تزداد الأوضاع السياسية والعسكرية في اليمن سوءا رغم تشكيل حكومة جديدة يقودها خالد بحاح، في ديسمبر/كانون الأول الماضي؛ نتيجة سيطرة المجموعات المسلحة على الساحة اليمنية، سواء ميليشيات الحوثيين الشيعية، أو تنظيم القاعدة من ناحية أخرى. وهي حالة لم تكن المملكة العربية السعودية تتمناها خاصة وأنها خسرت حلفاءها التقليديين في القبائل، بحسب تحليل نشرته صحيفة «المونيتور».
وقال «إبراهيم الهطلاني»، في المونيتور، إضافة إلى الأخطار التقليديّة الّتي يواجهها الأمن السعوديّ عبر الحدود اليمنيّة منذ عقود كتهريب السلاح والمخدرات، وحتّى تسلّل وتهريب البشر، شكّل الظهور القويّ لمليشيا «أنصار الله» الشيعيّة خطراً جديداً يهدّد مناطق جنوب المملكة العربيّة السعوديّة على المدى الطويل، خصوصاً بعد النّجاح الميدانيّ الّذي حقّقه الحوثيّون وسيطرتهم العسكريّة على محافظة حجّة (123 كلم شمال - غرب صنعاء) المتاخمة للحدود المشتركة، ممّا دفع بالسعوديّين إلى رفع حال التأهّب العسكريّ على حدودهم المشتركة مع اليمن في أكتوبر 2014.
ويبدو أنّ الهاجس الأمنيّ الموجود أصلاً لدى الرياض، منذ أن كان النّفوذ الحوثيّ مقتصراً على صعده، الّتي لا تبعد أكثر من 45 كلم عن مدينة منطقة نجران السعوديّة ذات الغالبيّة الشيعيّة، سيضاف إليه إحراج ديبلوماسيّ وإعلاميّ آخر بسبب اضطرار الرياض لاحقاً إلى التّعامل مع حكومة صنعاء، الّتي تضمّ مسؤولين سياسيّين وعسكريّين تابعين لجماعة الحوثيّ الموضوعة على قائمة الإرهاب السعوديّة الّتي أعلنتها الرياض في مارس الماضي.
وإنّ الرياض الّتي تتشارك مع اليمن في حدود جغرافيّة تمتدّ نحو 1800كلم وفي مصالح مشتركة، تجعلها أكبر المؤثّرين المتأثّرين بما يحدث في اليمن، ولم تبادر بأيّ دور مباشر وفعّال لوقف تقدّم الحوثيّين، واقتصر دعمها السياسيّ والماديّ على الرئيس اليمني منصور هادي وجيشه الّذي انهارت أركانه أمام الحوثيّين.
ويبدو أنّ القبائل، وتحديداً آل الأحمر تدفع ثمناً مزدوجاً عقاباً على دورها في إسقاط نظام علي صالح وعلى تحالفها مع حزب الإصلاح - «الإخوان المسلمين» المغضوب عليهم من الرياض، وكذلك من أبو ظبي الّتي يقيم فيها، أحمد ابن الرّئيس السّابق علي عبدالله صالح، الّذي ما زال يتمتّع بنفوذ قويّ في المؤسّسة العسكريّة اليمنيّة.
ولقد وافق مجلس الأمن على فرض عقوبات ضدّ الرّئيس اليمنيّ السّابق علي عبدالله صالح ، وقياديّين ميدانيّين للحوثيّين لاتّهامهم بعرقلة العمليّة السياسيّة وإشاعة الفوضى وتهديد الاستقرار في اليمن. والملفت أنّ القرار الأمميّ الّذي صدر في 7 نوفمبر الماضي خلا من اسم زعيم الحوثيّين عبد الملك الحوثيّ، الّذي ورد اسمه ضمن التّسريبات الإعلامية السّابقة.
ويبدو أنّ ما تناقله بعض الصحف اليمينّة عن توجيه الزّعيم الحوثيّ رسالة تهديد مباشرة إلى الرّئيس هادي منصور كان سبباً رئيسيّاً لاستثنائه من مشروع القرار، إضافة إلى حرص واشنطن على تجنّب أيّ استفزاز لإيران في الوقت الحاضر.
وكان عبد الملك الحوثيّ، زعيم حزب «أنصار الله» الشيعيّ، قد أعلن في كلمته الاحتفاليّة في الثالث والعشرين من سبتمبر انتصاره ”السهل“ وسيطرته على العاصمة صنعاء، بعد عمليّات عسكريّة سريعة بدت للمراقبين، كما لو كانت استعراضاً لا معارك حقيقيّة، وفي غياب مريب للقوّات البريّة والجويّة النظاميّة الّتي كانت تتصدّى بقوّة وحزم لمليشيا الحوثيّين في عهد الرّئيس السّابق علي عبدالله صالح.
وهذا أثار الشكوك والاتّهامات السياسيّة على الصعيدين الداخليّ والخارجيّ في تورّط بعض القيادات السياسيّة والعسكريّة اليمنيّة الموالية للرّئيس السّابق صالح في تسهيل عمليّة استيلاء الحوثيّين على العاصمة اليمنيّة، الّتي وصفها الرّئيس اليمنيّ منصور هادي بالمؤامرة، بينما وصفها محمّد عبد السلام النّاطق الرسميّ باسم الحوثيّين بالتّنسيق والاتّصال بين الحوثيين من جهة و علي صالح واتباعه من السياسيين و العسكريين من جهة اخرى.
