يتجه المشهد في اليمنإلى الأسوأ، والمفاوضات السياسية الدائرة مجرد غطاء، إلى أن تكتمل الترتيبات لما هو مرسوم ومخطط له مسبقا، حيث إن جميع أطراف الصراع في اليمنودول التحالف العربي بقيادة السعودية وإيران، وكذلك المنظومة الدولية بقيادة أميركا، الذين يزعمون في "مفاوضاتهم" الخاصة بالشأن اليمني الحفاظ على أمن اليمنواستقراره ووحدته، إذ يحمل كل طرف منهم السندان، فيما يحمل الآخر المطرقة، وآخر النار، وآخر قضيب الحديد، وآخر الماء، ليتبادلوا الأدوار لإنتاج "دولتين فيدراليتين"، دولة في شمال اليمنودولة في الجنوب، تربطهم ببعض علاقة تؤمن التعايش في ما بينهم، حيث أبرزت ممارسات أطراف الصراع والمصالح الإقليمية والدولية في اليمنالاختلافات المناطقية والسياسية والطائفية والاجتماعية في أسوأ صورها.
المتابع لسير العمليات العسكرية، والملاحظ لتمترس قوات الحوثي وعلي عبدالله صالح في الحدود الشطرية السابقة، وخطاب صالح أخيراً الذي دعا فيه السعودية إلى الدخول في مفاوضات مباشرة مع سلطة الأمر الواقع المفروضة على بعض المحافظات الشمالية، ممثلة به وبالمرجعية الدينيه الزيدية، عبد الملك الحوثي، بالإضافة إلى عودة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى عدن، والقرارات التي أصدرها، سيعرف أن كل هذه الأعمال تصب في اتجاة يمننة الشمال وإعادة الجنوب إلى سلطنات ومحميات، كما كان زمن الاحتلال البريطاني، أي تقسيم الشمال إلى ثلاثه أقاليم والجنوب إلى إقليمين، وما يؤكد ذلك تحرير أجزاء من الجنوب وأجزاء من الشمال.
كما إن ما يجري في الأروقة السياسية، ومواقف اللاعبين الكبار، وخصوصاً أميركا وروسيا، يدل أن مفاتيح القرار في اليمنباتت بيد واشنطن وموسكو، حيث توضح المؤشرات الأولية أنهما اتفقا على أن يترك ملف الشمال وقضية صعدةلروسيا وحليفتها إيران، وملف الجنوب والقضية الجنوبية لأميركا وحليفتها السعودية، حيث واكب ذلك تحرك دبلوماسي لافت، لتقريب وجهات النظر بين جميع الأطراف المتصارعة على الساحة اليمنية، لإيجاد صيغة جديدة لحل الصراع الجاري في اليمن، لأنهم، منذ بداية الأزمة اليمنية، يتناوبون حلّها بالترويض وضرورة القبيلة، بمعنى إن على اليمنيين البحث عن صيغة جديدة، تؤمن التعايش في ما بينهم حتى لو كانت هذه الصيغة لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالوحدة، ولا بدولتي الشمال والجنوب السابقة لدولة الوحدة التي تحققت في عام 1990، ما يؤكد أن الحرب الدائرة في اليمن بعد تحرير الجنوب من مليشيات الحوثي وصالح، هي بين اليمن الشمالي والسعودية، وهو ما عبر عنه خطاب صالح أخيراً.
يبدو أن هدف الجميع هو إنتاج يمن شمالي جديد ويمن جنوبي جديد، يتكون كل واحد منهم من أقاليم وولايات، بحسب رغبة أطراف الصراع والمصالح الإقليمية والدولية في اليمن، خصوصا بعد تحرير أجزاء من الجنوب، وترك محافظة حضرموتالجنوبية الغنية بالنفط خارج اللعبة، وكذلك تحرير أجزاء من الشمال، حيث تدل المؤشرات الأولية على إيقاف الحرب، والعودة مجددا إلى الخيار السياسي، وإتاحة الفرصة للأطراف المتصارعة في اليمن من جديد للحوار والتفاوض على صيغة مقبولة ليمننة الشمال وسلطنة الجنوب، بإشراف مباشر من الأمم المتحدة، ليتم إرسال قوات دولية لحفظ السلام في اليمنوالإشراف على تنفيذ هذه الصيغة.
هذا ما تقولة الوقائع على الأرض، خصوصاً بعد التعيينات التي أصدرها أخيراً الرئيس هادي في عدن، وسلّم بموجبها إدارة شؤون بعض المحافظات الجنوبية المحرّرة للحراك الجنوبي المطالب بالانفصال، وهذه هي الصيغة المفضلة لقوى إقليمية ودولية وللأمم المتحدة نفسها. وسيعني حدوث ذلك أن المجتمع الدولي يعيد هندسة المشهد اليمني بطريقة تؤدي إلى إنجاح مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يهدف إلى تقسيم الدول إلى دويلات صغيرة، بحجة الحرب على الإرهاب في ما يتعلق بالشأن اليمني.
أصبح المواطن اليمني مهيأ لقبول أي شكل من أشكال الدولة الاتحادية التي فرضتها الصراعات المفتعلة الذي تهدف لهذا الغرض، أو أبعد من ذلك، بطبيعة الحال، سيسلم المواطن اليمني غدا لأي أنفصال أو استقلال لأي من تلك الأقاليم أو الولايات أمراً واقعاً، ليتم السير قدما في تمزيق النسيج الاجتماعي اليمني، نزولاً عند رغبة أطراف الصراع المحلية والإقليمية والدولية التي حولت اليمنإلى ساحة حرب إقليمية ودولية، لتصفية حساباتها الفئوية الضيقة.