لم تكن محافظات جنوب اليمن تاريخيا ملاذا مقبولا, ولا مرغوبا, لأي فكر ديني أو مذهبي يحمل طابعا متشددا, بل إن الإسلام المعتدل الذي ساد ويسود دول شرق آسيا اليوم, لم يكن إلا نتاج مدارس ومناهج الدين الوسطي والمعتدل الذي عرفت به مناطق الجنوب اليمني, وتحديدا حاضرة حضرموت شرق البلاد.
وتأسيسا على هذا فإن لا تاريخ ديني متشدد يدعم أي مزاعم لوجود حاضنة ثقافية أو مجتمعية لفكر تنظيم القاعدة المتطرف في نظرته وأحكامه تجاه مسائل الحياة والعقيدة على هذه الأرض التي تمتد مساحتها لنحو 335 ألف كيلومتر مربع من إجمالي مساحة اليمن البالغة 550 ألف كيلومتر مربع, كما أن لا مجال بالمطلق لأن يجد الفكر, أو المذهب الشيعي, أي ترحيب أو قبول في مناطق الجنوب التي تنتمي كليا إلى المذهب السني الصرف, بل انه قد يمكن أن يتجاوز الرفض لتواجد المذهبي الشيعي حالة الرفض للفكر “القاعدي” باعتبار أن “القاعدة” يلتقي مع الجنوبيين في الانتماء إلى مذهب واحد هو المذهب السني.
ولأن الجنوب بات يشكل مطمعا للجميع, بحكم موقعه الجغرافي وثرواته الهائلة التي تبدو للحظة وفي ظل غياب دولة قادرة على إدارتها وإحكام السيطرة عليها وكأنها ثروة مشاعة أو بالمعنى الشعبي “مال سائب يغري للسرقة” فإن كل من تنظيم القاعدة الحالم بإقامة خلافة له ينطلق منها إلى باقي مناطق جزيرة العرب, وكذا لجماعة الحوثي التي تخطط ومن خلفها إيران للوصول إلى أهم ممرات الملاحة الدولية والتحكم بباب المندب, إضافة إلى تحكمهم بمضيق هرمز انطلاقا من حسبة ستراتيجية تقول إن السيطرة على المضيقين (هرمز والمندب) تعادل امتلاك سلاح نووي ناهيك عن وضع اليد على ثروات الجنوب من نفط وغاز واسماك وزراعة وسياحة.
إذا كلا الجماعتين – حوثي و”قاعدة” – تمنيان نفسيهما الأمارة بالأطماع وتبحثان عن الذرائع لغزو الجنوب أو اجتياحه وإحكام السيطرة عليه وتحقيقا لهذا الحلم “الحوثي ¯ القاعدي” في موطئ قدم يحظى بالقبول في الجنوب, فإن كلا منهما قد يسدي لخصمه -ولو من دون قصد – معروفا بمنحه المبرر للظهور كحام ومنقذ من خطر الآخر الماحق على هذه الأرض التي لا وال لها يستطيع حمايتها اليوم من الأطماع.
بالنسبة إلى الحوثيين فمنذ إسقاطهم لصنعاء, سعوا إلى التمدد نحو عدد من محافظات الشمال ذات الأغلبية السنية, كمحافظات إب وتعز, أو السنية المطلقة كمأرب والبيضاء, وكان مبررهم الذي حظي بدعم أميركي, ولو بشكل خجول, هو محاربة “القاعدة”, ولعل هذا هو المبرر ذاته الذي تحاول الجماعة اليوم التسويق له لشن هجومها على الجنوب عبر الحديث عن اختراق “القاعدة” اللجان الشعبية الجنوبية تارة, وتارة بدعوى ملاحقة مقاتلي “القاعدة” الفارين من معارك الشمال إلى مناطق مختلفة في الجنوب مثل أبين وشبوة ولحج.
في المقابل “القاعدة” وبعد أن وجهت له ضربات مؤلمة اجبرته على التراجع والانسحاب من مناطق عديدة في أبين(جنوب) التي احكم السيطرة عليها لأكثر من عام قبل أن يغادرها مع نهاية 2010 يحاول أن يعاود الظهور اليوم رافعاً شعار مواجهة التمدد الشيعي الرافضي, مستفيد من نجاحه في تقديم نفسه كمدافع عن المذهب السني في معارك رداع والزاهر وذي ناعم بالبيضاء وسط اليمن, وهي المعارك التي خاضها “القاعدة” في جبهة مشتركة جنبا إلى جنب مع القبائل وحزب الإصلاح في مواجهة مقاتلي الحوثي حتى صار من العسير, وقتئذ, التفريق بين مقاتلي الجبهة السنية إن كانوا قبائل أو “قاعدة” أو إصلاح.
وفي حين يأمل “القاعدة” أن يعيد استنساخ تجربة حربه مع جماعة الحوثي في البيضاء (شمال) وهي تجربة انتهت بالفشل الذريع عسكريا بتجربة مماثلة جنوبا, فانه قد لا يجد القبول ذاته وقد يدفع بانقسام الشارع الجنوبي في التعامل مع وجود هذه الجماعة التي يتهمها كثير من الجنوبيين بأنها تابعة لمراكز قوى في صنعاء تحركها وفق أهداف ومرام خاصة بها وتخدم مصالحها, كما أنها قد تسهم في تبريرالاجتياح الحوثي للجنوب تحت حجة محاربة “القاعدة” وإن لم يكن وجوده يشكل خطرا حقيقيا على هذه الجماعة.
إن تجربة “القاعدة” في حكم إمارة جعار في أبين (جنوب اليمن) بواسطة ذراعه المحلي أنصار الشريعة التي استمرت لأكثر من عام وتجربة الحوثيين في إدارة عدد من محافظات الشمال والمستمرة منذ أشهر إلى اليوم لا تحفز أيا من الجنوبيين للتماهي معهما أو قبولهما بطيب خاطر, لكن الجنوبيين ووفقا لأوضاعهم السياسية والعسكرية المتداعية قد لا يستطيعون منع إن تفرض عليهم هذه الجماعات حربا وصراعات مدمرة لا يملكون إلا دفع ثمنها من أمنهم ودمائهم وهذا ما يبتهل الجنوبيون إلى الله متمنين عدم حدوثه.
صحافي من جنوب اليمن
نقلا عن صحيفة السياسة الكويتية .