عدن – من عبد اللاه سُميح
يواصل زعيم جماعة الحوثيين في اليمن عبد الملك الحوثي، استعطاف الجنوبيين من خلال خطاباته السياسية التي يلقيها من حين لآخر، سعياً للحصول على مكاسب سياسية لجماعته في المحافظات الجنوبية التي تشهد تظاهرات مستمرة تدعو إلى "فك الارتباط" بين جنوب اليمن وشماله والعودة إلى الوضع السابق بين الدولتين.
وكانت العلاقة بين الحراك الجنوبي وجماعة أنصار الله (الحوثيين) قد شهدت تقارباً طفيفاً إبان انعقاد جلسات مؤتمر الحوار الوطني الذي قدّم فيه الحوثيون رؤيتهم لمعالجة القضية الجنوبية عبر إقامة نظام فيدرالي في اليمن مكوّن من إقليمين لفترة انتقالية لا تتعدى 4 سنوات يتم بعدها منح الجنوبيين حق تقرير مصيرهم، إلا أن هذا التقارب لم يدم طويلاً حيث توسعت سيطرة الحوثيين على أجزاء كبيرة من الشمال لتعود الخطابات إلى مربع "الحفاظ على الوحدة".
وعبّر عبد الملك الحوثي، خلال خطاب ألقاه السبت احتفالا بـ "الإعلان الدستوري" الذي أعلنته جماعته، عن حرصهم "في المرحلة الانتقالية على الالتفات إلى إخواننا الجنوبيين الذين طالما ظلموا من القوى ذاتها التي تسعى للتعطيل ولإثارة الفتن وتخريب المصالح العامة، باعتبارها كانت وراء ظلمهم ومعاناتهم".
وأشار إلى أن أيادي الحوثيين ممدودة "بكل محبة لإخوتنا الجنوبيين لينهضوا بدورهم الوطني بشكل بارز ومتميز وعادل، ونحن داعمون لذلك، وأن نكون معهم بكل محبة، بكل جدّ للخلاص من مظالمهم، وحاضرون أيضاء إلى كل أبناء شعبنا العظيم".
وسبق أن أعلن زعيم جماعة الحوثيين (أنصار الله) في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عن تنازل جماعته عن معظم الحقائب الوزارية المحسوبة على الحوثيين في الحكومة اليمنية حينها لصالح الجنوبيين، قبل أن يحاصر الحوثيون رئيس البلاد ورئيس حكومته وعدد من الوزراء المنتمين إلى المحافظات الجنوبية، وظلّ معظمهم قيد الإقامة الجبرية حتى اللحظة.
وقوبلت دعوات عبد الملك الحوثي في المحافظات الجنوبية بالتجاهل واللامبالاة بـ "اعتبارها محاولات يائسة لاستمالة الجنوبيين إلى الجانب الحوثي خشية وقوع الانفصال، ولإحراج القوى السياسية الأخرى"، بحسب ما قاله الناشط أيمن منصور.
وقال القيادي بالمجلس الأعلى للحراك الثوري السلمي المطالب بفك الارتباط، فؤاد راشد، إن "كل المؤشرات تؤكد أن جماعة الحوثيين كغيرهم من القوى السياسية في الشمال التي تنظر إلى الجنوب باعتباره غنيمة، والحراك الجنوبي لا يثق مطلقاً في أي من الأطراف الشمالية بما في ذلك الحوثيين".
وأكد راشد في حديثه لـ "إرم" أن المجلس الأعلى للحراك الثوري السلمي لتحرير واستقلال الجنوب "في إطار اتصالات جنوبية مع الجميع لتشكيل جبهة جنوبية واحدة، لننتقل جميعاً للبسط على الأرض، ونأمل من دول الخليج مساندتنا في ذلك".
على الجانب الآخر، يعتقد الصحافي المتخصص في شؤون الحراك الجنوبي، حسين حنشي، أن "انقلاب مبادئ الحوثي تجاه الجنوب، كان أشد وقعاً من انقلاب الجماعة على القصر الرئاسي"، فبحسب الحنشي فإن جماعة أنصار الله قدمت نفسها في فترات سابقة كداعم لقضية الجنوب، وكانت رؤيتهم المقدمة لمؤتمر الحوار الوطني حول حل القضية الجنوبية بفيدرالية من إقليمين، وكان الجنوبيون يتوقعون بعد سيطرة الحوثيين أن تعطي الجماعة التي ذاقت الظلم، الجنوبيين حقوقهم السياسية.
وقال الحنشي في حديثه لـ"إرم" أن كلمة عبدالملك الحوثي الأخيرة، لم يلتفت إليها الجنوبيين كثيرا، فقد شعروا بالخذلان من خطابيه السابقين حينما ألغى مشروع الإقليمين وأظهر أن الجماعة أشدّ تمسكاً بالمركزية في صنعاء من أي طرف سياسي حكم اليمن.
ويرى المحلل السياسي، منصور صالح، أن الحوثيين لا يحملون حلاً سياسياً للجنوبيين يزيد عن منحهم حكماً محلياٌ واسع الصلاحيات، "وهو حل لا يرتقي حتى إلى مصافّ حل الدولة الاتحادية المكونة من ستة أقاليم، كما أقرته مخرجات مؤتمر الحوار، فضلا عن حل الإقليمين الذي تطرحه بعض القيادات الجنوبية وتربطه بشرط منح الجنوبيين الاستفتاء على مصيرهم بعد سنوات محددة وكل ذلك للإشارة مازالت خيارات لا تحظى بالقبول لدى القطاع الأوسع وبقيادة الحراك الجنوبي والمتمسك بخيار فك الارتباط والاستقلال عن الشمال ولعل ما كشف عن موقف الحوثيين هذا وبوضوح هو فشل الجماعة في محاولات إقناع الرئيس علي ناصر محمد في تولي مقاليد الرئاسة خلفا للرئيس المستقيل هادي".
وقال صالح لـ"إرم" إن الحوثيين يرغبون في إقامة دولة خاضعة كلياٌ ومباشرة لسيطرتهم، بما فيها منافذها وموانئها البحرية ومياهها ومضائقها، ولذلك لا يمكم أن يقبلوا بالتفاوض حول قضية فك الارتباط، كما لا يمكن أن يبقلوا بمنح أي إقليم آخر صلاحيات واسعة.
وعزا منصور صالح، تمسك الحوثيين بالدولة الموحدة القوية والمتماسكة، إلى وقوعهم كجماعة شيعية في إقليم فقير، هو إقليم آزال، حيث لا موارد ولا موانئ ولا منافذ بحرية ولا طاقة ولا نفط، كما أنهم لا يملكون مياهها صالحة للشرب إذا ما أدركنا أن العاصمة اليمنية صنعاء مهددة بالجفاف بعد سنوات قليلة.