيد وآل الوطحي جميعاً.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
شيكاغو
6يوليو2022م