القدس العربي / يطلق عليه أنصاره «الطيب» و»الرجل القوي»
و»الرجل الطويل» فيما يلقبه معارضوه بـ»السلطان» و»الديكتاتور» لكن ما
يُجمع عليه الطرفان أن بائع الكعك «السميط» أصبح الزعيم الأقوى في تركيا من
بعد المؤسس التاريخي للجمهورية مصطفى كمال أتاتورك.
ولد رجب طيب أردوغان في 26 شباط/فبراير 1954 في حي «قاسم باشا» الفقير في
إسطنبول لعائلة فقيرة ومتدينة تتحدر أصولها من مدينة طرابزون، وأمضى طفولته
في مدينة «ريزة» على البحر الأسود، ثم عاد للحياة في اسطنبول عندما كان
عمره 13 سنة.
بسبب فقر أسرته ولتوفير مصروفه، عمل في بيع البطيخ ومن ثم الكعك التركي
الشهير «السميط» خلال دراسته في المراحل الابتدائية والإعدادية، وكان
مولعاً بكرة القدم واقترب من الاحتراف في السبعينيات.
تعلم في مدارس «إمام خطيب» الدينية التي حوربت في سنوات حكم العسكر، وأعاد
هو دعمها وتوسيعها خلال السنوات الأخيرة. تخرج من كلية الاقتصاد والأعمال
في جامعة مرمرة عام 1981.
في العام 1976 انضم إلى حركة نجم الدين أربكان الذي يُعتبر مرشده السياسي
والذي تولى بعد سنوات، منصب رئيس الحكومة في تركيا التي وصفت حينها
بـ»الإسلامية» لكن الانقلاب العسكري في 12 أيلول/سبتمبر 1980 أبعد أردوغان
عن المعترك السياسي حتى العام 1983، إلا أنه عاد في العام 1985 ليصبح مسؤول
مدينة اسطنبول عن حزب «الرفاه» الذي أسسه أربكان.
التطور الأهم كان في السابع والعشرين من آذار/مارس عام 1994 عندما انتخب
رئيساً لبلدية اسطنبول أكبر مدن تركيا من حيث عدد السكان وحقق خلال ولايته
طفرة كبيرة في العمل البلدي والإنجازات مما أكسبه شعبية كبيرة، إلا أنه
اضطر إلى الاستقالة تحت ضغط العسكر في العام 1997.
أدين عام 1998 بتهمة «التحريض على الكراهية الدينية» وأُقصي من الحياة
السياسية وسجن لمدة أربعة أشهر في العام 1999. وأخذ عليه القضاء انه قرأ
أثناء خطاب جماهيري في كانون الأول/ديسمبر 1997 شعراً يقول فيه: «مساجدنا
ثكناتنا، قبابنا خوذنا، مآذننا حرابنا والمصلون جنودنا، هذا الجيش المقدس
يحرس ديننا» وهو الشعر الذي بات يكرره في كثير من خطاباته السياسية مؤخراً.
في تموز/يوليو 2001، أجازت له المحكمة الدستورية العودة إلى السياسة فأسس
في 14 آب/أغسطس 2001 حزب «العدالة والتنمية» برفقة الرئيس السابق عبد الله
غُل، والذي استقال منه لدى توليه منصب الرئيس في آب/أغسطس من عام 2014.
فاز الحزب في الانتخابات التشريعية التي جرت في تشرين الثاني/نوفمبر 2002،
لكن أردوغان لم يتمكن من تولي رئاسة الوزراء لإعلان المجلس الانتخابي
الأعلى عدم أهلية انتخابه قبل شهرين من ذلك، وتولى عبد الله غُل (نائبه في
رئاسة الحزب آنذاك) المنصب حتى يتسنى له تنظيم انتخابه شخصياً أثناء
انتخابات تشريعية جزئية تمكن خلالها من الترشح بفضل تعديلات أقرها البرلمان
الذي يهيمن عليه حزبه، وأصبح من بعدها رئيساً للحكومة في 11 آذار/مارس
2003.
واصل الحزب صعوده برئاسة أردوغان وتمكن من الفوز في الانتخابات العامة
(البرلمانية) عام 2007 و2011 على التوالي، وواصل أردوغان ترأسه للحكومة
طوال هذه الفترة وحتى انتقاله لكرسي الرئاسة، بالتوازي مع فوز الحزب في
جميع الانتخابات المحلية السابقة.
في العاشر من آب/أغسطس 2014، فاز في أول انتخابات رئاسية تجري بالاقتراع
المباشر من الشعب بنسبة 52٪ من الأصوات، لفترة رئاسية تمتد إلى خمس سنوات
جعلته ثاني شخص يحكم تركيا بعد الزعيم التاريخي مصطفى كمال أتاتورك أطول
مدة، وأعلن أنه سيسعى إلى كتابة دستور جديد للبلاد، وتحويل نظام الحكم في
البلاد إلى «النظام الرئاسي».
تمكن من وضع حد لتدخل الجيش التركي في الحياة السياسية، وشهدت البلاد في
فترة حكمه نهوضا اقتصاديا كبيرا وتمكن من تسديد ديونها للبنك الدولي، كما
عمل على تطوير الجيش، وقرب تركيا من الدول العربية والإسلامية.
اعتمد أردوغان نهجاً جديداً فيما يتعلق بالمسألة الكردية وأنجز إصلاحات
كبيرة، حركتها مساعي الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي التي أطلقت في تشرين
الأول/اكتوبر2005 وما تزال تواجه صعوبات كبيرة، لكن الأحداث السياسية
والأمنية الأخيرة دفعت باتجاه وقف مسيرة السلام مع الأكراد.
اتهم حليفه السابق فتح الله غولن بقيادة محاولة انقلاب ضده من خلال النفوذ
الواسع لعناصر ما اسماه «الدولة الموازية» في مفاصل الدولة وخاصة سلكي
القضاء والشرطة، وشن ضد أتباعه حربا شرسة ما زالت متواصلة حتى اليوم.
وعلى الرغم من تعرض الحزب الذي أسسه إلى انتكاسة في انتخابات السابع من
يونيو/حزيران الماضي، إلا أن أردوغان عمل على دعمه بكل الطرق الممكنة وساهم
في عودته لحصد الأغلبية البرلمانية بالانتخابات التي جرت في الأول من
تشرين الثاني/نوفمبرالجاري.
ويطمح أردوغان في فترة رئاسية ثانية تمكنه من البقاء على سدة الحكم حتى عام
2023 وهو العام الذي تصل فيه الخطة الإستراتيجية للحزب الذي تقلد الحكم
عام 2003 إلى نهايتها، حيث وعد أردوغان بوضع بلاده في هذا التاريخ بين أهم
وأقوى 10 دول في العالم.