وحتّى الآن، يبدو أنّ تلك المؤامرة أو الاتّصالات والتّنسيق الّتي كانت تهدف إلى توريط حزب الإصلاح وحليفه آل الأحمر في مواجهة عسكريّة مع مليشيا الحوثيّين للتخلّص من تيار الإخوان وحلفائه لم تحقّق أهدافها، وما زالت جماعة الإخوان المسلمين الّتي فضّلت الانحناء أمام العاصفة متماسكة، ولم تتورّط في مواجهة عسكريّة مع الحوثيّين، كما كان مخطّط لها.
وذلك رغم ما تتعرّض له من اعتداءات عليها وعلى حلفائها من آل الأحمر الّذين فقدوا جزءاً من ممتلكاتهم ونفوذهم في مناطق عدّة، أبرزها في عمران "البوّابة الشماليّة للعاصمة صنعاء" على أيدي مليشيا الحوثيّين الشيعة الّذين سيطروا في يوليو 2014 على مقرّات قبيلة حاشد وحزب الإصلاح «الإخوانيّ»، واستولوا على مقرّات عسكريّة عدّة بكامل أسلحتها، وأبرزها معسكر اللواء 310 وأسلحته وقتل قائده المؤيّد للثورة ضدّ نظام علي صالح العميد حميد القشيبي، الّذي رفض الانسحاب وأصرّ على مقاومة مليشيا الحوثيّين بقيادة عبدالله يحي الحاكم (ورد اسمه ضمن قائمة لجنة العقوبات الدوليّة).
إنّ الحوثيّين الشيعة الّذين سيطروا على مناطق الشمال والغرب يواجهون حاليّاً صعوبات كبيرة في سيطرتهم على مناطق الوسط، حيث ينشط أنصار الشريعة «القاعدة» المتمرّسون في تنفيذ العمليّات الانتحاريّة، ممّا أحدث خسائر كبيرة في صفوف الحوثيّين في المعارك الدائرة حاليّاً في محافظتي إب (193 كلم جنوب العاصمة) ومأرب (173كلم شمال - شرق العاصمة).
وهذا يفسّر التّرحيب الّذي يلاقيه أنصار الشريعة في المناطق القبليّة السنيّة (نبيل الذهب ”القاعدة“ قبل شهر من مقتله بقصف جوي اميركيّ)، الّتي يشعر سكّانها بتخلّي الحكومة اليمنيّة عن حمايتهم وعجزها عن مساعدتهم في استعادة أراضيهم وممتلكاتهم من أيدي الحوثيّين. ولذلك، اضطرّت القبائل الآن إلى التّحالف مع عناصر "أنصار الشريعة"، بعد أن أخرجهم الأهالي من مناطقهم في عام 2013 كمنطقة رداع (150 جنوب شرق العاصمة)، تنفيذاً لطلب الحكومة اليمنيّة وخوفاً من استهداف الطائرات الأميركيّة لأراضيهم.
كما اتّجه بعض السلفيّين التقليديّين في اليمن إلى تبنّي فكر السلفيّة الجهاديّة الّتي تقدّم نفسها حامياً ومدافعاً فعليّاً عن المواطنين السنّة في مواجهة مليشيا الحوثيّ الشيعيّ، ومنهم عبد المجيد الهتاري المؤيّد لتنظيم داعش، بينما إبنه جارالله 14 سنة قتل في 21 أبريل ضمن القاعدة.
كلّ تلك الخسائر والإخفاقات، إضافة إلى فشل الحوثيّين في إنهاء الإخوان المسلمين في اليمن أو إقصائهم يفسّر ويبرّر سبب الحملة العنيفة الّتي شنّها الإعلام السعوديّ ضدّ الرّئيس اليمنيّ السّابق، علي عبدالله صالح، متّهماً إيّاه بالتّخطيط لمؤامرة تهدف إلى تضليل القيادة السعوديّة وإشاعة معلومات مغلوطة لأهداف شخصيّة.
وفي ذلك مؤشّر على أنّ الرياض فوجئت كبقيّة الدول بأنّ ما حصل ميدانيّاً قد تجاوز كلّ الاحتمالات الموضوعة مسبقاً، وأنّه أصبح يشكّل خطراً على أمنها. وأنّ الرياض باتت تحمّل صالح مسؤوليّة ما لديها من معلومات والتزامات وهميّة أو غير دقيقة تتعلّق بطبيعة تحرّكات الحوثييّن العسكريّة وأهدافها.
يدرك السعوديّون أنّ خياراتهم في اليمن الجديد أصبحت محدودة، وأنّ هناك دولاً تشاركهم في القرار، وربّما تتفوّق في النّفوذ، وأنّ التّجارب العسكريّة السّابقة لا تشجّع على إعادة المحاولة، خصوصاً مع مشاركتهم الحاليّة في التّحالف الدوليّ ضدّ «داعش» في العراق وسوريا.
لذلك، قد تضطرّ الرياض إلى دعم فكرة الاستعانة بقوّات عسكريّة إقليميّة أو دوليّة تحت عنوان مساعدة الحكومة اليمنيّة في استعادة سيطرتها، إذا ما استمرّت أوضاع اليمن في التدهور في ظلّ تمدّد الحوثيّين، واستمرار نفوذ الإخوان المسلمين، وتصاعد نشاط القاعدة.
المصدر | إبراهيم الهطلاني، المونيتور