ان المقالات المتتالية الحاضرة ليست من جعبة كاتبها الا قطعا بسيطة. ذلك
لان الموضوع المطروح وهو «الدولة الاسلامية» طرح غامض لا تتراءى عناصره
بسهولة للمراقب.
لذلك اكثرنا الاستعانة بالاخصائيين الذين قاربوا هذا
التنظيم، ومنهم قلّة دخلوا به وعاشوا فترة في ارجائه، كالصحافي الالماني
كريستوفر رويتر.
ان ما سيجده القراء الكرام معلومات مثيرة ومنوّرة، ذلك
لانها صحيحة وقائمة. هذا ولا يزال يبقى الكثير من الوقائع خفيّة علينا.
ربما ان المستقبل يتيح لنا سبر اسرارها.
ان «الدولة لاسلامية» (داعش) تعتبر سوريا الحقل الرئيسي للقتال ضد
اعداء الاسلام. والحقيقة ان هذه الفكرة الرؤيوية راسخة في الذهن المسلم
السائد. فكما في المسيحية يبدو ان الاسلام ومنذ نشأته ظهر ضمن حركة مخلصية
messianique. تنذر بحصول الدينونة الالهية.
في الواقع ان السورات الاولى في القرآن الكريم تذكّر بالنبؤات الرؤيوية ويوم الحساب الالهي النهائي.
في
كتاب المسلمين المقدّس ـ القرآن ـ هناك شخصية مركزية اتى الكتاب على ذكرها
وهي «النبي الدجّال» الأعور. وهو يقابل في المسيحية شخصية « المسيح
المنافق» Artechrist الذي ذكره «العهد الجديد».
ففي مجمل هذه التنبؤات
ورغم الفوارق الطفيفة التي طرأت على بعضها، نقرأ ان القتال النهائي بين قوى
الحق وقوى الباطل ستحصل في دمشق، عندئذ سيعود يسوع المخلص الى الدنيا
ويقتل الخنازير، وينهي أمر الدجّال ويحطم الصليب في سياق اسلمته الرمزية.
وهكذا
وفي معتقد الجهاديين قد تجمعت مجمل الاشارات الدالة في الشرق الاوسط ان
الجهاديين هؤلاء قد استقوا معلوماتهم «الرؤيوية» من الاحاديث النبوية وهي
تتاشبه مع اسطورة Armagedon اليهودية. في ذلك اليوم، سيعود المسلمون من
المدينة المنورة. ويهزمون «الروم»...
} الارث العثماني }
ان التشابه
ما بين هذه العقيدة والمعتقدات المسيحية الاساسية، يعود الى أن الجهتين قد
استقيا معتقدهما من النبع نفسه، الا وهو مصدر الاساطير (الخرافات؟!) mythes
القديمة شرق الأوسطية. الا ان هناك لدى الحضارة الاسلامية أمراً مخلّصياً
messianique ليس له مثيل في المسيحية. وهو عودة الخلافة التي تثبت الدولة
الاسلامية التي يسوسها عنصران : الشريعة والخليفة الذي يمتلك بيده السلطتين
السياسية والدينية، اذ انه وريث الرسول صلّى الله عليه وسلّم. هذا
واستتباعاً لهذا الواقع يضاف اليه المعتقد الايماني المترسخ في الذهن
المسلم وهو ان الخليفة الحق سيظهر لا محال باذن الله وبركته وعندئذ سينتصر
الحق على الباطل.
اما الحقيقة التاريخية التي لحقت بأوضاع الخلافة فهي
انه، ما عدا خلافة «الراشدون» الأوائل وفترة قصيرة من الخلافة العباسية في
القرون الوسطى، لم تتمكن «الخلافة» من فرض نفسها على المسلمين كافة. وبقيت
الامبراطورية الاسلامية، المترامية الاطراف من الغرب الاوروبي حتى الشرق
الاسيوي، مقسمة ممالك وامارات...
ولكن رغم هذا الواقع قد أولت فكرة
الخلافة نموذجاً فعّالاً للحاكمية الاسلامية التي، وكما يشرحها الاخصائي في
الفقه الاسلامي وائل حلاّق ترتكز على «أسس أخلاقية شرعية، سياسية،
اجتماعية وما ورائية تختلف تماماً عما هي الحال في الدولة الحديثة».
فخلال
القرن التاسع عشر، اعاد السلاطين العثمانيون فكرة احياء «الخلافة» جواباً
على ما مارسه القياصرة الروس وملوك سلالة هايسبورغ النمساوية الذين امتلكوا
حق حماية الرعايا المسيحيين في المناطق الخاضعة للحكم العثماني. وهكذا،
وباسم «الخليفة» اصبح للسلطان العثماني الحق في ان يحمي الرعايا المسلمين
المقيمين في البلدان الواقعة تحت حكم ملوك اوروبا من روس أو نمساويين.
ولكن الحرب العالمية الاولى 1914 - 1918 والثورتين الروسية - سنة 1917 - والتركية سنة 1922 - دفنت هذه الفكرة التي لم ترَ النور.
ففي
سنة 1924 قرّر حاكم تركيا الجديد مصطفى كمال الملقب أتاتورك اي «اب
الاتراك» الغاء الخلافة. لم يلاقِ هذا الفعل أي ردة فعل تذكر في تركيا! لكن
اصداءه هزت ضمائر المسلمين في بلدان المشرق وشمال افريقيا.
المصدر / صحيفة الديار اللبنانية